بالرصاص الحيّ

بالرصاص الحيّ

04 أكتوبر 2016
ثقافة السلاح متجذّرة (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
بعض المناطق اللبنانية، خصوصاً ذات الكثافة السكانية الأكبر على مستوى البلاد، نموذج لتكرار الإشكالات المسلحة بوتيرة أسرع وحجم أكبر في بلد يعرف الكثير من الفوضى.
إشكالات لا تتمكن القوى الأمنية من جيش ودرك، أو القوى الحزبية المسيطرة، من فعل شيء تجاهها. فغالباً ما تكون عائلات المناطق بالذات تنقسم ما بين هذا الحزب وذاك، وكلّ فرد فيها مستعد لفتح جبهة على حسابه.

الأحد الماضي، أي نهار العطلة الأسبوعي، وقع أحد الإشكالات المتكررة بين عائلتين في حي. هو ليس من تلك الإشكالات التي يتضارب فيها شبّان أو حتى يرمون بعضهم فيها بالحجارة، أو حتى يتحاربون بالسكاكين وغيرها. الإشكال في ذلك الحيّ كما في مناطق أخرى من لبنان حدوده الدنيا رشاشات الكلاشنيكوف.

استفاق سكان الحيّ على أصوات الرشاشات وتكسير زجاج نوافذهم بالرصاص الطائش. حتى الشتائم المتعالية في الأجواء اختفى ضجيجها تماماً على وقع صوت أعلى... صوت الموت وخطره المقترب من دون رادع إلّا مشيئة حامليه.

هذه المرة لم يؤدِّ الإشكال إلى وقوع جرحى كمرات سابقة قبل شهر وقبل شهرين وثلاثة وأربعة. لكنّ أحداً لا ينتبه عادة إلى غير الجرحى. لا ينتبه إلى أولئك الذين تحفر تلك المواجهات في أرواحهم الكثير من الرعب، والكثير من عدم الاطمئنان، والكثير من النفور من سلام كاذب وأمن خادع وسلاح لا أفق لنزعه من أيدٍ تعتبره ملهاتها، ولو كان مأساة لغيرها.

لا أحد يفكر في الصغيرة ريم التي لم تصل بعد إلى شهرها الثالث. لا يبالون كيف أنّ طفلة ستكبر وسط أصوات الرصاص والقنابل كما تربّى أهلها وأهلهم. لا الماضي يقدم صورة مشرقة ولا الحاضر. فإذا سلكنا خطاً تطورياً نابعاً مما كان سابقاً ومما هو قائم الآن، على الأرجح سيكون المستقبل شبيهاً، خصوصاً أنّ أحداً لم يبادر إلى تغيير شيء نحو الأفضل. حتى إذا لم نسلك خطاً تطورياً وربطنا الوضع بمتغيرات مختلفة كثقافة السلاح المتجذرة في المجتمع اللبناني وحالة الفلتان والاستقواء فإنّ النتيجة تبدو أسوأ.

ذلك الحيّ نموذج واقعي لما يجري في كثير من المناطق اللبنانية، خصوصاً مع إضافة أزمة اللجوء السوري إلى كلّ المشاكل الأخرى التي لم تجد حلاً بعد.
حلّ أزمة السلاح المنتشر في أيدي الناس، يسبقه حلّ أزمة الهوية الوطنية. هل يعتبر المواطن اللبناني نفسه مواطناً في دولة، أم فرداً في عائلة وعشيرة وطائفة؟ هل القوانين العامة هي التي تحكم سلوكه أم الأوامر الحزبية؟

في المقابل، هل يريد أحد من المسؤولين الحلّ؟ أم أنّ الخلاف على المناصب هو الأساس وحده ولا قضية غيره؟

دلالات

المساهمون