مصريّات ينشدن النفقة

مصريّات ينشدن النفقة

21 أكتوبر 2016
المرأة هي التي تدفع ثمن الانفصال (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

أكثر من أربعة ملايين، عدد النساء المطلّقات في مصر اليوم. هذا ما يفيد به تقرير للمجلس القومي للمرأة صدر أخيراً. وتتردّد كثيرات من هؤلاء يومياً على محاكم الأسرة، أملاً في الحصول على نفقة لأولادهنّ. وهؤلاء النساء هنّ من كلّ الفئات، فقيرات أو محدودات الدخل أو سيدات مجتمع، ينتظرن عدالة السماء بعدما فقدن الثقة في عدالة الأرض. فالآباء تهرّبوا من تسديد نفقة أبنائهم بعد زواج ربما استمرّ سنوات طويلة.

وصلت دعاوى النفقة بعد الطلاق منذ يناير/ كانون الثاني من العام الجاري، إلى نحو 450 ألف دعوى، وفقاً لتقرير المجلس القومي للمرأة، وهي تمثّل 80 في المائة من الدعاوى المرفوعة أمام محاكم الأسرة سنوياً. يُذكر أنّ هذه القضايا تنتظر لسنوات حكماً من شأنه إنهاء معاناة عدد كبير من النساء المطلّقات.

والمرأة في مصر هي التي تدفع ثمن الانفصال عن زوجها بعد وقوع الطلاق، سواء أمام المأذون الشرعي أو من خلال حكم قضائي. كأنّما هي السبب في ذلك. وتتوالى المشاكل، أولاها "نفقة الزوجية" التي تبدأ معها أيّ امرأة مطلّقة رحلة العذاب. وتستمرّ تلك الرحلة سنوات بين أروقة المحاكم وأقسام الشرطة، فتغرق بين الروتين والبيروقراطية وبين الأوراق هنا وهناك. كذلك، توكّل محامياً لقاء بدل مرتفع، بحثاً عن حقوقها المادية. وتعيش مرارة الحياة وقسوتها، خصوصاً في حال كان لها أولاد من مطلّقها. ويحاول الرجال المطلّقون بمعظمهم التحايل على القانون، فيطالبون بتولي حضانة الأبناء سواء أكانوا ذكوراً أم إناثاً للضغط على المرأة حتى تتنازل عن النفقة في مقابل استمرارها في حضانة أطفالها.

بعد حكم المحكمة بالنفقة، تعرف المرأة المطلّقة أزمة أخرى، إذ يختفي مطلّقها في جهة غير معلومة للتهرّب من تسديدها، أو للثأر لكرامته بسبب الطلاق وحرق قلب مطلّقته، أو لقلة المال لديه. ولا تعرف المرأة أين اختفى ولا أين يعيش، حتى السلطة التنفيذية ممثلة بالشرطة لا تستطيع الوصول إليه. وإذا عرفت مكانه، قد تُعدّ تقارير بالرشوة، تفيد بعدم الاستدلال على مكانه. هكذا، تضاف مأساة جديدة إلى مآسي المرأة المطلّقة، التي لا تملك المال للإنفاق والتي لديها أطفال في المدارس أو بنات على "وشّ زواج". كذلك، قد لا تملك المال الكافي لتسديد أتعاب المحامي. فتلجأ كثيرات إلى بيع الغالي والنفيس للحصول على النفقة، التي تصل ربما إلى آلاف الجنيهات بسبب تراكم الديون على الرجل المطلّق.

إلى ذلك، تنادي أصوات في مصر بأنّ الحضانة هي حقّ للأم المطلّقة، سواء أكان الأطفال فتيات أو فتياناً، إذ هي الأكثر قدرة على الحفاظ عليهم من التشرّد. وثمّة رجال يرفضون الإنفاق على أبنائهم، متعمّدين إلقاء المسؤولية كاملة على كاهلها. ويقولون: طالما هي راغبة في حضانة أبنائها، فلتتحمل مسؤوليتهم بالكامل. وفي حين تتحمّل المرأة المطلّقة عبء تربيتهم ومصاريفهم، تُفاجأ بأنّ مطلّقها يشترط عليها عدم الزواج من جديد وإلا أخذ منها أبناءها.




يُعدّ الطلاق في مصر قضية اجتماعية كبرى، إذ حالة طلاق واحدة تسجّل بين كلّ ثلاث زيجات. أمّا نسبة الطلاق الأعلى فتطاول من هم بين العشرين والثلاثين. وتبقى المرأة المتضرّرة الأولى، إذ إلى جانب ما يخلّفه الطلاق لديها من مشكلات نفسية واجتماعية، تحتاج إلى وقت طويل للحصول على حقّها المادي، إمّا بسبب طول مدّة التقاضي أو تهرّب الرجل من تسديد ما عليه من مستحقات، في ظل غياب شبه كامل لما يلزمه بتسريح مطلّقته بالحسنة وبإعطائها كلّ حقوقها وفقاً لأحكام الشرع.

وتشير المعطيات إلى أنّ الرجل في مصر هو من يفرض غالباً الطلاق على المرأة، وبشروطه التي يمليها من موقع قوّة. فحين يضيّق عليها ويسيء معاملتها وينتهك حقوقها، لا تجد في النهاية حلاً أمامها سوى الرضوخ والرضا كُرهاً بمصيرها المجهول ورغبة في الفكاك من الجحيم . وقد تضطر إلى التنازل عن كلّ ما تملك من أجل التحرّر من زوج ترى أنّه ظالم.

في هذا السياق، يطالب المحامي وعضو اتحاد المحامين العرب، فتحي عبد العزيز، بضرورة إنشاء جمعيّة يُعترف بها رسمياً، تهتمّ بحقوق النساء المطلّقات والدفاع عنهنّ في المحاكم، وإنشاء محاكم مستعجلة للفصل السريع في هذه المشكلات، وإلزام المطلّق بالنفقة. يضيف أنّه "في الإمكان اقتطاع جزء من راتبه شهرياً إذا كان موظفاً، أو الحصول على ضمانة مصرفية في حال تنصّله من مسؤولياته". وإذ يقول إنّه "لا بدّ من إعطاء المرأة حقّ الولاية على أبنائها"، يشدّد على "فرض مؤخّر صداق على كلّ حالات الزواج، يحفظ للمرأة حقها ويضمن مستقبلها". ويؤكّد أنّ "المرأة المطلّقة عند مراجعتها دوائر التنفيذ سواء في المحاكم أو الشرطة عموماً، تجد صعوبة كبيرة في الحصول على النفقة بسبب كثرة المراجعات التي ترهقها وهي تكون في الأساس مرهقة نفسياً".

ويتابع عبد العزيز أنّ "دوائر التنفيذ في الدولة مطالبة بإرسال الصكوك واستقطاع المبالغ من رواتب الرجل المطلّق بسرعة، وعلى دوائر الشرطة تبليغ المطلّق المدين بسرعة. كذلك لا بدّ من صرف هذه المبالغ بسرعة من قبل دوائر التنفيذ لصالح المرأة المطلّقة".

من جهته، يشدّد الخبير في مركز البحوث الاجتماعية والجنائية، الدكتور سيد إمام، على "ضرورة وضع حدّ من قبل الحكومة للنساء المطلّقات، خصوصاً أنّ كثيرات منهنّ معيلات". ويقول إنّ "استمرار هذا الوضع من دون حلول، يعدّ كارثة. نساء مطلّقات كثيرات يتسوّلن في الشارع ويعملن في الخدمة المنزلية بحثاً عن لقمة عيش شريفة لأولادهنّ بعدما تركهم والدهم". ويلفت إمام إلى أنّ "كثيرين هم الرجال الذين يلجؤون إلى حيل قانونية للتهرّب من النفقة أو تخفيفها، من قبيل الادعاء بأنّ يتكفّل برعاية الوالد أو الوالدة أو حتى شقيق أو شقيقة مريضة، مستعينين بأوراق مزوّرة. هكذا تتضاءل نسبة ما تحصل عليه المرأة المطلّقة من نفقة". ويطالب البرلمان بـ "ضرورة الاهتمام بوضع المرأة في مصر، خصوصاً قضايا المرأة المطلّقة بعد تزايد الشكاوى ومع وجود ثغرات في كلّ التشريعات المتعلقة بها والتي تحتاج إلى إعادة نظر".

المساهمون