الجامعة الإسلاميّة تغلق أبوابها في غزّة

الجامعة الإسلاميّة تغلق أبوابها في غزّة

14 يناير 2016
حتى إشعار آخر... (محمد الحجار)
+ الخط -

بعد موسم تعليمي عدّه كثيرون الأسوأ في تاريخ التعليم في غزة، ما زالت المؤسسات التعليمية تنهار تحت ضغط الأزمات المالية والانقسام والحصار المفروض على القطاع منذ تسع سنوات. وفي آخر المستجدّات، أعلنت الجامعة الإسلامية إغلاق أبوابها اعتباراً من صباح الأربعاء 13 يناير/ كانون الثاني حتى إشعار آخر. وهو ما أثار ضجّة كبيرة في الأوساط الغزية، خصوصاً بين الطلاب، إذ إن هذه المؤسسة تضمّ أكبر نسبة طلاب جامعيين في قطاع غزة، وقد وجد هؤلاء أنفسهم في مواجهة مستقبل مجهول.

لم تعلن الجامعة الإسلامية عن الأزمة منذ بدايتها، بل راح الموظفون يلحظون ذلك من خلال تأخير صرف رواتبهم وتغيير بعض المناصب والدوائر الإدارية. هي لجأت إلى قرارات داخلية، للتخفيف من الأزمة التي تمرّ بها، لكن من دون جدوى. وأتى أول تلك القرارات في العام الدراسي الماضي، مع إنهاء عقود عشرات من موظفيها الذين تشهد لهم كفاءتهم وخبرتهم وتخصصهم في ميدان العمل الأكاديمي. كذلك، قلّص عدد موظفي الخدمات في فرعَي غزة والجنوب. وللحدّ من المصروفات، عمدت إلى تغيير العملة من الدينار الأردني إلى الدولار الأميركي، للعاملين بالساعة وللعقود الجديدة، من دون احتساب فارق العملة.

وقد فاقم ذلك من حدّة الخلاف ما بين نقابة العاملين في الجامعة وإدارة الجامعة التي لامست أزمة مالية لم يسبق لها مثيل، في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة وتأخّر بعض الطلاب بدفع مستحقات الدراسة. بالتالي، أصدرت إدارة الجامعة بياناً، جاء فيه: "حفاظاً على مصلحة الجامعة، واستناداً إلى الصلاحيات المخولة لمجلس الأمناء وإدارة الجامعة، تعلن الجامعة الإسلامية إغلاق الجامعة وتعليق العمل الأكاديمي والإداري من صباح الأربعاء الموافق 13-2-2016 وحتى إشعار آخر".

على الأثر راح الطلاب يعبّرون عن قلقهم من "المستقبل المجهول"، من خلال تدوينات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي. إياد منصور من هؤلاء الطلاب، يقول لـ "العربي الجديد": "كطلاب شعرنا بالأزمة منذ عام ومع تغيير بعض الأساتذة. لكننا لم نتوقع أن تؤثّر علينا وأن توصلنا إلى هذا الحد. نحن اليوم، لا نعلم ماذا ينتظرنا". ويشير منصور إلى أن "طلاباً جامعيين كثيرين باتوا لا يثقون في إدارات جامعاتهم، لأن المشاكل الاقتصادية السياسية تؤثّر بشكل ملحوظ على واقع التعليم فيها". يضيف أن "في بداية كل فصل، ينظم العاملون أو الأساتذة في أكثر الجامعات اعتصامات للمطالبة بمستحقاتهم التي لا تُصرف في مواعيدها. وهذا ما يؤخّر مواعيد محاضرات ويؤثّر سلباً على الطلاب".

أما الطالبة آلاء جبر، فتعبّر عن شعورها بالإحباط الكبير بعد سماع الخبر. لم يتبقّ لها سوى فصل واحد، أي عشر ساعات دراسة لتتخرج. وتهاجم إدارة الجامعة وتحملها المسؤولية عبر مجموعة على موقع "فيسبوك" مخصصة لطلبة الهندسة في الجامعة. وقد أيّدتها زميلات لها طالبن باحتجاج على الأرض، لأن مستقبلهن بات مجهولاً. تقول جبر لـ "العربي الجديد" إن "الجامعة الإسلامية على مدار السنوات العشر الماضية، كانت الأفضل إدارياً وأكاديمياً. وهذا ما دفعنا إلى الانتساب إليها. لكن هذه الأزمة شكلت صعقة لنا، ولم نعد نثق في مؤسسة تعليمية في غزة".

اقرأ أيضاً: نفايات غزة تتحول إلى "إسمنت"

وإغلاق الجامعة أبوابها خلّف خوفاً كبيراً لدى طلاب الماجستير فيها، إذ هي تُعدّ الأولى على مستوى فلسطين في هذه الدراسة بسبب التشبيك مع جامعات بريطانية. مؤمن طالب ماجستير، يقول: "أقف محتاراً وأتساءل عما يمكن أن ينتظرنا. أنا مثلاً، استدنت مبلغاً من المال لإكمال دراستي هذه، وأخاف من خسارة كل شيء".

من جهة أخرى، لا ينكر مدير قسم العلاقات العامة في الجامعة الإسلامية مشير عامر، نشوب خلافات بين نقابة العاملين وإدارة الجامعة، ويوضح أن الإدارة قدّمت مقترحات عدّة مفصّلة للخروج من "الأزمة المالية الحادة" التي تعاني منها منذ فترة، إلا أن النقابة رفضت بعضها واتجهت إلى تعليق العمل، ما دفع إدارة الجامعة إلى إغلاق أبوابها.

ويقول عامر لـ "العربي الجديد" إن الطرفين كانا قريبين من التوصّل إلى اتفاق نهائي لحل الأزمة خلال اجتماعهما قبل أيام قليلة، بعدما طرحت الجامعة النقاط التي أُثير بسببها الخلاف، من قبيل "استقطاع 10% من رواتب الموظفين مع زيادة الأعباء الأكاديمية عليهم، وكيفية التعامل مع العاملين المتقاعدين مالياً". لكن النقابة عارضت ذلك. يضيف أنه "من المبكر التفكير في تأثير أزمة الجامعة على واقع التعليم، لأن الأمور حالياً هي خلافات نقابية، ولا نتوقّع تفاقهما. والمسؤولية كبيرة لتأمين ديمومة الجامعة وتقديمها خدمات للطلبة والمجتمع". ويشير إلى أن "ثمة نقاشات في إدارة الجامعة حول كيفية تحقيق الاستدامة المالية واستقرارها المؤسساتي، بالإضافة إلى نهوضها ودعمها لفترة لا تقل عن خمس سنوات". وهو لا يتوقع أي إجراءات لإيقاف الجامعة.

وتعتمد الجامعة في جزء من عملها على المانحين والتبرعات، بالإضافة إلى الرسوم التي تتقاضاها من الطلبة. لكن الوضع المعيشي الصعب لعدد من أسر الطلبة، أثّر على الاستقرار المادي للجامعة. وينفي عامر الأخبار المتداولة عن رفع الرسوم، وأن يكون ذلك من بين الأفكار المقترحة للخروج من الأزمة. يتابع: "حتى لو رفعت الرسوم، إلا أن ذلك سوف يكون بطريقة لا يشعر بها الطالب ولا أهله"، لافتاً إلى أن "الجامعة لم ترفع الرسوم منذ عام 1999".

في السياق نفسه، يؤكد مصدر من إدارة الجامعة الإسلامية لـ "العربي الجديد"، أن "الأزمة المالية تتراكم منذ عام 2001 ولها أسباب عدة. وهي تضخم وظيفي إداري وأكاديمي بسبب تقادير إدارية خاطئة، وضعف إقبال على أقسام سبق وكانت تشهد إقبالاً شديداً". يضيف أن "التعليم العالي في غزة شهد منافسة شديدة بسبب دخول جامعات ومعاهد على الخط، بالإضافة إلى توجه كثيرين إلى التعليم المهني. كذلك فإن بعض الجامعات تخفّض رسومها، فيما لا يحدَّد سقف أدنى ولا أعلى للرسوم الجامعية في غزة". ويتابع أن "الجامعة تتأثّر أيضاً بالحصار، وبتراجع بعض الداعمين وتوجههم إلى جامعات أخرى، خوفاً من الملاحقة، إلى جانب حرمان الجامعة من منحة التعليم العالي ومن استحقاقها كالجامعات الأخرى".

إلى ذلك، يرى رئيس مجلس الأمناء في الجامعة نصر الدين المزيني، أن "الإجراء الذي اتخذته الإدارة هو إجراء طبيعي يحصل في معظم المؤسسات، والخلاف نقابي بين الإدارة ونقابة العاملين على قضايا الكادر الوظيفي. وأزمة الرواتب هي السبب الرئيسي وراء هذا الإجراء".

ويوضح أن "قرار إغلاق الجامعة جاء بالتزامن مع فترة العطلة ما بين الفصلين، عقب انتهاء امتحانات الفصل الدراسي الأول"، متمنياً "إنهاء الخلاف وعودة العمل في الجامعة، قبل عودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة وبدء الفصل الدراسي الثاني". يُذكر أن عدد العاملين في الجامعة يُقدَّر بنحو ألف و200 عامل ما بين أكاديمي وإداري، أما الطلاب فعددهم 20 ألف طالب وطالبة يتوزّعون على 11 كلية.

اقرأ أيضاً: الانقسام يهدّد طلاب الأقصى