مبادرات لبنانية غريبة

مبادرات لبنانية غريبة

29 سبتمبر 2015
من حقها مستقبل مختلف (فرانس برس)
+ الخط -
علم لبنان الأطول على الإطلاق يبدأ رحلة تواقيع تسافر إلى 52 دولة حول الكرة الأرضية. أي أنّ العلم الذي تفتقت عنه عبقرية معتادة منسلخة عن الحراكات المطلبية الشعبية وهموم المواطن اللبناني المعيشية، سيسافر إلى بلدان يحلم معظم اللبنانيين بالسفر إليها... وعدم العودة منها نهائياً إلى الوطن الغارق بالنفايات والفوضى والمبادرات العقيمة.

هو أطول علم لبناني إذاً. العلم الذي انطلقت تواقيعه الأحد بالتزامن مع احتجاجات شعبية على إعادة فتح مطمر الناعمة للنفايات، غير البيئي ولا الصحي. في اليوم نفسه الذي أشعلت فيه النفايات المنتشرة في كلّ بقعة من العاصمة وضواحيها وغيرها من المناطق، وارتفعت أكوام النفايات في مناطق أخرى لتنافس جبال لبنان الأكثر شهرة. والذي تزامن كذلك مع إرسال شحنات النفايات إلى مكب في عكار الشمالية من دون أيّ وازع. حتى إنّ رئيس إحدى بلديات المنطقة تعرض للضرب، عندما احتج عليها، وحاول عرقلة سير شاحنات الموت المستقبلي المسمم للهواء والتربة والمياه الجوفية.

أطول علم لبناني ينضم إلى باقة أخرى من "إنجازات" لبنانية عريقة ومحطمة للأرقام القياسية. منها ما يتعلق ببرامج تفريخ المواهب الفنية، المرتبطة بكثير من الشبهات. ومنها ما يتعلق ببرامج تفريخ ملكات الجمال و"ملوكه"، أولئك الذين سئل أحدهم عن حلّ لأزمة النفايات، فأعطى حلاًّ عبقرياً يتمثل في احتفاظ كلّ مواطن بنفاياته في منزله. عبقرية لا ينافسها إلا أكبر علم لبناني يُطلق في قلب أزمة سياسية وسيادية واقتصادية ومعيشية. بل أزمة يأس من كلّ ما يغلّف كذباً بطابع "لبنان" و"الوطنية" و"الهوية" و"الانتماء" و"الأرز" و"السيادة" و"الجذور" و"العيش المشترك" و"الميثاق الوطني" و"الشراكة" و"بناء الدولة" و"بناء المؤسسات" و"تنمية المناطق"، وغيرها الكثير مما يراد له أن يكون رنّان الوقع.

هو العلم الأكبر. العلم الذي ينافس أكبر صحن تبولة وأكبر صحن حمص وأكبر شطيرة لبنة وأكبر كوب ليموناضة. تلك الأكابر التي اخترقت "موسوعة غينيس" ومنعت العدو الصهيوني من تسجيل اسمه بدلاً من وطن الأرز.. فقد انتصرنا تلك المرة بالحمّص، وربما نعدّ لانتصارات أخرى باللحمة بعجين أو بالكبّة النيّة، من يعلم؟

من يعلم ماذا يدور في رؤوس أصحاب المبادرات الغريبة في هذا البلاد. من يعلم لماذا لا يكرّسون جهودهم -ولنفترض أنّها صادقة- من أجل تلميذ لا يتمكن اليوم من شراء كتبه. أو من أجل عائلة عاجزة عن إجراء عملية جراحية عاجلة لمعيلها الوحيد. أو من أجل خوض معركة حقوقية راهنة، وما أكثر الحقوق المهدورة!

من يعلم كيف اعتدنا التعلق بكلّ تلك القشور، وترك كلّ ما هو أساسي.

إقرأ أيضاً: أغنى أغنياء لبنان

المساهمون