إنسومنيا

إنسومنيا

07 اغسطس 2015
الهرب قد لا يطول (Getty)
+ الخط -

"أنا: دعني أنام!
عقلي: (قهقهة) لن تفعل! دعنا نبقى مستيقظَين، فنتذكّر معاً كلّ قرار أخرق اتخذتَه في حياتكَ!
أنا: حسناً ".

نكتة مُتداوَلة إلكترونياً، استهزاءً بأرق يتكرّر ليلة بعد ليلة. ونتهكّم، مضيفين تعليقات من قبيل "وكل قرار أخرق سوف تتّخذه مستقبلاً!". قد يبدو الأمر مألوفاً لدى بعضنا، فنبتسم ونطمئنّ في قرارة أنفسنا إلى أننا لسنا وحيدين.

الأرق.. إنسومنيا. يشكو منه بعضنا، لا بل عدد متزايد يتذمّر اليوم من عدم نيله قسطاً وافياً من الراحة ليلاً، في حين يبدو الأمر مبرَّراً بالنسبة إلى خبراء كثيرين يعيدونه إلى نمط الحياة المستجدّ الذي يتحكّم بنا.

يشير هؤلاء الأخيرون إلى اختلال في "مراسم النوم" التي تبدأ عادة عند لحظة استيقاظنا صباحاً. اليوم، مع الوتيرة المختلفة المتسارعة في العمل والغذاء والنشاط، لا سيّما ذلك الذي يتزايد قبل مواقيت غفونا، نُربِك ليس فقط نسق حياتنا وأجسادنا وإنما ساعتنا البيولوجيّة أيضاً. ويأتي فضولنا ورغبتنا - لا بل إدماننا - في البقاء مطلعين على ما يحدث من حولنا وخصوصاً في ذلك العالم الافتراضي، ليزيد الطين بلّة. قد تكون دعوة أهل الاختصاص إلى إبعاد الهواتف الخلويّة والأجهزة اللوحيّة عنّا في خلال نومنا، دليلاً على تورّطها.

وكما نحاول دائماً تفسير ما نعيشه، لا بل تبريره، نرى كذلك أنفسنا وقد بدأنا نستشهد بأبحاث - هي في الواقع مجرّد دراسات محدودة - تقول مثلاً بعدم حاجة بعضنا إلى أكثر من ثلاث أو أربع ساعات من النوم ليلياً. نتبنّاها.

نتبنّى تلك الخلاصات غير الدامغة، ليس فقط في محاولة لإقناع أنفسنا قبل الآخرين بأن ليس في الأمر خطباً، إنما أيضاً في محاولة للتلطّي خلف إصبعنا. ونهرب من الإقرار بأن ثمّة حاجة إلى التوقّف عند ذلك الأرق، والإقرار بمسبّباته.

بعيداً عن وتيرة الحياة المتسارعة وطبيعة نشاطنا، للأرق أسباب أخرى. هي عضويّة، لن تتضح لنا إلا إذا استشرنا أهل الاختصاص. لكننا غالباً ما نكابر على أنفسنا، خصوصاً الذكور منا. هم - أكثرهم - يتحاشون في الأساس مراجعة الأطباء، كأن الشكوى عيب.. كأن في ذلك إشارة إلى ضعف وانتقاص من قدرتهم على الاضطلاع بمسؤولياتهم.

إلى الأسباب العضويّة التي تتعدّد، تأتي أخرى أشدّ خطورة. اضطراب النوم هذا قد يكون عارضاً من أعراض اكتئاب نفسيّ، أو أقلّه إنذاراً لآخر محتمل. ومحاولة تعليله كيفما اتفق، لا شكّ في أنها تساهم في تفاقم الأمور. ويأتي أيضاً الضغط النفسي الذي يعانيه كثيرون اليوم إذ يرتبط بوتيرة الحياة المتسارعة والمرهِقة، وكذلك القلق والجزع.

صحيح أن الأرق يصيب النساء مرّتَين أكثر من الرجال، إلا أنه حين يرتبط لدى الأخيرين بتدهور في الصحّة النفسيّة، لا بدّ من مواجهة الحقيقة.

الهرب قد لا يطول. وللحديث تتمّة.

اقرأ أيضاً: أحببتهم بروحي

دلالات

المساهمون