أسماء الترك: حرب غزّة حفرت في جسدي حافزاً للانتصار

أسماء الترك: حرب غزّة حفرت في جسدي حافزاً للانتصار

08 يوليو 2015
أصيب جسد أسماء لكن روحها بقيت قوية (العربي الجديد)
+ الخط -

تقطن العشرينية الفلسطينية أسماء الترك، مع عائلتها شرق مدينة غزة على حدود مستوطنة نيتساريم المحررة، وهي أحد الشهود على الحرب الثالثة على قطاع غزة، والتي تزامنت مع بدايات شهر رمضان.

أعلنت إسرائيل بدء العملية البرية الساعة الثانية عشرة ليلاً بعد عديد من الغارات المتفرقة على قطاع غزة، لكن أهم ما تذكره الترك عن تلك الليلة أن الطائرات استهدفت الأراضي الزراعية خلف بيتها بعدة صواريخ إف 16، بدعوى وجود منصات لصواريخ المقاومة، ما أثار ذعراً شديداً داخل المنزل الذي يعج بالأطفال.

وتحكي أسماء: "كانت الحرب تحصد الأرواح، تمر يوماً بعد يوم، لا تفرّق بين شاب أو عجوز أو حتى طفل رضيع، أظهرت فيها إسرائيل كل معاني التجرّد من الإنسانية، حيث أطلقت على قطاع غزة من القنابل والصواريخ والقذائف ما يعادل قُنبلة نووية مستهدفة بذلك كُل ما يُرى على هذه الأرض"، على حد قولها.
وتتابع: لكن فصائل المقاومة استبسلت في الدفاع عن شعبها، وقامت بالرد العادل على هذه العملية الدامية، لتسطّر بذلك تاريخاً لقهر إسرائيل على يد غزة الصامدة.
"أذكرُ أن إسرائيل كان هدفها كسر عزيمة وصمود أهل غزة بالمجازر المتكررة لعائلات غزة، والتي راح ضحية واحدة منها 12 فرداً من عائلة البطش كمثال، وأعداد أخرى من عائلات عدة"، بحسب أسماء.

وتقول الشابة الفلسطينية: بالنسبة لي، كانت الحرب وراء فقد أعز أصدقائي، وتدمير منزلي بشكل جزئي نتيجة القذائف المتكررة. عائلتي أيضاً كانت تعاني في الحرب، والدتي تعاني من مرض القلب وتخاف كثيراً. كدنا أن نفقدها في إحدى ليالي الحرب من شدة الخوف. كاد قلبها أن يتوقف، ما سبّب لها آثاراً صحية سلبية. أيضاً أخواتي المتزوجات تضررن. إحداهن في بيت حانون تم تدمير بيتها كلياً أثناء العدوان، والأخرى تسكن حي الشجاعية الذي تكرر فيه مشهد نكبة 48 لكن بعدوانية أشد.

اقرأ أيضاً:مواطنو غزة والصدمة الأولى للعدوان

وتتابع: على صعيد الأصدقاء، أصيب عدد من أصدقائي جراء القصف، وفقدت التواصل مع آخرين لفترة، قبل أن أجد أسماءهم في قوائم الشهداء بعد ذلك.

"هذه الحرب، وإن كانت تتّفق في مسمّاها مع ما سبقها من حروب على قطاع غزة عام 2008 و2012، لكنها كانت الأطول والأعنف والأشد ضراوة من نظيراتها الأخريات. حرب 2008 بدأت باستهداف المقرات الأمنية، و2012 بدأت باغتيال القائد الجعبري. لكن هذه المرة إسرائيل أعلنتها حرباً على المدنيين، حيث قامت بشن العديد من الغارات على مدنيين آمنين لتُعلن بذلك بدء عمليتها العسكرية"، على حد قول أسماء.

وتعمل أسماء الترك مع أخريات كناشطة شبابية في أغلب الأوقات، خاصة أوقات اعتداء الاحتلال على قطاع غزة، "كنا نتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي لإيصال حقيقة الصهاينة وإجرامهم. نعمل جنباً إلى جنب لنثبّت بعضنا، وإن كان مصابنا جللاً وفقدنا كبيراً. أثناء تهجير المواطنين من بيوتهم، فتحت غزة بيوتها لإيواء من لم تتسع لهم مدارس الأونروا التي كانت أيضاً محطاً للاستهداف".

على الصعيد العالمي، كانت حرب غزة محط اهتمام كثير من الدول، على رأسها الولايات المتحدة التي كانت تسعى لحل النزاع بين الطرفين، وشاركت في دعم ذلك الكثير من الدول، منها قطر وتركيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرهم.

وعلى الصعيد المصري، كانت مصر تسعى بعد أيام من الحرب الضروس لإيجاد هدنة مؤقتة بين الطرفين للتباحث في الوصول إلى هدنة طويلة الأمد، "لكن جهود مصر لم تكن كافية، بل كان يتوجب عليها فتح معبر رفح وإمداد القطاع بما يحتاجه. لكن بإغلاقها معبر رفح كانت سبباً في زيادة خيبة الشعب الفلسطيني"، بحسب أسماء.

وبعزم، تواصل العشرينية الغزاوية حديثها: الحرب محطات، وأصعب هذه المحطات لحظة إصابتي بإحدى القذائف المدفعية التي سقطت بجانب غرفتي. كانت المدفعية الإسرائيلية صباح اليوم الثلاثين من الحرب، قد طوقت حارتنا بطوق أمني. تعذّر علينا الخروج لشدة القصف المدفعي إثر زعمهم اختفاء جندي من جنودهم. كان أهلي قد تجمعوا تحت درج البيت لأنه، نوعاً ما، أكثر الأماكن أمناً في المنزل. لكنني ذهبت لأتفقّد الأطفال الصغار، فوجدت ابنة أخي ذات الأربعة أعوام تلعب تحت شباك غرفتي الزجاجي فخشيت عليها وذهبت لالتقاطها. وأنا أهمّ بالخروج، دوّى انفجار شديد في الغرفة. لم أرى منه سوى الغبار، وتكوّمتُ على ابنة أخي لأحميها، فشعرت بوخزة في كتفي لكنني لم آبه بها.

وتحكي: افتقدني والدي حين سمع الانفجار، لأسمع أصواتهم من حولي يرددون "عايشين عايشين لسا بيتنفسوا بس أسما تصاوبت". كانت شظية طولها 22 سنتم قد انغرزت في كتفي الأيمن تاركة خلفها شرخاً يعادل طوله طولها.
"استجمعت قواي لأبقى يقظة ولا أفقد الوعي، بقيت أنزف لثلاث ساعات مع رعاية طبية شبه بدائية بما كان في حقيبة إسعافات المنزل. بعد ذلك استجاب لنا إسعاف كان والدي قد ناشد به عبر إحدى الإذاعات المحلية، لأصل إلى مستشفى الشفاء الذي كان ممتلئاً بالشهداء والمصابين".
وتتابع: في المستشفى، انتزعوا الشظية تاركة خلفها ندباً كبيراً في جسدي يذكرني دائماً بكرهي لإسرائيل وأننا أصحاب الحق، وسننتصر يوماً.​

دلالات

المساهمون