نفايات بيروت تخلق نزاعات طائفية ومناطقية

نفايات بيروت تخلق نزاعات طائفية ومناطقية

28 يوليو 2015
قرر بعض المواطنين إحراق النفايات (حسين بيضون)
+ الخط -

تكاد أزمة النفايات في محافظتي بيروت وجبل لبنان أن تتحول إلى نزاع مناطقي وطائفي، في ظل غياب معالم لأي خطة رسمية واضحة تسمح بإزالة آلاف أطنان النفايات التي تملأ شوارع العاصمة، وتراعي في الوقت عينه مخاوف سكان المناطق اللبنانية من الأزمتين البيئية والصحية. المشكلة التي بدأت قبل عشرة أيام مع انتهاء عقد شركة "سوكلين" لمعالجة نفايات محافظتي بيروت وجبل لبنان، وإقفال مطمر الناعمة (جنوب بيروت)، وتتفاقم مع اعتراض مختلف المناطق اللبنانية على استقبال نفايات المحافظتين اللتين تفتقران إلى مطامر صحية للنفايات.

وباتت بيروت أشبه بمدينة منكوبة بعد عشرة أيام من توقف "سوكلين" عن جمع النفايات. وانتشر الدخان الأسود في الأجواء نتيجة حرق النفايات، وبات غالبية المواطنين يتنقّلون وهم يرتدون الكمّامات الواقية. وأغلقت تلال النفايات الشوارع الضيقة في العاصمة، ووضع عدد من أصحاب المحال التجارية شوادر بلاستيكية لمنع رمي المزيد من النفايات في المستوعبات القريبة منهم بسبب نفور الزبائن.

وترافق رش موظفي "سوكلين" المبيدات الكيميائية على تلال النفايات مع تحذيرات أصدرها وزير الصحة وائل أبو فاعور، من "رش المبيدات بشكل عشوائي وضرورة اعتماد طريقة علمية سليمة في الرش". ودعا المواطنين، في مؤتمر صحافي، إلى "عدم حرق النفايات على الطرقات لأن الغازات المنبعثة تسبب خطراً كبيراً، منها مرض السرطان، وندعوهم إلى عدم بعثرة النفايات في الطرقات لأن ذلك يفاقم الأخطار الصحية"، نافياً الحديث عن احتمال انتشار مرض الملاريا نتيجة تراكم النفايات.

سياسياً، دعا أبو فاعور إلى "تأجيل جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم بهدف إعطاء فرصة أكبر للحلّ، مع التأكيد على امتعاض رئيس الحكومة تمام سلام من الوضع القائم". وبدا موقف وزير الصحة يتيماً، في ظل غياب وزير البيئة محمد المشنوق عن السمع بشكل كامل. فيما انشغل وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في إقناع رؤساء بلديات منطقة إقليم الخروب (الواقعة جنوب بيروت) بفتح الطريق الساحلي المؤدي للعاصمة بعد يومين من إقفاله. وتجاوب الأهالي واتحاد البلديات مع تحرّك المشنوق الذي أصدر بياناً أعلن فيه "عدم نقل النفايات إلى منطقة إقليم الخروب أو إنشاء مطامر فيها، ما لم يتم التوافق على الخطوات مع رؤساء البلديات وممثلي المجتمع المدني". وأكد "التشاور مع سلام، ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط"​.


وباشرت آليات بلدية برجا جرف الردميات والحجارة وإزالة العوائق من مسربي الطريق. وخلال التحرّك الذي استمر يومين، سقط شاب عن جرافة استخدمها المعتصمون لقطع الطريق، ما أدى إلى وفاته. أيضاً، سقط عدد من الجرحى خلال محاولة القوى الأمنية فتح الطريق بالقوة صباح أمس. وانتشر عدد من الشباب على مفترقات الطرقات الفرعية لإرشاد السيارات نحو طرق بديلة عن الخط الرئيسي، في محاولة للتأكيد على عدم استهداف حركة تنقل أهالي الجنوب باتجاه بيروت، الأمر الذي يثير حساسية ذات بعد مذهبي.

وفي وقت تردّدت معلومات عن توافق الحريري وجنبلاط في وقت سابق على نقل النفايات إلى إقليم الخروب كحلّ مؤقت لأزمة بيروت، حمّل الأهالي نواب المنطقة من الحزبين (المستقبل والاشتراكي) المسؤولية. ويشير أحد فعاليات المنطقة لـ "العربي الجديد" إلى "حالة امتعاض واسعة بين الأهالي نتيجة مواقف تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي من الأزمة، التي راعت مصالح أهالي بيروت على حساب أصوات الناخبين في الإقليم".
واستخدم جنبلاط حسابه عبر موقع "تويتر" لتوجيه رسائل سياسية إلى "تيار المستقبل" في مؤشر على عدم اكتمال الاتفاق. ونشر رابطاً لتقرير صحافي من الولايات المتحدة عن آلية إدارة النفايات في مدينة فرانسيسكو وعلّق: "أطلعوا ميسرة سكر عليه". وسكر هو مالك شركة "سوكلين" وأحد المقربين من آل الحريري وتيار المستقبل.

ولم تقتصر حركات الاعتراض على بلدات إقليم الخروب، وإن كان صداها هو الأقوى بسبب قدرة هذه البلدات على قطع الطريق الرئيسي الذي يربط الجنوب ببيروت، لقربها الجغرافي منه.

يلفت عضو كتلة المستقبل النيابية عن عكار، النائب معين المرعبي، في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى رصد عدد من سائقي الشاحنات الذين ينقلون نفايات إلى مكب سرار في عكار من خارجها "وهو ما واجهه الأهالي من خلال اعتراضات شعبية مرشحة للتصاعد في حال أصر وزير البيئة على نقل نفايات إلى عكار". ويطالب المرعبي وزير البيئة بالاستقالة "لأنه يتعاطى مع المناطق اللبنانية باستعلاء، ويُصرّ على ارتكاب مجازر بيئية في مختلف المناطق من خلال مضاعفة حجم المكبات غير الصحية، ورمي مشكلة بيروت المركزية على الأطراف البعيدة".
في المقابل، يدعو نائب الجماعة الإسلامية (الجناح اللبناني للإخوان المسلمين) عن بيروت، عماد الحوت، رئيس مجلس الوزراء إلى "منع المناطق من معالجة النفايات بشكل مستقل إذا لم تقبل استقبال جزء من نفايات بيروت، فالفدرالية مرفوضة من قبلنا حتى في ملف النفايات". ويقول في اعتصام للجماعة أمام السراي إن "محاولة المناطق الضغط لتحقيق الإنماء المتوازن في ظل أزمة النفايات أمر مرفوض من أهالي بيروت".

وتوسعت دائرة المواقف الاعتراضية ووصلت إلى بلدة خلدة الساحلية جنوب بيروت. وعقد رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، مؤتمراً صحافياً رفض خلاله ردم البحر في المنطقة لطمر النفايات. وأشار إلى "اعتراض رئيس مجلس النواب نبيه بري على المشروع"، مؤكداً أن "الردم خط أحمر".
وأمام غياب الحل الرسمي، أطلقت حملات شبابية لنشر ثقافة فرز النفايات من المصدر، ووزعت عدة جمعيات كمّامات طبية في الشوارع الرئيسية في بيروت.
وفي موقف لافت، أعلن رئيس بلدية عرسال على حدود لبنان الشرقية مع سورية، علي الحجيري، استعداد البلدية لاستقبال النفايات في أراضٍ حدودية بين لبنان وسورية.

إلى ذلك، فقد استمر حرق العديد من مكبّات النفايات المتراكمة في العاصمة. وقام شبان بقطع عدة طرقات بالمستوعبات، ما لبثت أن أعادت الأجهزة الأمنية فتحها. كما أعلن المكتب الإعلامي لهيئة "أوجيرو" المكلفة بقطاع الاتصالات في بيان، احتراق أربعة موزّعات أساسية وثانوية للهاتف، ما أدى إلى تعطيل ألفي خط هاتف.

اقرأ أيضاً: رائحتنا القاتلة