سكان الفلوجة يحوّلون بقايا القذائف إلى عناوين للحياة

سكان الفلوجة يحوّلون بقايا القذائف إلى عناوين للحياة

22 يوليو 2015
البعض يحول أدوات الموت إلى حياة(فرانس برس)
+ الخط -


لا مفر من التعايش مع حمم البراميل والقذائف اليومية والصواريخ العشوائية التي تسقط يومياً على الفلوجة، فبقاء عشرات الآلاف من الأهالي في مدينتهم بعد أن منعهم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من مغادرتها، رغم القصف اليومي الذي حصد أرواح آلاف المدنيين جلهم نساء وأطفال على مدار عام ونصف العام، دفع بالسكان إلى محاولة التعايش مع الواقع بطريقة أو أخرى.

وتنوعت أشكال التأقلم بين حفر خنادق داخل المنازل والمباني السكنية العمودية أو في الشوارع، وتوزيع أكياس الرمل على أسطح المنازل، كإجراءات وقائية لهم بعد إهمال الحكومة العراقية والمليشيات المساندة لها نداءات ومناشدات منظمات أممية ومحلية مختلفة، بضرورة تجنيب المدنيين بالفلوجة النيران وإيقاف القصف العشوائي.

ويجد تنظيم "داعش" حججاً كثيرة وتبريرات لمنع الناس من الخروج، ونصب نقاط التفتيش عند مداخل المدينة لإعادة أية عائلة تحاول الخروج، عبر حزمة كبيرة من إجراءات الحكومة اتجاه الذين نزحوا في السابق من بينها تركهم بالعراء، وإغلاق أبواب العاصمة وباقي المدن بوجههم، وهجمات المليشيات على مخيماتهم وقتل واختطاف الشباب، حتى بات شعار الأنباريين عموماً والفلوجيين على وجه الخصوص هو "الموت أفضل من مذلة بزيبز"،
 في إشارة إلى معبر بزيبز، الذي تغلقه قوات الحكومة العراقية وتمنع السكان الفارين من الموت من الدخول.

وعلى الرغم من ذلك، وجد العديد من الأهالي بالفلوجة أنفسهم أمام خيار التعايش، فوصل الأمر إلى  قيام البعض بتحويل القذائف والصواريخ المتساقطة إلى وسائل أو أدوات للحياة، فيصنعون منها تحفاً فنية أو مزهريات يتم ملؤها بالتراب وبعض الأزهار ووضعها بالحدائق العامة أو المنزلية.

ويقول مازن عبد الحميد (29 عاماً) من أهالي الفلوجة لـ"العربي الجديد" "بعد كل عملية قصف نهرع لننقذ الجرحى أو ننتشل الجثث من تحت الأنقاض، ثم ننظف المكان مع الأهالي من بقايا البراميل المتفجرة والصواريخ والقذائف، التي تمطر المدينة كل يوم".


ويضيف "نقوم بجمع بقايا الصواريخ أو قذائف المدفعية والهاون التي لم تنفجر وننظفها، ثم نملأها بالتراب ونزرع فيها أي شيء نجده أمامنا من زهور ونبتات ظل وخضار، وفي بعض الأحيان نستخدمها لردم الحفر التي تخلفها الصواريخ ثم نضع الإسمنت فوقها".

ويتابع "ندهن تلك المقذوفات بألوان زاهية، ونكتب عليها عبارات تفاؤل تفرح الناس، وكررنا الأمر، واستنسخ آخرون الفكرة وهكذا انتشرت في المدينة".

المعادلة الصعبة

بدوره، يقول مصطفى عبد الواحد لـ"العربي الجديد" إن جعل "أسباب الموت والدمار مبعثاً للبهجة والتأمل والجمال معادلة صعبة للغاية، لكننا قادرون على ذلك بإصرارنا على مواجهة الموت الذي صار جزءاً من حياتنا اليومية، وعلينا أن ننعش الحياة ونديمها وأن نجعل للولادة الجديدة مكاناً بين أسباب الموت".

"طالبنا ولم يسمعنا أحد، قلنا نريد منطقة منزوعة السلاح لجمع عوائلنا وليذهب الخصمان إلى الجحيم حتى يقضي أحدهم على الآخر، لكنهم رفضوا طلبنا الخروج، الكل متفق على عدم رحمتنا على ما يبدو، حتى الذين نجحوا بالإفلات والخروج من الفلوجة ندموا لأنهم ينامون بالعراء منذ أيام طويلة، وتمنع حكومة العبادي إدخالهم لعاصمتهم، بينما يدخل الإيراني بلا تأشيرة من حكومتنا الطائفية".


وعن عملهم الجديد يقول "حاويات القنابل وقذائف الهاون والمدفعية يسهل تحويلها إلى تحف، بعد أن يقوم الشباب بجمعها من الشوارع وإزالة ما فيها من مواد متفجرة ثم جليها ودهنها بالألوان الزاهية".

كذلك يفعل عمر فلاح (21 عاماً) الذي يجمع بعض تلك القذائف غير المنفجرة وينظفها ويشتري بعض الأصباغ من السوق، ليقضي نهاره في تلوينها وتزيينها، ثم يشتري بعض الورود الجميلة ويزرعها في تلك القذائف بعد ملئها بالرمل.

ويقول "لا أدري كيف وجدت نفسي أتعامل مع القنابل والصواريخ التي تقتلنا كل يوم، والتي فقدت بسببها أعز أقربائي وأصدقائي. لكني فكرت بطريقة تجعل تلك القذائف سبباً للجمال وألوان الزينة بدلاً من الموت والخراب الذي تسببه، فأجلس أمامها بعد أن تصبح أعمالاً فنية ومزهريات وأتأملها لساعات".


اقرأ أيضاً: براميل الموت وجرائم "داعش" ترسم وجع الفلوجة

المساهمون