الاكتئاب لا يوفّر شباب لبنان

الاكتئاب لا يوفّر شباب لبنان

26 ابريل 2015
مرض العصر... (حسين بيضون)
+ الخط -
الاكتئاب مرض العصر. يكاد المعنيون حول العالم يُجمعون على ذلك. وفي لبنان، يبدو أن قلة ستنجو منه في حال استمرّت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على حالها، مأزومة ومن دون بوادر أمل حتى في الأفق البعيد. ويُسجّل تزايد في نسب المصابين بالاكتئاب بحسب أهل الاختصاص، يُفسَّر بقلق من المستقبل، بينما الحاضر قاتم وسط شلل عام وانعدام الأمن والأمان. فمصير الأجيال المقبلة على كف عفريت، بحسب ما يردّد أهل البلاد.

كثيراً ما يشير اللبنانيون إلى أنهم مكتئبون. يوسف غصين (28 عاماً) من هؤلاء. يقول: "من منا ليس مكتئباً بفعل الحالة السياسية والاقتصادية والجو العام في البلد؟ فلا حلول على المدى البعيد، ونحن في تقهقهر مستمر، ولا فرص عمل. باختصار، تعبنا وقرفنا". أما فلورنس الخمسينيّة التي تتحفظ عن ذكر اسم عائلتها، فتقول: "أنا مصابة بالاكتئاب منذ زمن بعيد، مذ فقدت ابني في الحرب وبعدها والده الذي توفي حزناً عليه. واليوم أعيش على مضادات الاكتئاب والمهدئات".

ويشدّد الخبراء في علم النفس على أن خطر انتشار الاكتئاب، هو في أنه يطال الشباب الذين يشكلون القوة الإنتاجية الفاعلة في المجتمع. ومعظم هؤلاء، اليوم، في لبنان يتجهون إلى السفر، نظراً لعدم توفّر فرص عمل لائقة. أما الذين يبقون في البلد، فهم إما يعانون من البطالة أو يعملون في ظروف تساهم في تدهور حالتهم النفسيّة، إذ لا تلبي طموحاتهم. وكثيرون هم الذين يلجأون، بالتالي، إلى الكحول وحتى إلى المخدرات. فيقلق ذلك المعنيّين.

الصورة إذاً قاتمة. يشرح الاختصاصي في الأمراض العصبيّة والنفسية الدكتور، سمير جاموس، لـ "العربي الجديد"، أن "الاكتئاب ازداد في لبنان بنسبة 20% تقريباً، خصوصاً بين الشباب نظراً للحاضر المتردّي الذي يعيشونه في ظل الواقع الاقتصادي المتدهور وغياب فرص العمل وازدياد البطالة، والذي ينعكس سلباً على تفكيرهم ويخلق لديهم نوعاً من الإحباط. يضيف: "يمكن القول إن كل شيء أمامهم قابل للانهيار في الظروف الصعبة والحرجة التي يمرّ بها البلد. وكثيرون هم الذين يعالجون ذلك من خلال لجوئهم إلى الإدمان والمهدئات، بدلاً من استشارة طبيب متخصص يساعدهم على الخروج من هذه الحالة الدقيقة". ويشير إلى أنه "للأسف، ثمة أطباء يستخفون بالحالة المرضيّة لهؤلاء الشباب الذين يعانون من الاكتئاب. فيصفون لهم علاجات آنية مسكنة، من دون توجيههم إلى طبيب متخصّص في الأمراض العصبية والنفسية يساعدهم على الخروج من المرحلة الصعبة التي يمرون بها".

ويقول جاموس إنه "في كل يوم نستقبل مصابين جدداً بالاكتئاب. وهذا أمر لم نكن نسجله بهذه الكثرة في الفترات السابقة. لكننا نستطيع أن نفهم ذلك، اليوم، في هذه المرحلة العصيبة التي يعيشها البلد وانعكاسها السلبي على كل فرد في المجتمع اللبناني، في غياب الاستقرار".

ويشرح أن "أعراض الاكتئاب هي نفسها لدى الرجال والنساء، لكن التعبير يختلف بين الجنسَين. فالرجل يرفض الظهور أمام الناس كمكتئب، في حين لا تنجح المرأة في تخبئة ملامح الاكتئاب عن وجهها. كذلك تشعر بآلام مختلفة في جسمها، لا سيّما في البطن والكتفَين. وفي حين تدمن هي الحبوب المهدئة، يلجأ الرجل إلى الكحول فيدمنها أيضاً". ويتابع إن "من الآثار الصحية السلبية للاكتئاب على المرء، الجلطة القلبية والسرطان وضعف المناعة في مقاومة الأمراض".

من جهته، يوضح الطبيب المتخصص في الأمراض العصبية والنفسية، الدكتور دوري هاشم، لـ "العربي الجديد" أن "الاكتئاب ازداد في السنوات العشرين الأخيرة بنسبة تتراوح ما بين 12% و17%". أما الأسباب فيراها "متعددة، ومنها العائلية إلى جانب الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد خصوصاً في ظل الأزمة المادية وغياب الأمان والاستقرار. فيصل الأمر باللبنانيين إلى حد الشعور بالانهيار النفسي نتيجة القلق المستمر".

يضيف هاشم أن "المصير المجهول والشعور بأن الأزمة التي يمر بها لبنان ستطول والخوف على المصير وتراجع الشعور بالأمل، كل ذلك يزيد من عوامل الاكتئاب. أما النتيجة فإدمان المهدئات بالنسبة إلى النساء والكحول بالنسبة إلى الرجال والمخدرات بالنسبة إلى الشباب". وإذ يلفت هاشم إلى أن "النساء عرضة لهذا الانهيار النفسي مرتَين أكثر من الرجال"، يشدّد على أن "قدرة الشباب على العمل بصورة مستمرة تتراجع بفعل تأثير الإحباط وازدياد الاكتئاب. فيتعطل الإنتاج لدى أهم شرائح المجتمع أي الشباب".

المساهمون