حين يبدع العربي

حين يبدع العربي

03 مارس 2015
حقق حتى اليوم 37 جائزة و14 ترشيحاً (فرانس برس)
+ الخط -
ما لفتني في فوز الممثلة باتريشيا أركيت بجائزة أفضل ممثلة مساندة عن دورها في فيلم "بويهود"، بحفل الأوسكار الأخير، ما يتعلق بالفيلم نفسه كمشروع طويل الأمد. فالفيلم، وهو من كتابة وإخراج ريتشارد لينلايتر، استمر تصويره وإنتاجه طوال 12 عاماً.

وما راهن عليه صانعو الفيلم تحقق لهم من الناحيتين النقدية والتجارية. فقد حقق حتى اليوم 37 جائزة و14 ترشيحاً في أرقى المهرجانات السينمائية العالمية. كما تحولت ميزانية الإنتاج البالغة 4 ملايين دولار أميركي إلى 44 مليوناً من الأرباح في العروض السينمائية حتى اللحظة.

ما يعنينا تحديداً هو القدرة على اتخاذ قرار بالمضيّ في مشروع طويل الأمد إلى هذا الحد، بالترافق مع عدم جني الربح والفائدة والمردود بشكل مباشر.

لا شك أنّ الظروف مهيأة في الولايات المتحدة، وفي معظم دول العالم الغربي لذلك. فلا حروب تشهدها تلك البلاد، ولا تهجير، ولا مجاعات. وحتى الأزمات الاقتصادية التي تواجهها، لا يطول أمدها، في معظم الأحيان، وتبقي لشعبها الأمل الحاضر دائماً في التقدم إلى الأمام، والتخطيط لبعيد.

في تلك البلاد، مهما كان الوضع سيئاً أحياناً، يعرف المواطن حقوقه تماماً، ويتعامل مع المجتمع والدولة على أساس تلك الحقوق. والدولة نفسها لا تجرؤ على سلبه حقوقه أو منعه من الوصول إليها، فهي نفسها عرضة للمحاكمة في أيّ لحظة، من دون أن يكون للسياسيين والأنظمة الحاكمة يد في القضاء وأحكامه.

ومع تلك الاستراتيجيات المعتمدة من جهة الدولة، يتراكم تراث من راحة البال لدى المواطن. وهو تراث يفتح المجال أمام المبدع لتقديم إبداعه، ويوفر له البيئة المناسبة لذلك، والوقت اللازم.

لا شكّ أنّ بلادنا العربية تخرّج الكثير من المبدعين. ومن بينهم نسبة لم تتوفر لها راحة البال تلك يوماً، لا على المستوى الشخصي ولا العام. فبلادنا بلاد حروب وفقر وسجون وانعدام حقوق. وفي معظم الأحيان لا يعامل المواطن كمواطن، وتنعدم أمامه الرؤية السليمة لمستقبله.

لكنّها نسبة ضئيلة للغاية إذا ما قورنت بشعب آخر لا يعيش مثل هذه الظروف. ومع ذلك يلجأ إليها المسؤولون عادة، ومن بعدهم السلطات المتعاقبة فوق رأس كلّ مواطن عربي، كمثال يجنّبهم فضح نفاقهم. فحين يريد الواحد منهم أن يبرّئ الدولة أو الحكومة أو النظام أو حتى المنظومة الاجتماعية، من الفشل الكامل، يلجأ إلى تلك النسبة. ومنها مثلاً أنّ "فلاناً كان يعمل ويدرس ولا يأكل إلا بقايا الطعام ولا تتوفر له فرصة لهو واحدة، ومع ذلك بات أشهر طبيب".

هو هروب يلجأ إليه المسؤول العربي بفطرته.. للتهرب من مسؤولياته.

المساهمون