مشوار تمكين المرأة العربية لا زال طويلا

مشوار تمكين المرأة العربية لا زال طويلا

19 مارس 2015
المرأة العربية تتضاعف معاناتها في الحروب (العربي الجديد)
+ الخط -

عشرون عاماً مرّت على إعلان بكين 1995، المؤتمر العالمي الرابع للمرأة والذي عقد تحت شعار العمل من أجل المساواة والتنمية والسلام برعاية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.

خرج المؤتمر آنذاك بتوصيات تتعلق بتمكين وتحسين وضع النساء حول العالم. وعلى الرغم من التقدم الذي أحرز على عدة صعد بالنسبة لوضع المرأة في الدول العربية، فإن أغلب هذه الدول ما زالت تقبع في آخر سلم التقييم العالمي من النواحي الاقتصادية والتشريعية والتعليمية.

وتقسم الوزيرة المفوضة ومديرة إدارة شؤون المرأة والطفولة في جامعة الدول العربية، إيناس سيد مكاوي، وضع النساء في العالم العربي إلى ثلاث مجموعات يتفاوت فيها وضعهن والتقدم الذي تم إحرازه خلال السنوات العشرين الماضية بحسب الحالة الأمنية والسياسية والاقتصادية في تلك البلاد.

وجاءت تصريحات مكاوي خلال لقاء مع "العربي الجديد" في نيويورك على هامش الدورة 59 للجنة المعنية بمناقشة التقدم المحرز والثغرات في المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، الذي يعقد في مقر الأمم المتحدة بين 9 والـ 20 من الشهر الجاري.

وتؤكد مكاوي أن بعض الدول تمكنت من تحقيق تقدم ملحوظ على مستويي التعليم والصحة، لكن الحالة السياسية في السنوات الخمس الأخيرة والتي شهدتها عدة دول عربية، أدّت إلى تراجع وتدهور كبير في أوضاع النساء، مضيفة "إننا في بعض المناطق لا نتحدث عن حقوق المرأة والمساواة فيها، بل عن محاولات لمنع قتل النساء لاسيما الناشطات منهن، فهن مستهدفات أحياناً بالاسم كنساء، فقط لأنهن يطالبن بحقوقهن وحقوق أبناء شعبهن أجمع".

وقالت مكاوي: "علينا ألّا نخلط هنا بين الثقافة المحافظة تجاه المرأة والتي نحن في حوار معها، وبين ثقافة الإرهاب التي لا تعرف أي طريق للحوار وتمارس العنف بكل أشكاله الجسدية والنفسية".

وتهدف النقاشات العديدة التي تشهدها الأمم المتحدة خلال الأسبوعين الجاريين إلى الخروج بتقرير تقييمي وتوصيات يعرضها الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، على الجمعية العامة في اجتماعها في سبتمبر/أيلول المقبل.

وتشير مكاوي إلى أن التقرير الصادر عن وضع المرأة في العالم العربي ومدى التقدم الذي أحرز، يجعلنا نتفاءل بعض الشيء على الأقل في ما يخص بعض المناطق. وتؤكد "إذا نظرنا للتقارير التي كانت تعد في الكثير من الدول العربية بعد مؤتمر بكين وفي السنوات الخمس الأولى تقريباً، نجد أن الكثير من الحكومات تبنت الكثير من مبادئ بكين ولكن على الورق فقط. وتقاريرها حول التقدم الذي أحرزته كانت لا تعكس الواقع"، معتبرة أن "التقارير الصادرة اليوم تأخذ بالاعتبار عدة مصادر ومن بينها الحكومات، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني والأمم المتحدة، كما تتعامل مع معايير دولية تحاول من خلالها رصد التقدم إن حصل". وتشير مكاوي إلى أنها أكثر صداقية في عكسها للواقع ومشاكله، ما يعني أن التوصيات تؤخذ على محمل الجد أكثر من ذي قبل.

وعن التقدم الذي حققته الدول التي تشهد استقراراً اقتصادياً وأمنياً نسبياً في العالم العربي، فقد طالت التشريعات ونسبة تمثيل النساء في البرلمان، وعدد النساء اللواتي يحصلن على التعليم العالي، وكذلك النساء صاحبات المشاريع الاقتصادية وغيرها من الأمور، إضافة إلى دول أخرى كتونس والتي أصبح دستورها ينص على مناصفة البرلمان بين الرجال والنساء مثلاً، وتقول مكاوي: "تونس تقوم بخطوات ثابتة في مجال تمكين المرأة". كما تعطي مكاوي مثالا على مصر وتحديد نسبة "كوتا" للنساء في المجالس المحلية تصل إلى خمسة وعشرين في المئة، معتبرة أن "هذه خطوات صغيرة ولكنها على الطريق الصحيح ولا يستهان بها".

وعمّا إذا كانت هذه الإحصائيات، وتحديد "كوتا" لتمثيل النساء في البرلمانات خطوات تجميلية، وواجهة يكمن خلفها قبح المجتمعات الأبوية والقوانين والأنظمة المستبدة في العالم العربي؟ في حين أن الواقع يشير إلى استمرار معاناة الطبقات الفقيرة، لا سيما نساءها الأكثر تعرضاً للاضطهاد الاجتماعي والسياسي؟ تجيب مكاوي "هذا موضوع في غاية الأهمية ولكن علينا أن نتعامل مع التمثيل البرلماني كشيء غير منفصل عن المواضيع الأخرى كالتمكين الاقتصادي وزيادة التعليم وتوعية الرجال، لأننا لن نستطيع أن نقوم بكل هذا دون مساعدتهم".

وتضيف "رغبتنا بدخول النساء للبرلمان ليست من أجل قضايا النساء وحدهن بل من أجل قضايا المجتمع ومن أجل تشريعات أكثر عمقاً ووعياً"، مؤكدة على "محاولات لتصدير قشرة إعلامية تستغلها الحكومات والأنظمة، ولكن هذا لا يتناقض مع أهمية العمل على الجوانب الآخرى فهي جميعها مترابطة".

وتقف الدول العربية عامة، مقارنة بالمجموعات الإقليمية الأخرى، ومدى التحسن الذي وصلت إليه منذ إعلان بكين، في أسفل السلم العالمي. فالمجموعات الأفريقية ومجموعات أميركا اللاتينية تمكنت من تسجيل تقدم ملحوظ مقارنة بالدول العربية. وفي هذا السياق شكلت مجموعة "أسبا" وهي مجموعة من أميركا اللاتينية والدول العربية، وفيها تحاول النساء توحيد الجهود بين النساء في قطبي الكرة الأرضية والاستفادة من تجارب دول أميركا اللاتينية في تمكين المرأة الاقتصادي والسياسي هناك.

وتقول مكاوي: "إن تمكين المرأة اقتصادياً يشكل أحد الأسس الرئيسية لحل المشاكل التي تعاني منها النساء وجعلهن أكثر استقلالاً دون أن يعني ذلك حلّها بشكل تام ولكنه يفتح أمامها إمكانيات أكبر".

وتشير مكاوي إلى وضع إشكالي آخر في غاية الأهمية وهو وضع الأطفال. وتلفت الانتباه إلى أن الأطفال من الأناث والذكور هم الأكثر عرضة للمخاطر والاعتداءات بكل أنواعها. وتؤكد أن جميع الدول العربية، باستثناء الصومال، وقعت على اتفاقية حقوق الطفل، وهذا بحد ذاته أمر إيجابي، إلا أن بعضها قام بخفض سن الطفولة المعتمدة عالمياً، ما يفتح المجال أمام عدة أمور كزواج الفتيات المبكر والسماح به على الرغم من التوقيع على تلك الاتفاقيات. وتضيف "إذا نظرنا كذلك إلى بلد كسورية مثلاً، فهناك الآن جيل كامل من الأطفال لم يدخلوا أو يذهبوا إلى المدارس منذ أربع سنوات، ولهذا الأمر تبعات كارثية على مستقبلهم، وعلينا أن نجد الطرق للحاق بهم وإنقاذهم".

كذلك تشير إلى وجود خمس دول عربية لديها أطفال يحاربون ضمن مليشيات حكومية. ترى مكاوي أن الوضع الآن "ما زال بعيداً عما نريد أن نصل إليه، إلا أننا نحاول أن نعمل من الأساس لخلق شريحة أكبر وأكثر وعياً، وهنا نرى تقدماً، ولو بخطوات صغيرة، ولكنه موجود ومستمر، وهذا ما يدعو إلى التفاؤل على الرغم من كل الانتكاسات".

اقرأ أيضاً:نساء غزة يطالبن بالسلام والأمان في يومهن العالمي

المساهمون