"غربة" تواجه مغتربي موريتانيا العائدين

"غربة" تواجه مغتربي موريتانيا العائدين

19 مارس 2015
ينظر الموريتانيون إلى المهاجرين على أنّهم فاحشو الثراء(فرانس برس)
+ الخط -

لم يقطع المغتربون الموريتانيون يوماً علاقتهم بأهلهم ووطنهم، فهم يستغلون كل إجازة للعودة إليها للزيارة أو الاستثمار في مجالات مختلفة.

ولا يعاني المغتربون الموريتانيون من أزمة هوية وانتماء كباقي مغتربي دول المغرب العربي، فهم يحتفظون بنمط أهاليهم الاجتماعي أينما حلّوا. لكنهم يعانون من إهمال رسمي، وتمييز اجتماعي أحياناً، في النظر إليهم على أنهم بمثابة بقرة حلوب للتحويلات المالية فقط. فيتسابق الجميع إلى استغلالهم، لكن يتحاشونهم حين يفقدون عقود عملهم أو يعودون للاستقرار النهائي في البلاد.

يقول المغترب السابق محمد سعيد ولد بابا أحمد (47 عاماً) الذي أمضى 32 عاماً في أنغولا إنّه ترعرع وعاش وسط مجتمع غريب اللغة والثقافة، لكنه حاول الحفاظ على جذوره الثقافية والدينية بالزيارات المتكررة لموريتانيا. يعترف الرجل بأنّه يجد صعوبة في التعامل مع وسطه الاجتماعي بسبب سنوات الغربة الطويلة. ويضيف: "أحيانا أشعر بأنني في غربة دائمة خارج البلاد وداخلها... المفاهيم مختلفة، وكذلك طريقة التعامل. كما أنّ النظرة القاصرة تجاه المغتربين لا تشجع المرء على الاستقرار".

كما يؤكد أنّ المهاجرين في دول أفريقيا لا تنطبق عليهم - في أغلب الأحيان- النظرة السائدة بين الموريتانيين بأنهم فاحشو الثراء يتاجرون في العملات ويملكون مناجم الذهب والماس. ففي الحقيقة هم يواجهون أوضاعاً مزرية، ويتقاضون رواتب زهيدة، لا تتناسب مع المجهود الحقيقي الذي يبذلونه.

يساهم المغتربون في تشجيع الشباب الموريتاني على الهجرة، خصوصاً أولئك الذين يعانون من البطالة، ولم ينهوا تعليمهم الجامعي. ويؤثر نمط حياة المغتربين الذين يعود بعضهم صيفاً إلى موريتانيا بسياراتهم الفارهة وجيوبهم المليئة بالدولارات، في ترسيخ فكرة الهجرة لدى الشباب.

ويقول المغترب الشاب سيدي ولد اعبيدي (26 عاماً) الذي هاجر إلى كندا منذ خمسة أعوام وعاد في إجازة إلى موريتانيا، إنه قرر الهجرة بسبب ندرة فرص العمل في موريتانيا وتواضع الرواتب. كما وجد في الهجرة حلاً لمشاكله، خصوصاً بعد أن لاحظ المستوى المادي المريح للمهاجرين الذين يعودون صيفا ليزوروا مدنهم وقراهم.

ويشير إلى أنّه يقوم بتحويل مدخراته أولاً بأول إلى بلده لاستثمارها في مجال العقارات. ويؤكد أنّ أغلب المهاجرين يرغبون في الاستثمار الداخلي بموريتانيا في ميادين التجارة والاستيراد والعقارات والعمولات، لكنهم يواجهون عقبات في ذلك. ويقومون حاليا بتحويلات مالية فقط من أجل مصاريف أسرهم وسداد التزاماتهم المالية، في انتظار أن تقوم الدولة بتشجيع المهاجرين وجذب استثماراتهم.

وبالرغم من عدم التشجيع الذي يلقونه، يتزايد عدد المغتربين العائدين للاستقرار نهائياً في موريتانيا، في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد توتر الأوضاع في بعض الدول الأفريقية، والأزمات الاقتصادية والأحداث الأمنية التي شهدتها دول المهجر التي تستقطب الموريتانيين مثل ليبيا وسورية وتونس ومالي وأنجولا، ودول غرب أفريقيا التي شهدت انتشار مرض "إيبولا".

ويفضل المهاجرون العائدون للاستقرار نهائياً في موريتانيا، استثمار مدخراتهم بأنفسهم، ويطالبون بفتح منافذ استثمارية جديدة لإدماج مدخراتهم ضمن دورة الاقتصاد، لما يمثله ذلك من استقرار اجتماعي ومالي وعائلي.

ويشير الخبير الاقتصادي، محمد محمود ولد الغوث، في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ المهاجرين الحاليين يستثمرون أكثر من المهاجرين المتقاعدين، رغم أنّ نسبة من المهاجرين الحاليين فقدت جزءا من مدخراتها بسبب الأزمات التي عانت منها بلدان المهجر في أفريقيا والحملات التي استهدفتهم، وكان آخرها في أنجولا التي رحّلت أعدادا منهم. ويطالب ولد الغوث الحكومة بالانفتاح أكثر على المهاجرين الذين يعيشون مرحلة مفصلية بسبب رغبة نسبة كبيرة منهم في الاستقرار نهائيا في بلدان المهجر.

يمثل المهاجرون الموريتانيون قوة اقتصادية مهمة، بفضل التحويلات المالية إلى بلادهم ومشاريعهم الاستثمارية. ويبلغ تعداد مغتربي موريتانيا نحو 320 ألف مهاجر. وهي نسبة كبيرة مقارنة بعدد السكان الذي يبلغ 3.3 ملايين نسمة.

في المقابل، تشكل شريحة من المغتربين العائدين، بعد ضياع مدخراتهم، عبئا على الحكومة الموريتانية، ويعيش أغلبهم على المساعدات التي يقدمها لهم الأقارب، بعد أن كانوا هم مصدر الدعم. بينما يعتمد بعضهم على مدخرات بسيطة ويطالبون بتوفير فرص عمل. كما انضم آخرون من بينهم إلى طوابير البطالة الكبيرة في البلاد.