مسعفو سورية في الخدمة

مسعفو سورية في الخدمة

15 مارس 2015
قتل 445 ناشطاً من الكوادر الطبية(أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -
كانت الثورة السورية بمثابة نقطة تحوّل في حياة كثير من الناس. مع بداية حملات القمع من قِبَل النظام، وإطلاق الرصاص الحيّ على المتظاهرين السلميين، لم يكن سهلاً نقل المصابين إلى المستشفيات بسبب سيطرة قوات النظام عليها. أمر دفع شباباً يعملون في الحقل الطبي إلى التطوع لإسعاف المصابين، وإن كانت في حوزتهم مواد إسعافية أولية فقط.

في السياق، يقول طبيب الطوارئ ومدير منظمة "إنقاذ" الإسعافية محمد (اسم مستعار) لـ "العربي الجديد" إن "الشعور بالمسؤولية دفع مجموعة من الطلاب الجامعيين، كان بعضهم ما يزال على مقاعد الدراسة، إلى التنقل ليلاً بين متاهات الحواجز الأمنية في المدينة، بهدف الوصول إلى بيوت المصابين لتقديم المساعدة، خشية الموت أمام أحد الحواجز، على غرار ما حدث مع أكثر من عشرين طالبا جامعيا في كلية الطب".

بعد حدوث معارك كثيرة وخروج بعض المناطق عن قبضة النظام، عمد الأخير إلى فرض حصار عليها مانعاً دخول التجهيزات الطبية والأدوية، عدا عن استهداف المستشفيات والمُسعفين. فلم يكن من الشباب إلا إنشاء مستشفيات صغيرة ضمّت أطباء وممرضين وغرف عمليات متواضعة، أطلق عليها اسم المستشفيات الميدانية.

يضيف: "أيامنا متشابهة. نعمل 24 ساعة في اليوم. مع اشتداد القصف، قد نرى رجلاً يحمل جزءاً من جسده. والأصعب أن نقف عاجزين عن المساعدة نتيجة نفاد المواد الطبية، التي عادة ما يجتاز الشباب آلاف الأميال لتأمينها". يتابع: "أثناء المجازر والقصف الشديد، يتوحد الأهالي. يتحول الجميع إلى مسعفين. سيارة بائع الخضار تتحول إلى سيارة إسعاف".

من جهته، يقول المعالج الفيزيائي خالد مهيدي، الذي كان قد عمل مسعفاً خلال المباريات الرياضية قبل الثورة في مدينة دير الزور، إنه شكّل وأصدقاؤه منظمة إسعافية بمشاركة أطباء متخصصين في منطقتي الرشدية والحويقة، بهدف تدريب مسعفين وتوزيعهم على أحياء الدير.

يوضح: "منذ بداية التظاهرات السلمية، كانت أعداد الجرحى والشهداء تتجاوز العشرات يومياً. الواجب الأخلاقي والإنساني دفعنا لإسعاف حالات كثيرة. كانت مهمتنا إيقاف النزيف قبل أن نتمكن من نقل المصابين إلى المستشفيات".

يذكر خالد حادثة حصلت معه في بداية الثورة. يقول: "أثناء تشييع أحد الأطباء في منطقة الفيلات القريبة من فرع أمن الدولة، استهدفت القوات الحكومية التظاهرة. في ذلك اليوم، تعرض صديقي للضرب بالبنادق على رأسه وجسمه، ثم أصيب بثلاث طلقات نارية. بعد انسحاب القوات الأمنية، هرعنا إلى المكان لنقله لأي نقطة يستطيع فيها تلقي العلاج. وبصعوبة بالغة، ومع عدم توافر سيارات الإسعاف أو الأجرة، حملناه على أكتافنا إلى منزل صديق، واستطعنا إنقاذه". يُضيف خالد: "يستحيل أن يصبح المسعف بلا مشاعر، أو يعتاد مشاهد الدم والأشلاء. لكن في الحروب، هناك دافع للاستمرار حتى اللحظات الأخيرة".

كان خالد موجوداً بشكل دائم في النقاط الطبية لإسعاف المدنيين وعناصر الجيش الحر خلال وقوع اشتباكات. لكنه أُصيب في الشهر الأخير من عام 2013، أثناء معركة تحرير الحويقة ومنطقة الجسر المعلق. يقول: "طلب منا تشكيل نقطة طبية قريبة من منطقة الاشتباكات لإرسال الإصابات بأسرع وقت ممكن إلى المستشفى. كنت واقفاً على الجسر أنتظر الجرحى لنقلهم في سيارة الإسعاف. اشتدت ضربات الهاون والمدفعية من قبل قوات النظام. وكان منظر الجبل آخر ما رأيت".

فقد خالد الوعي نتيجة إصابته بشظية في رقبته. أسعف إلى النقطة ذاتها التي كان يستعد لنقل الجرحى إليها. وبسبب سوء حالته، نقل إلى مستشفى النور الميداني التي قصفها النظام بالهاون أثناء إجراء العملية لخالد، لتنقطع الكهرباء، ما أدى إلى نقله إلى مستشفى الميادين.

اليوم، يستكمل خالد علاجه في مدينة أورفا التركية، ويبحث عن عمل في إحدى المؤسسات السورية المنتشرة. يقول إنه يشعر بالذنب مع كل لقمة يضعها في فمه، بعدما بات اليوم في مكان آمن بعيداً عن ساحة المعركة والنقاط الطبيّة، ولم يعد قادراً على مساعدة أهله. يضيف: "على الرغم من جميع التضحيات التي يقدمها المُسعفون، لكن لا أحد يتبنى عائلاتهم بعد إصابتهم أو استشهادهم، علماً أن بعض المُسعفين والسائقين الذين استشهدوا أو بُترت أرجلهم لم يصرف لعائلاتهم حتى الآن الرواتب المقررة من قبل الجهات المعنية".

ويشار إلى أن القوات الحكومية قتلت ما لا يقل عن 445 ناشطاً من الكوادر الطبية، بينهم 15 امرأة، بينما وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" استهداف أكثر من 266 مستشفى ونقطة طبية.