بطيخ مولانا

بطيخ مولانا

27 فبراير 2015
خضوع الشعوب جزء أصيل في تغول الحكام (الاناضول)
+ الخط -

في الدول ذات أنظمة الحكم الشمولية تنسحق الشعوب، وتظهر الخضوع لكل ما يراه الحاكم باعتباره من المسلمات غير القابلة للنقاش. الحاكم في تلك الدول الفقيرة عادة والفاسدة في الأغلب، هو صاحب الرأي وصاحب القرار، ومالك الأراضي والبنايات وأحياناً الأعمار، وهو وحده الذي يفهم ويعرف، ولا أحد غيره يدرك الخلفيات أو يعرف التبعات، هو الأب، وهو الزعيم الملهم، والقائد الهمام المظفر.

والحاكم في تلك الدول، وهي بالمناسبة كثيرة، هو قائد الجيوش، وقائد الشرطة، ورئيس القضاة، وهو مدير كل مصالح الدولة، يعين الوزراء والمديرين والموظفين وحتى جنود الجيش وعناصر الأمن الصغار. والحاكم الشخص الوحيد في الدولة الذي لا يمكن أن تنعقد الفعاليات والمناسبات إلا تحت رعايته وبإشرافه، وإن ولد له طفل احتفلت الدولة كلها بـ"السُبوع"، وإن مات له قريب أو نسيب، رفعت الدولة كلها رايات الحداد.

الدول التي يحكمها هؤلاء يطلق عليها عادة وصف الدول الضعيفة، ربما الوصف الأمثل هو الدول "العبيطة"، وفيها ليس بإمكانك انتقاد الحاكم أو حتى مناقشة قراراته، وإن كان الخطأ فيها ظاهراً، إلا إن كنت من جنسية محترمة، أو تعيش في دولة لا يستطيع رجاله إيذاءك فيها.
يمكنك أيضاً أن تتعاطف مع الشعوب المنسحقة في تلك الدول، أو أن تحلل ما هم فيه من مشكلات، أو تدرس أسباب خضوعهم أو استكانتهم، وتوصي بأمور يمكن أن تغير الوضع إلى الأفضل.

لكن إن فكرت في تنبيههم إلى خطورة ما هم فيه، أو توجيههم إلى ضرورة التوقف عن الانبطاح، أو تحريضهم على التغيير، أو حتى مواجهة الحاكم بحزم لينصلح حاله، وبالتبعية حالهم، فستطولك اتهامات لا حصر لها، فأنت عندها عميل أو مدسوس أو ممول من جهات حريصة على الزج بالبلاد في أتون صراعات كارثية بدلاً عن النعيم الكاذب الذي تعيش فيه.
خضوع الشعوب بلا شك جزء أصيل في تغول الحكام، وبعض الشعوب تملك تاريخاً طويلاً من الانسحاق أمام سطوة الحاكم، وبعضها جربت الخضوع لحكام من جنسيات متعددة.
مؤخراً بعدما تحوّل الربيع العربي قبل أربع سنوات إلى ظاهرة، تحالفت الأنظمة الشمولية علناً لتعيد الشعوب إلى عادتها، وبالتالي تستعيد السيطرة على مقدراتها، وتواصل سرقة ثرواتها، وتتحكم في مصائرها وأعمارها.

وفي المقابل، يسعى البعض إلى مخالفة السائد والتمرد على محاولات إحياء الماضي، ولهؤلاء باتت تهمة الإرهاب جاهزة، ورغم كونهم أقلية محدودة إلا أن تأثيرهم لازال قائماً، يزيد حيناً ويخبو أحياناً. وتبقى الأزمة في تسبيح العامة بحمد الحاكم، وترديدهم شعارات "يعيش مولانا وبطيخ مولانا".