بائع المحارم الذي لا يعرف اسمه

بائع المحارم الذي لا يعرف اسمه

16 فبراير 2015
"كثيرون يتسوّلون المال من دون بيع أي شيء" (Getty)
+ الخط -

بعد نهار طويل، ينهى الأطفال الثلاثة ـ صبيّان وفتاة ـ عملهم. يعيدون توضيب ما تبقى من أغراضهم في أكياس بيضاء متسخة، ويحمل كل واحد منهم كيسه على كتفه. ويقفون على الرصيف في انتظار "فان رقم 4"، ليقلهم إلى بيوتهم في منطقة طريق المطار.

شدّة الظلام وقصر قامات الصغار وأصواتهم المنخفضة، لا تسمح لسائق مركبة النقل الصغيرة برؤيتهم بسهولة، ما يضطر الأطول قامة من بينهم إلى الوقوف على حجارة كبيرة والتلويح.
محمد، هو أطولهم قامة. لكن، عندما تسأله عن اسمه وعمره، يبدو متردداً وهو يجيب: "في كل مرة ينادونني باسم جديد. يمكنك مناداتي محمد أو أحمد أو علي". ومن ثم يبدأ بعدّ أصابعه الصغيرة. وعندما يصل إلى الثامن، يقول ملوحاً بيدَيه: "هذا عمري!".

لا ينتظر الصغير أن تسأله عن أحواله، فهو يفرغ كل ما في قلبه دفعة واحدة: "أنتم الغرباء تعتقدون بأنني جاهل. أنظري أعدّ إلى الرقم عشرة". ويبدأ في العدّ، قبل أن يتابع: "وأكتب اسمي بسهولة. لكنني لا أذهب إلى المدرسة، لأن والدتي فقيرة ووالدي متوفٍ. وأنا لبناني ولست سوري".

ولمساعدة والدته في تأمين قوتهما أو أقلّه عشائهما، يقصد محمد منطقة رأس النبع في بيروت كل يوم عند السابعة صباحاً، حيث يبقى لغاية السابعة مساءً. إلى جانب أكياس المحارم، يحمل الصبيّ في كيس أسود صغير رغيفَ خبز تضعه له والدته ليأكله عند شعوره بالجوع. وهو من جهته يشتري لوح شوكولاتة وقنينة مياه، ليصبّر جوعه وعطشه.

هو انتقل أخيراً إلى رأس النبع، بعدما كان يبيع الورود في منطقة الحمراء (غرب بيروت). ويشكو كيف كان الأطفال الآخرون "يضربونني إذا بعت أكثر منهم. كنت وحيداً هناك، لا رفاق لي. وأمي هناك في المنزل، بعيدة". يضيف: "كنت أبيع مقابل المال في حين كان كثيرون يتسوّلون المال من دون بيع أي شيء. وكنت أشعر بالغضب".

واختارت له والدته منطقة جديدة لبيع بضاعته فيها. يضحك قائلاً: "سوق المحارم خفيف. لا أحد يحب النظافة". لكن محمد لم يختر بيع أكياس المحارم عبثاً. فهي لا تذبل مثل الورود ولا تستخدم كالولاعات. ويستذكر تجربته مع بيع العلكة، فيتابع: "ولا تؤكل كالعلكة. كنت عندما أشعر بالجوع، أفرغ العلبة بأكملها في فمي دفعة واحدة".

وهو يشير إلى رفيقَيه، يقول بكل فخر: "أنا مسؤول عن إعادتهما إلى المنزل. أنا الكبير، إذاً كلمتي هي المسموعة". لكن محمد لا يعرف طريقاً للعودة إلى منزله، إلا بواسطة "فان رقم 4". فينتظره، ممسكاً بيده اليمنى يد صديقه الصغير وبيده اليسرى يد صديقته صاحبة الجدلات الذهبية.

ويبقى هاجس الصغير، عدم وصول "فان رقم 4" لإعادته إلى والدته.

المساهمون