سجون العراق.. الداخل مفقود والخارج مولود

سجون العراق.. الداخل مفقود والخارج مولود

11 فبراير 2015
النائب العراقي العلواني
+ الخط -


غادر أحمد وزوجته فاطمة شاطئ دجلة المجاور لسجن الكاظمية بعد ربع ساعة من وصولهم المكان لقضاء أمسية ليلة الخميس الماضي، حاملين معهم صدى أصوات تعذيب لا تزال تلاحقهم في منامهم.

"نحن نادمون. ليتنا لم نختر هذا المكان. إنها مشورة أحمد" هكذا تردد فاطمة عند سرد ما حدث لها مع عائلتها عند وصولهم المكان في الحادية عشر ليلاً، وتضيف "سمعنا أصوات استغاثة وتوسل. كانوا سجناء يتعرضون للضرب على ما يبدو من قبل سجانيهم، ورغم أن السجن يبعد عن مكان جلوسنا نحو 300 متر، إلا أن صيحات يا الله ويا رب ودخيل الله اخترقت الجدران وأسوار السجن السميكة واخترقت آذاننا".

وتضيف فاطمة: "كانوا سجناء يُعذَّبون واعتقد أنهم كانوا اثنين أو ثلاثة، لكن بالمقابل سمعت صوتاً قبيحاً بارداً يستهزئ بدعائهم وتوسلاتهم".

وتتسع ظاهرة التعذيب في السجون العراقية على نحو مخيف، ما أدى إلى وفاة العشرات خلال العام الماضي ومطلع العام الجاري، وفقاً لمراكز ومنظمات دولية وأخرى محلية، فيما تمتنع وزارة العدل العراقية عن التعليق على حالات الوفيات الأسبوعية للمعتقلين وتقارير الانتهاك الجسدي والتعذيب الممنهج والاغتصاب داخل السجون، للرجال والنساء على حد سواء.

ونجح رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، في وضع "المفوضية العراقية العليا لحقوق الانسان" تحت سيطرته من خلال تعيين أعضاء وأمناء داخل المفوضية من حزبه أو من عناصر المليشيات المقربة منه، وبعضهم من المتورطين بجرائم عنف طائفي بين العامين 2006 و2008.


وقال القيادي في جبهة الحراك الشعبي بمحافظة الأنبار، محمد عبد الله لـ"العربي الجديد": إنه لا أرقام دقيقة لدينا حول عدد المتوفين جراء التعذيب في السجون أو حتى بسبب سوء التغذية لأن الحكومة تتستر على الحالات وتغلق الباب أمام الصحافة المحلية، وأقصد الصحافة المهنية منها وليس صحافة الدولة.

ويضيف "ما لدينا من حالات سمعنا بها ووثقناها هي تسجيل 98 معتقلاً توفوا نتيجة التعذيب غالبيتهم قضوا في سجون الكاظمية وبابل والناصرية والبصرة والعمارة والشعب والمشتل خلال العام الماضي فقط، كما فُقد 49 آخرون من تلك السجون بعد أن كان لهم رقم إحصاء وسجل تواجد، وزارهم ذووهم مرات كثيرة، لكن السجن الآن ينفي أنهم كانوا محتجزين لديه".

ويتابع "المئات قتلوا عام 2014 بسجون ديالى وتلعفر وصلاح الدين وبغداد والحلة وجرف الصخر وغيرها، خلال هجوم تنظيم الدولة الإسلامية الواسع، ومحاولته اقتحام السجون، حيث أعطى المالكي أمراً لإدارات السجون بقتل السجناء قبل الانسحاب لئلا يتم تحريرهم على يد (داعش) رغم أن غالبية النزلاء في تلك السجون من غير المحكومين، أو بالأحرى لم يعرضوا على القضاء بعد، كما أن بينهم متهمين بقضايا بسيطة، لكن تم قتلهم أيضاً".

وأضاف عبد الله: "يمكن اعتبار 2014 العام الأسود لحقوق الانسان بالعراق والسجناء بشكل خاص".

من جانبه قال رئيس مركز بغداد لحقوق الانسان، مهند العيساوي لـ"العربي الجديد" إن واقع السجون العراقية اليوم أشبه ما يكون بمعسكرات تعذيب لا نهاية لها أو بالمعنى الأدق هي "مراكز انتقام طائفي وابتزاز مالي" على حد وصفه.



وأوضح العيساوي أن بعض السجون شهدت عمليات قتل جماعية لمعتقلين بدوافع طائفية، وهناك دلائل حول ذلك كان أكثرها بشاعة، نقل 86 نزيلاً من سجن الحمايات القصوى ببغداد من قبل وزارة الداخلية وإعدامهم في إحدى مكبات النفايات بضاحية قريبة من العاصمة.

في السياق قال والد أحد المعتقلين في سجن الكاظمية سيئ الصيت شمالي بغداد، إن ابنه يتعرض للضرب من قبل صبي لا يتجاوز عمره 10 سنوات وهو ابن أحد السجانين، ويضيف الحاج أبو حسين (54 عاماً) لـ"العربي الجديد": زرت ابني قبل أسبوعين وقال لي إن "أحد السجانين أخرجه من الزنزانة قائلاً: ابني يعاني الخوف المفرط والأطفال في المدرسة يضربونه كل يوم دون أن يتمكن من الدفاع عن نفسه، لذا سأدربه عليك، وإن تكلمت أو صرخت بوجهه أو حتى حدقت عينيك به، سأجعلك تتمنى الموت ولا تجده".

ويضيف أبو حسين "تعرض ابني للضرب بواسطة العصي والهراوات الكهربائية وأصيب في عينه وكسر أنفه، وتوجد رضوض في كل جسده، بسبب تدريب ابن السجان على تجاوز الخوف الذي تكرر ثلاث مرات قبل أن يتركوا ابني وشأنه".

وأثارت صور النائب بالبرلمان العراقي المعتقل أحمد العلواني، تساؤلات كثيرة حول الوضع داخل السجون، حيث ظهر العلواني هزيلاً متعباً بدت عليه علامات الإرهاق وسوء التغذية، وهو ما دفع العراقيين للسؤال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذا كان هذا نائباً بالبرلمان وحاله كذلك، فما بال المواطن العادي".

وترفض السلطات العراقية منذ سنوات دخول الصحافيين أو لجان حقوق الإنسان للسجون، كما أنها منعت وفداً من منظمة "هيومن رايتس ووتش" عدة مرات من زيارة سجون بغداد دون تقديم أجوبة منطقية، باستثناء اشتراطها أن تكون الزيارة غير مفاجئة من قبل المنظمات.