أجيال الضياع

أجيال الضياع

09 ديسمبر 2015
هناك 3 ملايين طفل في السودان خارج المدارس (الأناضول)
+ الخط -

بالعودة الى أرقام سابقة يتبين أنه إضافة الى الملايين الخمسة من الأطفال العرب، ممن لم تكن تتاح أمامهم إمكانية الدخول إلى المدرسة، هناك ما مجموعه قرابة 75 مليون أميّ في المنطقة العربية. لا يمثل العدد الثاني فقط كبار السن، بل يشمل فئات عمرية ما زالت في مرحلة الشباب، عليها أن تبحث عن مقومات عيش لائقة. وبالطبع لا النظام التربوي ولا مدارس محو الأمية كانت تنجح في تقليص العدد أو الحد منه. وجملة هذا الوضع لها تأثيراتها السلبية على كل مناحي الحياة من أبسط الأمور حتى أعقدها.

مع ذلك كان بالإمكان الحديث عن نسبة معينة من أبناء العرب هم بمثابة جيل ضائع. جيل ينتمي في معظم مكوناته، إن لم نقل جميعها إلى فئات فقيرة ومهمشة في المجتمعات العربية. الآن ومع هذا الخراب المتسع باستمرار، يمكن الحديث بثقة عن أجيال الضياع على امتداد المنطقة العربية مع استثناءات محدودة في الدول التي ما تزال في منأى عن العواصف العاتية.

ماذا يعني وجود ما يقارب ثلاثة ملايين طفل في السودان خارج المدارس، ومثلهم في العراق واليمن، وأقل أو أكثر منهم في سورية، ومليونان في ليبيا؟ ماذا تعني هذه الأرقام سوى أن المنطقة العربية معرضة لخسارة هذه الأجيال ولمرحلة زمنية مقبلة لا تقل عن 60 إلى 70 عاما مقبلا، باعتبار أن لا مجال للمراهنة متى هدأ دوي بارود المدافع أن يتم استنفار طاقات المجتمع بمختلف مكوناته لتعويض ما فات من سنوات، عبر مدارس ومعلمين يعملون ليل نهار من أجل سد الفجوة التعليمية في الصدر العربي. خصوصا أن لا شيء يثبت حتى الآن أن اللاجئين يستطيعون بالمبادرات الدولية والعربية المتواضعة إنقاذ مصيرهم من مستقبل حالك السواد، وهم يعانون مع ذويهم مرارة وذل اللجوء، وسط مساعدات متناقصة شهراً بعد شهر.

في أفضل التقديرات هناك طفل لاجئ من كل أربعة تتيح له الظروف أن يتابع في مدرسة ضمن المكان الذي لجأ إليه. هناك من يدفع الرقم إلى خمسة أو أكثر حتى. والمطلوب من هذا التلميذ الذي شاء حظه الحسن أن يتابع في مدرسة هي عبارة عن خيمة أو غرف ضيقة وسط غربة عن المكان والزمان الذي اضطر إلى اللجوء إليه.

الكثيرون ممن لم تسمح له ظروفه بالدخول إلى المدرسة بات معيل أسرته عبر العمل الزراعي أو الحرفي أو بيع ما قد يدر عليه دخلا بسيطا لا يعني في أحسن الأحوال سوى تأمين ربطة الخبز والقليل القليل من الأساسيات. كل هذا كلام في العام يطاول معظم الأطفال اللاجئين ضمن الموجة الأخيرة، ولكنه لا يحصرهم، فاللجوء العربي الحديث له جذره الأقدم باللجوء الفلسطيني.
(أستاذ في كلية التربية، الجامعة اللبنانية)

اقرأ أيضاً: وقائع الزلزال التربوي

المساهمون