السجن بدلاً من الهجرة

السجن بدلاً من الهجرة

29 ديسمبر 2015
تنقلوا بين العديد من مراكز الاحتجاز (Getty)
+ الخط -
فلسطينيو لبنان يمضون حياتهم في شتات مستمر. وحتى طريق الهجرة الصعبة دونها عقبات تمنع الوصول، خصوصاً في سورية، إذ تضبطهم أجهزة الاستخبارات وتحتجز حريتهم وتستنزف أموالهم

أكثر من أربعين عائلة فلسطينية تركت مخيمات لبنان قبل نحو شهر. معظمهم ذهب إلى تركيا عن طريق سورية بهدف الوصول إلى أوروبا في نهاية المطاف. عائلات بكامل أفرادها أحياناً من مخيمات عين الحلوة (صيدا)، ونهر البارد (طرابلس)، وبرج البراجنة (الضاحية الجنوبية لبيروت)، والرشيدية (صور)، تترك كلّ شيء هنا وتنفق الكثير من المال من أجل حلم غير مأمون العواقب.

يقول أبو أحمد (اسم مستعار): "تقدم ابني لنيل التأشيرة التركية بشكل رسمي في السفارة التركية خمس مرات. رفض طلبه كلّ مرة. علم بوجود طريق إلى تركيا عبر سورية، من خلال سماسرة. فخرج مع زوجته وابنه (عام ونصف) وابنته (6 أعوام) من عين الحلوة برفقة شابين آخرين إلى معبر العريضة الحدودي، شمال لبنان".

يتابع أبو أحمد أنّ طريق العريضة خطيرة جداً على المهاجرين، فالمناطق التي يعبرونها وصولاً إلى تركيا كلّها تشهد مواجهات مسلحة وقصفاً جوياً وبرّياً. كذلك، يشير إلى نقطة أخرى، أنّ الفلسطينيين الذين يحاولون السفر من لبنان، وتحديداً من مخيم عين الحلوة، مشكوك بأمرهم سلفاً: "إما أن يبلغ عنهم السمسار نفسه، أو تكون أجهزة الاستخبارات السورية على علم مسبق بأسمائهم. وبمجرد وصولهم، حتى بشكل رسمي بعد ختم جوازاتهم في الأمن العام اللبناني، يقبض عليهم".

يقول أبو أحمد: "هذا ما حصل مع ابني وعائلته. اتصل بي وأخبرني أنّهم موقوفون. اتصلت بسائق الحافلة التي تقلّهم وهو سوري من حلب، فقال إنه لا يعرف من أوقفهم. بعدها اتصلت بصديق لبناني على علاقة بالأجهزة الأمنية، فقال لي إنّ ابني موقوف في حمص، وبعد ذلك سينقل إلى طرطوس. كما أرسل إليّ ورقة التوقيف تأكيداً على كلامه. وعندما ذهبت إليه ليعمل على مساعدتي على إطلاق سراحهم، طلب مبلغاً كبيراً من المال، فلم أتمكن من دفعه، وتوقفت عن المحاولة".

يتابع: "كانوا خلال هذه الفترة يتنقلون بين الأمن السوري، والاستخبارات، وفرع فلسطين، ومن ثم دائرة الهجرة والجوازات. في السجن دفع ابني ومن معه للحراس من أجل إدخال الطعام إليهم. بعدها قدموا إلى المحكمة المدنية، ودفعوا أموالاً ليخرجوا".

يضيف أبو أحمد: "عندما جرى توقيف ابني وعائلته كانوا مع شابين آخرين من المخيم. أُخذ مع الشابين إلى أحد مراكز الاستخبارات. وأخذت زوجته والولدان إلى فرع فلسطين. هناك جرى التحقيق معها وضُغط عليها كي تعترف أنّ زوجها من أعضاء حزب التحرير". يقول: "حجزت الأجهزة المال الذي كان بحوزتهم جميعاً. وحتى عندما أخلي سبيلهم، وأعيدوا إلى الحدود اللبنانية لاحقاً، أخذ حرس الحدود منهم 400 دولار أميركي كانت كلّ ما تبقى معهم".

أما عن طرق الهجرة من لبنان عبر السماسرة، فيقول: "هناك العديد من السماسرة في المخيم، وهناك طرق عديدة للهجرة، فمنها عبر تركيا إلى أوروبا بحراً أو جواً، وكلفتها قد تصل 8 آلاف دولار للشخص، بالإضافة إلى التأشيرة التركية وسعرها 2600 دولار، أو إلى روسيا وكلفتها 15 ألف دولار".

بدوره، يقول عدنان (اسم مستعار)، وهو ابن أبي أحمد الذي أوقف مع زوجته وولديه، وهو في طريقه إلى تركيا: "أعمل نجاراً، والحياة في المخيم صعبة جداً. قررت الهجرة، لكنني تعذبت كثيراً عندما أوقفت في سورية برفقة زوجتي وولديّ". يفسر: "في التحقيقات جرّدوني من ملابسي ومنعوني من التحرك تماماً أو حتى إغماض عينيّ، وإن فعلت أُضرَب. كان التحقيق يبدأ عند الثالثة صباحاً، ويستمر إلى أن يتعب المحقق ويرغب في النوم. أما زوجتي وأولادي فتعذبوا أكثر مني، أجلسوها تحت درج ووضعوها في مكان مظلم ومنعوا عنها وعن الأولاد الطعام والشراب مدة ثلاثة أيام. وبعد إنهاء التحقيقات معنا، نقلونا إلى حلب ثم اللاذقية ومن ثم إلى طرطوس، وكنا في كلّ مرة نُنقل من مكان إلى آخر ينقص المبلغ معنا وهو 7 آلاف دولار، لدفع رشاوى للمحققين والسجانين وغيرهم".

يروي تجربة أخرى من الاعتقال في فرع فلسطين: "أُدخلت مع الشابين اللذين خرجا معنا من المخيم إلى زنزانة فيها نحو 100 سجين. وعندما عرض علينا السجان الطعام، وكنا شديدي الجوع ألقى إلينا بربطة خبز، فما إن فتحناها حتى خرجت منها أعداد كثيرة من الصراصير، فأكلنا منها مرغمين".

في السجن، لاحظ عدنان انتشار القمل والجرب بين النزلاء. يقول إنّ بعضهم مرميّ هناك منذ سنوات ولا يعرف أهله بوجوده. يروي قصة أخرى عن سجين مشلول طلبَ طبيبٌ سجينٌ منهم مساعدته في تغيير حفاضه، يقول: "خرج الدود من جسمه، وشاهدت عظام ظهره".

وعن الاتهام الذي وجّه إليه، يقول: "ادّعوا أنّ زوجتي أخبرتهم بأنّني أنتمي إلى حزب التحرير. أنكرت ذلك وقلت لهم إنّني كنت أنتمي إلى حزب يساري موال للنظام السوري، فسبّوا الحزب والفلسطينيين. وبعدما أحضروا زوجتي لمواجهتي بها أصرّيت على كلامي ودفعت لهم المال ليتركونا. لكنني مع ذلك تعرضت للضرب والتعذيب مع الشابين الآخرين".

في النهاية أعيد عدنان وزوجته وولداه والشابان الآخران معاً إلى الحدود اللبنانية. أخلي سبيلهم بعدما تعرضوا طوال أسابيع للضرب والتعذيب، بالإضافة إلى سلبهم كلّ ما كان معهم من مال.

اقرأ أيضاً: بطالة.. فغرق