الحدّادة عائشة تصنّع السواطير

الحدّادة عائشة تصنّع السواطير

28 ديسمبر 2015
أحمل المهدّة الثقيلة بيدَي اللتَين أصبحتا خشنتَين (محمد الحجار)
+ الخط -

في ورشة حدادة صغيرة في حيّ الشيخ رضوان في مدينة غزّة، يمكن لأي كان أن يلاحظ امرأة ورجلاً يعملان منذ ساعات الصباح الأولى ليتوقّفا فقط قبل غروب الشمس بقليل. كثيرون يتعجبون من أن إبراهيم لا يستخدم أي عامل مياوم لمساعدته، بل يلجأ إلى زوجته عائشة كسند له. هي ومذ اقترنت به، تعمل معه في الحدادة.

في هذه الورشة الصغيرة، تجد عائشة حسين (37 عاماً) نفسها، مجبرة على الوقوف أمام فرن النار الخاص بتحمية الحديد للحظات أو لساعات في بعض الأحيان. ليست سحنة وجهها هي التي تغيّرت من جرّاء ذلك فحسب، بل هي اكتسبت أيضاً قوة بدنية كبيرة. وعلى الرغم من أن المجتمع الغزي لا يتقبّل كثيراً عملها في هذه المهنة، إلا أن ظروف أسرتها المعيشية وضرورة تأمين لقمة العيش لأولادها الثمانية، زجّت بها في هذا العمل.

عائشة من أصول مصريّة وزوجها إبراهيم مصطفى (42 عاماً) يحمل الجنسيّة المصرية أيضاً حتى ولو أنه من أب فلسطيني. وتخبر "المرأة الحدّادة" أنها "مذ تزوّجت قبل 19 عاماً، نزلت في أول أيام شهر العسل للعمل مع زوجي في الورشة. الكل تفاجأ، لكنني وعدته بالوقوف إلى جانبه. وأنا اليوم أكمل ما بدأته، وسط نظرات المتطفلين".

يومياً، ومن دون أن تهتم بالظروف المناخيّة، سواء أكان الطقس برداً أم حراً، تقصد عائشة الورشة. تقول لـ "العربي الجديد": "في بعض الأحيان، أضطرّ إلى البقاء فيها بمفردي، حتى يرتاح زوجي قليلاً في المنزل. أنا اعتدت التعامل مع الزبائن والحدادين منذ أعوام، خصوصاً بعدما اكتسبت ثقة زوجي في العمل. عند مرضه مثلاً، أنزل للعمل بدلاً عنه".

اقرأ أيضاً: الفرح ممنوع في غزة

على مقربة من ورشة الحدادة الصغيرة، تعيش عائشة وعائلتها في خيمة. وتبرّر: "نحن غير قادرين على تسديد إيجار المنزل. وما نربحه زوجي وأنا في اليوم الواحد، يكفي لإطعام الأطفال فقط".

وتشرح وهي تكمل عملها: "أحمل المهدّة الثقيلة بيدَي اللتَين أصبحتا خشنتَين. وعلى سندان، أطرق لوحاً معدنياً ساخناً ليلين على شكل معيّن بعد تسخينه بالنار". تجدر الإشارة إلى أن ظروف هذا العمل هي من الأصعب على امرأة. هي تصنّع مع زوجها السكاكين والسواطير والخناجر والسيوف، بالإضافة إلى الأدوات الزراعية وغيرها. كذلك يصنعان أدوات للزينة أيضاً، لكن الطلب عليها خفيف. أهالي غزّة في حاجة إلى الأساسيات في غالب الوقت.

على الرغم من عملها الشاق، إلا أن عائشة تحرص على عدم التقصير في الاهتمام بأطفالها الصغار. هي تجهّز الطعام لهم وتغسل ملابسهم وتتابع دروسهم. وتشير إلى أن "عملي في الحدادة يتطلب مني قلب رجل، لكنني امرأة وأشعر بالتعب الشديد في بعض الأوقات، لدرجة أنني لا أقوى حتى على الوقوف. مع ذلك، أحاول أن أبدو قوية متماسكة أمام أبنائي، وكذلك لا أرفض طلب عمل".

وكان عملها في الحدادة قد تسبب بإصابتها في ظهرها، تُضاف إلى ذلك الأعمال المنزلية. أيضاً، تعاني من ضعف في النظر. لكنها ليست الوحيدة التي تعاني من أمراض في أسرتها، فزوجها أيضاً يشكو من مشاكل صحية كبيرة أجبرته لفترة من الوقت على ملازمة الفراش. لكنه سرعان ما عاد إلى المهنة التي ورثها عن والده منذ صغره. بالنسبة إليه، "واقع الحياة صعب في قطاع غزة، والحكومة الفلسطينية تتنصّل من مسؤولياتها الاجتماعية تجاهنا. وهو ما دفع زوجتي إلى العمل في هذه المهنة الشاقة".

يدرك مصطفى جيداً أن هذا العمل شاق بالنسبة إلى امرأة، وأن الرجال بالكاد يستطيعون العمل فيه. لهذا فهو يقدّر كثيراً وقوف زوجته إلى جانبه، ويقول لـ "العربي الجديد": "زوجتي بألف رجل. وهذا أمر يعرفه كل الزبائن. لو كان لدي ولد شاب، لما استطاع الوقوف في ورشة للحدادة أمام النار كما تفعل هي".

في معيشته، يعتمد مصطفى على بيع الأدوات التي يصنعها من الحديد، ولا تتجاوز أرباحه اليومية 19 دولاراً أميركياً في اليوم، وهو ما يكفي لإطعام عائلته. وفي بعض الأيام، لا يقصده زبون واحد، وفي أيام أخرى قد يأتيه باعة العربات لشراء حدوات لحصان أو حمار مثلاً.

يتمنى مصطفى أن يتلقى علاجاً يساعده على العودة إلى العمل بكامل طاقته كما في السابق، "فأتمكّن من منح زوجتي التي تعبت كثيراً من أجلي ومن أجل أولادنا، بعضاً من الراحة يومياً". وتُعدّ أسرة عائشة من الأسر الفقيرة التي تفتقد أبسط حقوقها، ولا تملك حتى تأميناً صحياً ولا أيّ رعاية من قبل الحكومة على الصعيد الاجتماعي. ويبقى خوف عائشة وزوجها الأكبر، هو من إصابة أيّ من الأطفال بالمرض.

اقرأ أيضاً: أطفال الشاي في غزة

دلالات

المساهمون