ضحكة المساجين

ضحكة المساجين

06 نوفمبر 2015
دموعها لا يمكن أن تنسينا ابتساماتها البريئة (العربي الجديد)
+ الخط -

عجيب أمر هؤلاء المعتقلين في سجون المستبدين الذين يواجهون القهر والظلم بإظهار الرضا، وغير مفهوم بالنسبة للمنعمين أو من لا يعرفون الظلم من البشر أن يبتسم شاب أو فتاة من خلف قفص يحتجز فيه لمحاكمته بتهمٍ، يمكن أن توصف بأنها خيالية أو تخالف العقل والمنطق.

في العادة يتفنّن المستبد في التنكيل بمسجونه للتأثير على حالته النفسية أو ربما دفعه حد الانهيار أو التفكير في الانتحار، لكننا في الآونة الأخيرة نقابل بنماذج عدة لمعتقلين، مرت على احتجازهم فترات طويلة، لكنهم يواجهون الكاميرات بابتسامات راضية خلال نقلهم من سجن إلى سجن، أو حين يظهرون في قاعات المحاكم.

بعض هؤلاء محتجزون في زنازين انفرادية، وبعضهم يمنع من التواصل مع البشر كعقوبة إضافية، ما يجعل العبء الملقى على عاتقهم أكبر، ويجعل انهيارهم أسهل، لكنهم على العكس تماماً يظلون على تماسكهم في تحد للسجان والمستبد من خلفه.

ربما يحتاج الأمر إلى دراسة يشارك فيها علماء الاجتماع والنفس، وربما نحتاج إلى المزيد من الشهادات الحية من هؤلاء الذين تعرضوا لتلك التجربة المريرة، لعلنا نفهم طبيعة الحال التي يعيشونها وأسباب تماسكهم في ظل ظروف مهيئة بالكلية لتدميرهم نفسياً وعصبياً وبدنياً.

ربما أثارت دموع الشابة المصرية، إسراء الطويل، أخيراً، غضب الآلاف ممن شاهدوها، لكن دموع الفتاة العشرينية في جلسة محاكمتها الأخيرة لا يمكن أبداً أن تنسينا ابتساماتها البريئة في الجلسة السابقة على الرغم من حالتها المأساوية.

لا تفارقني في العادة كلما خطر لي تأمل حال المعتقلين في سجون مصر، ضحكة القيادي الإخواني، محمد البلتاجي، ورفاقه داخل القفص، ولا أنسى أبداً ابتسامة الرضا التي كانت على وجه الشبان عبد الله الشامي ومحمد سلطان وباهر محمد عند الإفراج عنهم.

سمعت من بعض المفرج عنهم قصصاً عن القهر داخل السجن، لكن أحداً منهم لا يبدو أنه يدرك حتى اليوم، كيف تماسك طوال فترة سجنه، أو الدوافع التي منعته من الانهيار، وإن كان بعضهم لا يخفي أنه كاد أن ينهار مرات عدة، وربما يظنون أنهم أحسن حالاً من آخرين من المجهولين لا يدري أحد عنهم شيئاً، والذين يتعرضون لصنوف أكثر قسوة من الظلم والتنكيل.

تظل ابتسامة المظلوم تطارد الظالم مهما نكّل به، وتظل تمنح الأمل آلافاً غيره يستمدون منها القوة لاستكمال مسيرة إنهاء الظلم.

الأكثر عجباً، هو ابتسامات ظهرت على وجوه بعض الشهداء، والتي تظل لغزاً محيراً لكثيرين ممن لا يدركون أن بعض البشر يفضل الموت حراً على العيش ذليلاً، وأنه يسعد بترك دنيا الظلم والقهر إلى حيث الراحة والعدل.

اقرأ أيضاً: برضه محدّش راح

المساهمون