الحياة في علبة سردين

الحياة في علبة سردين

03 نوفمبر 2015
في أحد أزقّة مخيم الشاطئ (إيمان عبد الكريم)
+ الخط -

يضيق العيش في مخيم الشاطئ في قطاع غزة. يشعر سكانه أنهم يقطنون في "علب سردين". يتكلمون مع بعضهم البعض بهمس. ففي المخيم، الجدران تسمع حقاً.

"أكثر من 90 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون في غُرفة واحدة". هكذا يصف الحاج أبو ماجد مسعود (66 عاماً) مكان إقامته في مخيم الشاطئ في غزة. هذا المخيّم الذي كان قد سكن فيه منذُ هُجّر مع والديه وبقية أفراد العائلة من مسقط رأسهم الأصلي في بلدة المجدل، وحتى اليوم.

البيوت في مخيم الشاطئ، غرب مدينة غزة المطل على شاطئ البحر، والذي لا تتجاوز مساحته كيلومتراً مربعاً، مختلفة تماماً. السكن في أحدها لا يعني الاستمتاع بمنظر البحر. هي صغيرة وقديمة ومهترئة وقريبة من بعضها البعض، وتخلو من أدنى مقومات الحياة. أكثر من ذلك، تبدو أنها شاهدة على بؤس ساكنيها، بالإضافة إلى تهجير وتشريد عشرات الآلاف من المواطنين من مساكنهم الأصلية، وإجبارهم على العيش في "علبة سردين"، على حدّ قولهم.
منهم الحاج مسعود، الذي يقطن في منزل لا تتجاوز مساحته 70 متراً مربعاً، وقد بنته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). ولا يبدو أن المشكلة تتعلّق بمساحة البيت فقط، بل بصعوبة أن يعيش في داخله 12 شخصاً. يقول: "بيتنا عبارة عن صندوق بطاطا، ونحن مكدسون فيه فوق بعضنا البعض. لا نعرف النوم بشكل جيد أو تناول الطعام. حتى أننا بالكاد نرى الشمس".

يتكوّن مخيم الشاطئ من 12 تجمعاً صغيراً، يضم مئات البيوت الصغيرة المتلاصقة. الوصول إليها يحتاج إلى المرور في أزقة ضيقة جداً. ويعاني القاطنون فيه بسبب انعدام الخصوصية بشكل تام، ما يضطر الكثير من ساكنيه إلى المكوث في الشارع لبعض الوقت بعدما تضيق الجدران عليهم. من جهتها، تقول الحاجة أم أحمد ماضي (70 عاماً)، عن العيش في مخيم الشاطئ: "إذا همست في بيتك، يسمعك سمك البحر".

في الأساس، تتحدّر الحاجة من بلدة أسدود، وتعاني من مشاكل صحية عدة بسبب الوضع المعيشي السيئ في المخيم. وغالباً ما يصاب السكان بالكثير من الأمراض بسبب غياب البيئة السليمة في المخيم بشكل تام. في الصيف، تكون درجات الحرارة مرتفعة جداً، الأمر الذي يؤثر على الناس. أما في الشتاء، فتغرق البيوت بالأمطار ومياه الصرف الصحي، ما يؤدي إلى إصابة المواطنين بأمراض كثيرة. تقول ماضي: "الحياة هنا ليس فيها راحة. ننام جميعاً في مكان واحد. نحكي همساً ونعيش في صمت كأننا لصوص نختبئ من أحدهم".

في السياق، يذكر عدد من كبار السن في المخيم أن اللاجئين كانوا يقطنون في غرفة ضيقة من القرميد، أقامتها "الأونروا" لاحتضان المشردين الذين تعود أصولهم إلى قرى مختلفة، منها حمامة، والجورة، والمجدل، ويافا، وأسدود، وهربيا والفالوجا.

وكثيراً ما يعبّر الحاج مسعود عن سخطه وغضبه بسبب قلّة الراحة والهدوء في المخيم، وعدم القدرة على الاستمتاع بوقت خاص مع الأسرة. يقول: "كل ما تفعله محسوب عليك. تشعر أنك مراقب طوال الوقت. الأطفال في الشارع يلعبون ويلهون ويصرخون بأصواتهم العالية. يصعب البقاء داخل المنازل. هنا، الجدران حقاً تسمع".

إلى ذلك، يعاني سكان المخيم من انتشار الأمراض الجلدية والطفيلية والدودية، بالإضافة إلى انتشار الحشرات والزواحف والجرذان في فصل الصيف، فضلاً عن مشكلة الصرف الصحي وانسداد الشبكات وغرق بعض المناطق والبيوت، وخصوصاً في فصل الشتاء، بالإضافة إلى عدم وجود أماكن للترفيه لأبناء المخيم، على غرار ملاعب وغيرها، ما يؤدي إلى حدوث مشاكل بين السكان من وقت لآخر.

بمحاذاة باب المنزل، جلست الحاجة ماضي. تعبت من أصوات أحفادها الذين يلهون داخل المنزل الصغير. تقول وقد بدا الاستياء واضحاً على وجهها: "في أرضنا بيت كبير، وأشجار ليمون وزيتون. كنا نشم هواءً نظيفاً. الوضع يختلف اليوم. يعيش أكثر من عشرين شخصاً، غالبيتهم أطفال، في مساحة ضيقة. لا يجد أحفادي مكاناً للعب لأن الشوارع ضيقة ولا توجد ملاعب خاصة. وإذا ما لعبوا في الشارع، يتضايق الجيران".

من جهة أخرى، يكاد التمدد العمراني يكون مشكلة إضافية تضاف إلى مشاكلهم الكثيرة. وقد اضطر كثيرون إلى هدم منازلهم "الإسبستية"، وبناء أخرى من الإسمنت مؤلفة من طبقات عدة. لكن تبقى المنازل محاذية لبعضها البعض، حتى أنه يصعب إخراج نعش من أزقة المخيم.

تجدر الإشارة إلى أنه في المخيم عيادتان تابعتان لـ"الأونروا"، بالإضافة إلى ثالثة تابعة للحكومة. أيضاً، يتلقى أبناء المخيم تعليمهم الأساسي مجاناً في عشرات المدارس التابعة للوكالة.

اقرأ أيضاً: صناعة الخيزران.. عمرها أكثر من 100 عام في غزة