حريّة داخل السجن

حريّة داخل السجن

02 نوفمبر 2015
أوطان أشبه بالسجون (Getty)
+ الخط -

في اليوم نفسه أصادف تحقيقين عن السجون. الأول عن سجون دولة عربية عصف بها الربيع العربي، وارتدّت أسوأ مما كانت من قبل. والثاني عن سجون اسكندنافيا بدولها الأكبر، الدنمارك والسويد والنرويج.

لا مجال للمقارنة أساساً بين الجهتين. لكنّ المثير للدهشة أنّ تلك الدول كلّما تقدمت في حقوق الإنسان، واحترام الحريات، وتمكين أبنائها من المشاركة، وتحديث القوانين بما يلائم العصر، وتأهيل المواطن حتى ولو كان سجيناً، تخلّفت دولنا العربية أكثر في شتى المجالات.

حقوق المواطن مستباحة في دولنا. المواطن ليس مواطناً فعلياً لديه كامل الحقوق وعليه كلّ الواجبات. المسألة عادة مسألة ترهيب وتخويف تحوّله إلى مجرد تابع لنظام أو حزب أو طائفة أو عشيرة. تابع يتوجب عليه الانصياع لرغبة من يتبع له من دون أيّ اعتراض. فإذا طُلب منه بلطجة بلطجَ، وإذا طُلب منه انصياعاً انصاع. وإذا تمرّد فالقصاص سجناً وتعذيباً وإخفاء وقتلاً.

لسجناء اسكندنافيا - بحسب التحقيق - الحق في التعليم داخل السجن وخارج أسواره. لهم الحق في ممارسة الرياضات التي يرغبون فيها والهوايات في أوقات فراغهم. فتلك الأوقات مخصصة لهم ولا يمكن لحارس أو ضابط انتهاكها. توفر الإدارات أعمالاً داخل السجون يتقاضى عليها السجناء أجراً، ويختارون العمل الذي يريدونه. والأبعد من ذلك فللسجين الحق في الانتخاب، لأنّ حقوقه المدنية لا تسقط عنه. بالإضافة إلى كلّ ذلك هنالك الحقوق الأساسية التي تلائم أعلى المعايير، ومن ذلك توفر الطعام وجودته (وشروطه الدينية)، وتوفر الطبابة وجودتها في شتى المجالات، لا سيما النفسية. كذلك يحق في حالات معينة للسجين الخروج- مع مرافق- في عطلة نهاية الأسبوع، وزيارة عائلته وأصدقائه.

في سجون أكثر دولنا العربية لا يتوفر الكثير من الحقوق للسجناء. هي أشبه بحظائر لا تتعامل مع نزلائها كبشر. فأبسط الحقوق الأساسية لا تُمنح إلاّ كمنّة إذا منحت. والهدف الإصلاحي من السجن ساقط أساساً في ظلّ ممالك الجريمة القائمة داخل السجون بتسهيل- في كثير من الأحيان- من أنظمة الفساد نظرياً وتطبيقياً. وربما يكون شائعاً جداً مثال ذلك المسجون بتعاطي المخدرات، الذي "يتخرّج" من السجن تاجراً لها أيضاً.

كلّ هذا ولم نتحدث عن سجون الاستخبارات العربية، وما فيها من اختفاء قسري يصل إلى حدود عدم معرفة أيّ خيط يتعلق بمفقود طوال عقود.

خلاصة القول تعليقان لافتان حول المقارنة ما بين سجون اسكندنافيا وسجون أوطاننا. الأول: "أتمنى أن أعيش سجيناً هناك على أن أعيش حراً هنا". والثاني يفسر الأول: "سجون أشبه بالأوطان، وأوطان أشبه بالسجون".

اقرأ أيضاً: صديقي الدركي الغريب

المساهمون