جدل قانوني وحقوقي حول واقعة "فتاة المول" بمصر

جدل قانوني وحقوقي حول واقعة "فتاة المول" بمصر

02 نوفمبر 2015
جدل قانوني وحقوقي بعد بث البرنامج (فيسبوك)
+ الخط -


أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير (منظمة مجتمع مدني مصرية) يوم الاثنين، ورقة قانونية خاصة بالحق في الخصوصية، وحرية التعبير، كمعيار قانوني، وحقوقي على التعامل الإعلامي مع واقعة تحرش جنسي، واعتداء بدني على فتاة مصرية، في أحد الأسواق التجارية في القاهرة.

وكان عددٌ من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، قد تداولوا مقطع فيديو مُصوَّراً لفتاة تتعرض للاعتداء البدني في أحد مراكز التسوق بالقاهرة، والذي يُظهِر المُعتدي يضرب الفتاة بعنف، ما أحدث ضجة إعلامية واسعة تسبب فيها انتشار مقطع الفيديو، وبدأت البرامج التليفزيونية في تناول ما حدث.

إلا أن الضجة لم تنتهِ عند هذا الحد، بل تزايدت عقب 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعدما أجرت الإعلامية المصرية، ريهام سعيد في برنامجها (صبايا الخير) المُذاع على قناة "النهار" الفضائية المصرية الخاصة، مقابلة معها لتحكي وقائع حادثة التحرش والاعتداء عليها، وأنهت فقرتها بعرض صور شخصية لسمية عبيد، ضمن خطاب يُبرِّر تعرُضها للاعتداء والتحرش، ويُرجِعه إلى الضحية نفسها استشهادًا بالصور المعروضة لحياة سمية، الشخصية وسلوكها، والتي عُرِضت دون إذنها، أو علمها بحسب تصريحاتها.

وأثار البرنامج ردود فعل مجتمعية وإعلامية واسعة، اتسمت في أغلبها بالنقد اللاذع لما قامت به مُقدمة البرنامج وفريق عملها، وهو ما دفع مجموعات من النشطاء ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي للقيام بحملة لمقاطعة الشركات الراعية لبرنامج "صبايا الخير" للضغط من أجل التوقف عن رعاية البرنامج.

وبالفعل  انسحب عدد من الشركات الراعية، لتُعلِن بعدها إدارة شبكة قنوات النهار،  تعليق البرنامج وفتح تحقيق موسَّع فيما نُسب إلى البرنامج من اتهامات، وحذفت إدارة القناة الفيديو المنشور به صور سمية الشخصية من على قناتها الخاصة على موقع يوتيوب.

وأكد تقرير المؤسسة أن تلك الواقعة تنطوي على أكثر من جريمة يجب الوقوف أمامها، وتحديد الموقف منها بشكل حاسم.

تمثلت الجريمة الأولى، في كيفية حصول فريق عمل برنامج "صبايا الخير" على الصور الشخصية الخاصة بعبيد، في الوقت الذي ادعت فيه أن أحدًا لم يأخذ إذنها في الحصول على أية صور شخصية لها، كما ادعت سرقة الصور من على هاتفها الشخصي.

أما الجريمة الثانية بحسب الورقة الحقوقية والقانونية، فتتعلق بنشر تلك الصور، وهو ما يُعد انتهاكًا سافرًا لحق سمية في الخصوصية، ذلك الحق الذي كفله الدستور المصري في مادته 57، وجاء فيه "للحياة الخاصة حُرمة، وهي مصونة لا تُمَس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حُرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الإطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مُسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يُبينها القانون".

وتطرق التقرير للفرق بين الحق في الخصوصية، وحرية التعبير وأي الحقين أولى بالحماية، مشيرا إلى أن هذين الحقين يُعبران عن تعارض شديد بين مصلحتين، الأولى، مصلحة الفرد والمجتمع في ضمان حرية الرأي والتعبير دون المساس بجوهرها أو مصادرتها،  والثانية، مصلحة الفرد في حماية الجانب غير المُعلن من حياته الخاصة، وعدم استغلاله في الإساءة إليه.

وأكد التقرير أن ما قامت به الإعلامية ريهام سعيد، وفريق عمل برنامجها التليفزيوني، يُعتبر في جوهره "تجاوزًا وإساءة لاستعمال حرية التعبير، وتعديًا سافرًا على حق سمية في خصوصيتها، بغَرض الإساءة لسمعتها، وتشويهها مجتمعيًا كونها قامت متعمدة بإذاعة صور شديدة الخصوصية ﻻ يُحقِق نشرها أي مصلحة عامة، أو يهم الجمهور مشاهدتها، فضلًا عن عدم استنادها في النشر إلى موافقة ورضا الضحية.

وبحسب الورقة الحقوقية والقانونية : "فإن مثل هذا السلوك، يستوجب السماح بتقليص مساحة الحرية التي استغلتها، وأساءت استعمالها بقصد الافتئات على حقوق الآخرين، وإنصافًا لحق الفتاة ﻻ يجب أن تَمُر هذه الواقعة دون توقيع جزاء مادي وجبر الضرر الواقع على فتاة تمت استباحة خصوصياتها على نحو سافر دون أي مراعاة للقانون والمعايير المهنية والضرورات الأخلاقية".

اقرأ أيضاً:ريهام سعيد تهدد بالانتحار.. ومغردون مصريون يرحبون

وتطرق التقرير إلى سؤال آخر، "هل يُعد سلب حرية ريهام سعيد، أو إيقاف البرنامج جزاءً مناسبًا يتحقق من خلاله التوازن بين ضمان حرية التعبير، وحق الأفراد في حماية حياتهم الخاصة"، وجاءت الإجابة "ليس هناك خلافٌ أن انتهاك خصوصية اﻷفراد جريمةٌ لا بد من محاسبة من قام بارتكابها،  ولكن الخلاف هنا حول طبيعة العقوبة المفترض توقيعها، ففي ظل مشهد إعلامي بائس، يشهد كل ساعة تجاوزات غاية في الخطورة في انتهاك خصوصية اﻷفراد، وبث خطابات الكراهية، وتشويه المعارضين، والخصوم السياسيين، والتشهير بالنشطاء في العمل العام، وغيره من التجاوزات والانتهاكات المستمرة. يُصبح لهذا السؤال أهمية خاصة".

وترى مؤسسة حرية الفكر والتعبير، أن شعار "لا عقوبات سالبة للحرية في جرائم النشر والعلانية" يجب أن يُصبح المبدأ العام للقياس في حالة وقوع مثل هذه الجرائم، ولا يجب أن يتم التعامل مع هذا المبدأ بشكل انتقائي، تحديدًا بين جماعة المدافعين، والناشطين في مجال حقوق الإنسان،  ولكن كمعيارٍ عام يتساوى أمامه كافة الصحفيين، والإعلاميين دون تمييز.

وتؤكد المؤسسة أن العقاب الذي يَلزمُ توقيعه في مثل هذه الحالات له وجهان، الأول، عقوبة إدارية تُحددها إدارة القناة تتراوح بين وقف فريق البرنامج عن العمل لمدة زمنية محددة، وتوقيع جزاء مادي بحقهم، كذلك تعليق البرنامج، وصولًا لفصل المُنتهِك من القناة ، أما الوجه الثاني للعقاب؛ فهو حق الذي وقع ضده الانتهاك سمية، في إقامة الدعوى الجنائية، أو المدنية ضد من قام بالانتهاك، على أن تقتصر العقوبة على سبيل المثال، على منع من قام بالانتهاك من مزاولة المهنة لمدة زمنية (6 أشهر مثلًا)، أو تعليق البرنامج لمدة زمنية، أو تغريم القائم بالانتهاك باﻹضافة إلى تغريم القناة ذاتها، دون اللجوء لتوقيع العقاب البدني المتمثل في الحبس (أي تقييد الحرية بدلًا من سلبها).

وشددت المؤسسة على أن مفتاح الحل لفض الاشتباك بين الحق في الخصوصية والحق في حرية الإعلام باعتباره مقوِّمًا رئيسيًا للحق في حرية التعبير يكمُن في إعادة إصلاح، وتطوير وتنقية البيئة الحاكمة للإعلام والصحافة في مصر، وهو المطلب الذي ظلَّ على أجندة الجماعة الصحفية، والإعلامية في مصر مُنذ اندلاع انتفاضة يناير وقبلها وحتى اليوم.

وأكد التقرير أن مصر لا تملك بنية تشريعية أو هيكلية يمكن من خلالها حماية الحق في الخصوصية ووقف التدخلات، والاعتداءات على هذا الحق، فليس هناك قانون لتداول المعلومات يحمي حق الصحفي، والإعلامي في الحصول على المعلومة من مصدرها ونشرها وتداولها، وليس هناك مفوضية للخصوصية تستطيع الفصل في كافة قضايا انتهاكات حُرمة الحياة الخاصة للمواطنين بأي وسيلة من وسائل النشر، كذلك ليس هناك مفوضية لشؤون الإعلام تختص بوقف والتعامل مع مثل هذه الانتهاكات، ولا يوجد ميثاق شرف إعلامي يحوز رضا، وموافقة غالبية الجماعة الصحفية والإعلامية، "إن غياب كل هذه المقومات يجعل تكرار مثل تلك الانتهاكات أمرًا عاديًا"، بحسب التقرير.

وأكدت المؤسسة أن حبس الصحفيين أو الإعلاميين في قضايا النشر والعلانية لا يمكن أن يكون مُفتاح الحل لاحترام حق المواطنين في الخصوصية، وعدم انتهاك الإعلام لها، وإنما ضبط المناخ وإصلاح البنية التشريعية والهيكلية الناظمة للصحافة والإعلام في مصر هو المسار الصحيح لتفادي تكرار مثل تلك الأخطاء.

 اقرأ أيضاً: ريهام سعيد.. إعلامي بثوب مخرج رديء

دلالات