تسامح وحريّة.. فرنسا تسعى إلى "حوار مفيد" في المدارس

تسامح وحريّة.. فرنسا تسعى إلى "حوار مفيد" في المدارس

18 نوفمبر 2015
يصطحبه إلى المدرسة بتردّد (فرانس برس)
+ الخط -

استَبقت وزيرة التربية الوطنية الفرنسية، نجاة فالو بلقاسم، عودة التلاميذ إلى المدارس، أول من أمس، بعد هجمات باريس يوم الجمعة الماضي، موجهة رسالة إلى الآباء بألا يترددوا في الحديث مع المدرّسين حول هذه الهجمات، ويخبرونهم إن كانوا قد تحدّثوا مع أبنائهم عنها، وكيف تلقى الأطفال الخبر، والكشف عن كل معلومة يعتبرونها مفيدة. وهي ترى أن فترة النقاش مع الآباء أساسيّة، كي يتاح للمدرّسين التطرق بشكل أفضل للموضوع مع أبنائهم، وبالتالي "إرساء حوار مفيد".

وتقول بلقاسم إنّ هذا الحوار "سيتيح مساعدة أبنائكم الصغار والمراهقين. وهذه فرصة بالنسبة إليهم للتعبير عن مشاعرهم للمدرّسين، وتبادل الآراء معهم حول هذه الأحداث العنيفة والفظيعة بشكل خاص". وتشير إلى أنّ مدارس الجمهوريّة "تمنح التلاميذ ثقافة مشتركة حول التسامح المتبادل والاحترام، فيتعلّم كل تلميذ فيها أن يرفض عدم التسامح والكراهية والعنف بكلّ أشكاله. وجميع موظفي التربية الوطنية إلى جانبكم. لا تترددوا في التوجه والتحدث إليهم".

يبدو موقف الوزارة واضحاً، وإن اختلفت قراءة الرسالة بين مسؤول وآخر. اختلافٌ ينسحب على تفسير مختلف القرارات والتوصيات والمراسيم المتعلقة بالمسلمين، من قبيل وضع الحجاب وغيرها. تجدر الإشارة إلى أن الصحافي الفرنسي إيدوي بلونيل كان قد تحدّث عن "أقليّة علمانيّة" بين موظّفي القطاع التربوي في فرنسا.

بعد الهجمات الأخيرة، وجهت جامعة ستراسبورغ خطاباً مباشراً إلى المدرّسين، طلبت منهم "التأكّد من استخدام التلاميذ عبارات لائقة، وتسجيل التجاوزات التي يمكن أن تحدث". رسالة قد تكون موجهة في الوقت نفسه إلى كل من قد يكون له رأي يُخالف "الإجماع الفرنسي"، أو لمن يريد اللعب على وتَر العنصرية وكراهية الأجانب، بحسب مدير الشؤون الثقافية في مسجد باريس الدكتور حسين رايس.

اقرأ أيضاً: عرب أوروبا في عين "الإسلاموفوبيا"

يطغى الشعور بالخوف على بعض العائلات المهاجرة وتلك الفرنسية المتحدّرة من أصول عربية وإسلامية، الأمر الذي انعكس على عودة الأطفال إلى المدارس. حتى إن بعض العائلات التي التقتها "العربي الجديد"، أعلنت أنها ترددت قبل إرسال أبنائها إلى المدرسة، أول من أمس. وإذا كان خوف أكثر العائلات الفرنسية يقتصر على الشق الأمني واحتمال حدوث اعتداءات إرهابية جديدة، إلا أنه يبدو مضاعفاً لدى العائلات المتحدرة من أصول عربية وإسلامية لأسباب عدة. هذه لا تخشى الاعتداءات الإرهابية فحسب، بل حتى طريقة استقبال أبنائها في المؤسسات التعليمية، واحتمال سماعهم كلمات مسيئة، أو تفوّهم بكلام لا يرضي المدرّسين ولا القيّمين على تلك المؤسسات.

مراد من أصول مغربية وأب لتلميذَين، ما زال يتذكر قصة أحمد (8 سنوات) الذي كان قد اعتقل بتهمة "تقريظ الإرهاب" بعد الاعتداء على مجلّة "شارلي إيبدو"، لأنه عبّر عن رأي يختلف عن رأي مدرّسه، فوشى به الأخير إلى مسؤول المدرسة الذي استدعى الشرطة، في يناير/كانون الثاني الماضي. يوضح لـ"العربي الجديد" أنه يخاف على أبنائه من مصير كهذا، ويخشى على نفسه أيضاً في حال ورّطه أبناؤه. كذلك، تكشف عائلات كثيرة أنها أصرت على أبنائها عدم الحديث عن هذه الهجمات في المدرسة، والتزام الصمت وإن طُلب منهم التعبير عن آرائهم.

في هذا السياق، تقول فاطمة وهي تونسية، إنها كانت تفكر في عدم إرسال ابنتها إلى المدرسة، لكنّها لم تجد عذراً مقبولاً. وتلفت إلى أن ابنتها في صحّة جيّدة، وقد اتخذت الدولة إجراءات أمنية من خلال نشر عدد من أفراد الجيش على مقربة من المدرسة.

إلى ذلك، تروي إيناس (12 عاماً) وهي من أصول مغربية، ما حدث في مدرستها. تقول: "شرح لنا المدرّس لنحو ساعة ونصف الساعة، صباح أول من أمس، كيف جاء إلينا مجموعة من البرابرة المتوحشين الذين يشبهون الروبوتات، وراحوا يقتلوننا لأنهم لا يحبون الديمقراطية التي نعيشها، ولا يحبون الأخوّة التي تربط في ما بيننا". أخبرهم أيضاً بأن رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند "وعد بالقضاء عليهم". تضيف أن "المدرّس أتاح لنا الكلام، لكن لم يكن لدينا أسئلة، خصوصاً أننا نشاطره الرأي، ولا نحبّ الموت. لكنني سألت المدرّس: هؤلاء ليسوا مسلمين، أليس كذلك؟ فقال لي: أنا متفق معك، هم ليسوا كذلك". وتحكي إيناس أن أحد زملائها كان في ملعب استاد دو فرانس لكرة القدم، وأخبر أصدقاءه أنه سمع صوتاً في البداية، وظن أنه ناتج عن مفرقعات نارية، قبل أن يكتشف بعد انتهاء المباراة أن ما سمعه كان انفجاراً، إلا أنه كان من الناجين.

تتابع إيناس أنه في الساعة الحادية عشرة وخمس وأربعين دقيقة قبل الظهر، طُلِب من جميع التلاميذ التجمّع في ساحة المدرسة، حيث ألقت المديرة خطاباً عن "الأخوّة والحرية في فرنسا، التي أراد هؤلاء المتوحشون القضاء عليها. وأكدت أن فرنسا ستخرج منتصرة من هذه المعركة، كما انتصرت دائماً". وفي تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً، وقف الجميع دقيقة صمت تحية للأبرياء الذين سقطوا خلال الهجمات.

يُدرك الجميع أن فرنسا تعيش ظروفاً استثنائية. في هذا السياق، يقول المحاضر في مدارس فرنسية عليا، قدور زويلاي: "على الرغم من أن طلابي (يتجاوز أكثرهم 18 عاماً)، خصوصاً أولئك من أصول مغربية وعربية وأفريقية، لا يترددون في توجيه الاتهامات للنظام التعليمي الفرنسي وفشل سياسة الاندماج المتّبعة، إلا أنهم بأكثريتهم يدركون أن ثمّ فرقاً كبيراً بين الاعتداء على مجلة شارلي إيبدو التي لطالما سخرت من الإسلام ورموزه - علماً أنه اعتداء بشع ومدان وغير مقبول بطبيعة الحال - وبين الاعتداءات الأخيرة التي استهدفت عموم المجتمع الفرنسي والتي فاقت كل التصورات وليس لها مبرر على الإطلاق".

لكن زويلاي لا يُخفي شعوراً بالمرارة، إذ يقول إن "المدرسة الجمهورية (أي العادلة والشاملة) ضرورية في فرنسا. لكنها، للأسف، لم تتوقف منذ عقود عن تخريج تلاميذ غير أكفاء في الضواحي والأحياء الشعبية". يضيف أن بعض هؤلاء عاد إلى شوارع باريس قبل أيام، لنشر الخراب والموت فيها".

اقرأ أيضاً: قلق في أحياء باريس العربيّة

دلالات