إرهاق العراقيين بـ"الإكراميات" لقاء الرعاية الصحية

إرهاق العراقيين بـ"الإكراميات" لقاء الرعاية الصحية

17 نوفمبر 2015
الرعاية الصحية في العراق أصبحت مرادفة للإكراميات (Getty)
+ الخط -


لا يكفيك في العراق توفير مصاريف العمليات الجراحية للاستفادة من الرعاية الصحية. هذا ما تؤكده شهادة المواطنة العراقية سميرة، والتي لم تضع في حسبانها ضرورة وضع مبلغ مالي جانباً، يدخل في نطاق "إكراميات" للاستفادة من الحق في الصحة.

كانت المريضة سميرة كما تروي لـ"العربي الجديد" صحبة ابنة أختها شيماء، وما إن وصلتا إلى مستشفى "الجرّاح" الأهلي داخل حي الكرادة وسط العاصمة العراقية بغداد، حتى فوجئتا بضرورة "إكرام ملائكة الرحمة" كما يصفهم العراقيون، بينما هم مافيا صحية تنهش أجساد وجيوب المواطنين.

وتقول شيماء في شهادتها "بعد دخولنا المستشفى، رحبت بنا إحدى الممرضات، شعرنا بالارتياح، ولمسنا تعاملاً لطيفاً من العاملين والموظفين داخله". إحساس شيماء بالطمأنينة كما تصفه، لم يستمر وقتاً طويلاً، والسبب حسب ما تشرحه "أن لكل ابتسامة في وجه المريض ثمناً، وأن لكل همسة مجاملة مقابلاً خارج حسابات العملية الجراحية".

وتسترسل شيماء في حصرة تسرد الواقعة لـ"العربي الجديد": "عندما كنت أنتظر خروج خالتي من صالة العمليات، حتى هذه الساعة، كان كل شيء على ما يرام. فجأة جاءتني إحدى الممرضات لتطمئنني على صحتها، وتقدم التهاني على سلامتها، وكان ثمن هذه العبارات الجميلة 50 ألف دينار عراقي (حوالي 40 دولاراً أميركياً)، وهو الثمن الذي قدرته الممرضة لقاء الاعتناء بصحة خالتي سميرة، أثناء إجراء العملية، وحتى توصيلها إلى غرفة الاستراحة".

لم تخف شيماء، إحساسها بالغضب تجاه طلب الممرضة، وبادرت بسؤالها عن سبب دفع هذا المبلغ. وردت المتحدثة ذاتها، على الممرضة، إن أتعاب المستشفى سددت، وقامت بذلك قبل إجراء العملية. رد شيماء الأخير، تضيف لـ"العربي الجديد"، لم يرق الممرضة "أجابتني بنبرة حادة، كنّ ثماني ممرضات نعتني بخالتك أثناء العملية، وكان علينا إحضارها عبر المصعد الكهربائي إلى غرفة الاستراحة، وكل هذه الخدمات ألا تستحق دفع المبلغ؟!".

وتصف شيماء في معرض حديثها إلحاح الممرضة على دفع القيمة المالية المطلوبة كاملة، بعد أن رضخت لطلبها بدفع النصف، حيث رفضت تناول أي مبلغ ينقص منه دينار واحد عن الـ40 ألف دينار المطلوبة. لتضطر لدفع المبلغ المذكور، معتقدة أن قصة "إكراميات ملائكة الرحمة" تنتهي هنا. 

وتضيف شيماء في شهادتها، أن الليلة التي قضتها رفقة خالتها، كلفتهما ما يعادل 80 دولاراً إضافياً من "الإكراميات"، غنمتها مساعدة الطبيبة والممرضات، وكل هذا مقابل كل حقنة، أي أن كل وخز من الأخيرة قيمته أربعة دولارات، لتأتي خاتمة "الإكراميات" بين أحضان "ملائكة الرحمة"، بطلب الطبيب المقيم مبلغ 15 ألف دينار عراقي (قرابة 12 دولاراً)، وحجته في ذلك، تعويضه عن معاينة خالتها المريضة، و"حرصه" على توفير حاجيات المستشفيات للاعتناء بمرافقها، من تنظيف وتوفير للطعام المقدم للمريض. حجج وصفتها شيماء بـ"السرقة المقنعة للمرضى تحت غطاء الإكراميات".

من جهتها تصف الطبيبة، ياسمين العيسى، لـ"العربي الجديد" الإكراميات التي تعطى من قبل المرضى الى العاملين في المستشفى بـ "المرض بحد ذاته". كونها بدأت تنتشر في جميع مستشفيات العراق دون استثناء. وتشدد الطبيبة على أن المرضى مجبرون على دفعها، "فهم لا يتلقون الخدمة إلا مقابل دفع هذه الإكرامية وإلا سيكون المريض ضحية الإهمال وعدم استفادته من حقوقه داخل المستشفى".

وتطالب الطبيبة العيسى في تصريحها لـ"العربي الجديد"، الجهات الممسكة بالقطاع الصحي العراقي، أنّ تجد الحلول الكفيلة للقضاء على هذه الظاهرة التي تحولت إلى "ثقافة راسخة، يتعامل به المعاون الطبي أو العامل الصحي، مع المواطن البسيط، الذي لا حول له غير تقبل الأمر".

وللإشارة قد تحدثت وزارة الصحة العراقية في السابق، عن إجراءات وضعت للحد من "الإكراميات"، وذلك بوضع الكاميرات التي ترصد تسلم الأطر الصحية لها داخل مستشفيات محافظات العراق كافة. لكن، شهادات شيماء وغيرها من الوقائع، التي أكدتها الطبيبة ياسمين العيسى، تظهر أن الإجراءات المتخذة لم تحد من هذه الظاهرة المنتشرة في المستشفيات الأهلية والحكومية على حد سواء.

وكانت وزارة الصحة العراقية قد وضعت مجموعة من التدابير وصفتها بـ "الصارمة"، بهدف الحد من دفع "الإكراميات"، وذلك بتوجيه إدارات المستشفيات والمراكز الصحية كافة، إلى تشكيل لجنة تقوم بإعداد تقارير يومية مفصلة، ترفع إلى مدير المستشفى. ويأتي ذلك ضمن خطة أعدتها الوزارة "للحد من ظاهرة الفساد الإداري والقضاء عليه".

المساهمون