الجميلة والوحش

الجميلة والوحش

25 أكتوبر 2015
"في البداية، قلت لنفسي فترة وتقطع" (Getty)
+ الخط -

هذه ليست تلك الحكاية التي تعود جذورها إلى القرن الحادي عشر، والتي نقصّها على صغارنا وقد اقتُبست منها أفلام عدّة. هذه سيرة ليندا وذلك "الوحش" الذي يأبى إطلاقها.

عندما وُلدَت، أطلق عليها والداها اسم ليندا. لم يكونا يدركان معنى هذا الاسم، لكنه لفتهما. هي كانت طفلة جميلة بعينَين خضراوَين وسيعتَين ووجه أبيض باسم، وكبرت لتصبح امرأة فاتنة أو "ليندا" بالإسبانيّة. كبرت لتصبح امرأة ملأة بالحياة وتضفي سعادة أينما حلّت. لم يظنّ أحد أنّ مفترساً خبيثاً سوف يقطع الطريق عليها، لتتكرّر بعض فصول حكاية "جميلة والوحش".

كانت في الأربعين من عمرها عندما أفاقت في إحدى الليالي، وقد شعرت بسيخ يخترق صدرها. كان ذلك قبل عشر سنوات، ومذ ذاك الحين "بدأ المشوار". لم تكن ليندا في يوم مهملة لصحتها، لا سيّما بعدما أصيبت أختها بسرطان الثدي ونجت منه. وعندما قصدت الطبيب المتخصص في الأورام، إذ كان ألمها شديداً، لاحظ كيساً في ثدي من دون أن يثير قلقه. لكنه طلب منها الخضوع للفحوصات اللازمة، من تصوير إشعاعي وآخر بالموجات الصوتيّة بالإضافة إلى فحص خزعات. أتت النتيجة "نظيفة"، غير أنّ طبيبها نصحها باستئصال الكيس. خلال العمليّة الجراحيّة، اكتشف الجرّاح أنّ ثمّة ورماً سرطانياً خلف الكيس. ولأن الورم كان في مرحلته الثالثة، اضطر إلى استئصال الثدي بأكمله مع كلّ الغدد المرتبطة به.

"الحظّ! لعب الحظّ دوره معي. الوجع هو الذي جعلنا نكتشف المرض. لو لم أتألم، كنت اليوم ربما في عالم غير هذا العالم". وتردف بابتسامتها المعهودة، "دخلت غرفة العمليات لاستئصال مجرّد كيس حميد، غير أنني خرجت من دون ثدي ومع مرض خبيث". وعندما شرح لها الطبيب الجرّاح قراره باستئصال الثدي، سألته: "أنا منيحة؟". ردّ بالإيجاب. "كان ذلك أوّل ما خطر لي في تلك اللحظة. الجميع صُدِم من ردّ فعلي".

في البداية، قالت لنفسها "فترة وتقطع". لكنها راحت تتأثّر فعلياً عندما بدأ شعرها يتساقط، بعد ثاني جلسة علاج كيميائي. "سقط كله بين يدَيّ. وكانت تلك المرّة الأولى التي أبكي فيها بحرقة. أحسست بضيق شديد، على الرغم من أنني كنت مهيأة لذلك. الطبيب كان قد أعلمني بإمكانيّة خسارة شعري، وكنت قد اشتريت شعراً مستعاراً وجعلته بقصّة الشعر نفسها التي كنت أعتمدها".

كانت تردّد أنها مرحلة وتمرّ، لتَحمّل المرحلة والعلاج. هي حاولت البقاء متماسكة، "بعد الصدمة في البداية. والمزعج في العلاج هو أنّ كل شيء يتغيّر، حتى حاسة الذوق. لا تشعرين بمذاق الأطعمة التي تتناولينها، فتحاولين التهام أيّ شيء علّك تشعرين. هذا أيضاً يدفعك إلى اكتساب وزن زائد، إلى جانب آثار أدوية الكورتيزون". وتتفاقم الأزمة. لكنها حاولت قدر المستطاع، التهوين على نفسها.

امتدّ العلاج الكيميائي ستة أشهر قبل أن تتلقى علاجاً بالأشعة في 40 جلسة. "لم أنزعج كثيراً من العلاج الكيميائي. كنت أشعر بانحطاط وبغثيان، لكن الأمر كان يتوقّف هنا". على الرغم من ممانعتها الدائمة، إلا أنّ إخوتها كانوا يصرّون على مرافقتها في جلساتها. وفي مرحلة لاحقة، صارت تذهب بمفردها، ليس لأنها صلبة فحسب، "بل لأنني من الأشخاص الذين يصعب عليهم طلب أي شيء من أي كان، حتى من أقرب المقرّبين". لطالما كانت تتّكل على نفسها.

قوّة ليندا جعلتها تتخطّى تلك المرحلة، وكذلك "قوّة ابنتي" التي كانت تبلغ حينها 18 عاماً. هي شدّدت لها على أنّ "قوّتك تمنحي القوّة وهذه مرحلة وتمرّ. لو كانت ضعيفة، لكنت انهرت أنا أكثر. من جهتي، كنت دائماً أجعلها تشعر بأنني قويّة، على الرغم من الفترات الصعبة. أظنّ أنها بينها وبين نفسها، كانت تشعر بالألم في بعض الأوقات".

ولمّا تُسأل عن المتابعة النفسيّة التي ترافق المصابة بسرطان الثدي في الخارج، تضحك بارتباك. "أظنّ أنّ الأمر كان ليساعد. أنا لم أكن أرغب في البوح إلى أحد من المقرّبين، بألمي. لو توفّر ذلك، كنت فشّيت خلقي أمام شخص حياديّ، لا يمكن أن يؤثّر كلامي فيه". حتى في أكثر لحظاتها الصعبة، كانت تحرص على مشاعر من حولها. "لو بكيت بالقرب من أختي أو أخي أو زوجة أخي، هم كانوا ليتأثروا بلا شكّ ويحزنون. لذا كنت أحاول دائماً الظهور قويّة أمامهم كلهم". ولا تخفي ليندا تعجّبها من كيفيّة نجاحها في اجتياز تلك المرحلة ومن امتلاكها كلّ تلك القوّة.

لثماني سنوات، كانت تُعَدّ من "الناجيات". لكن الوحش عاد، قبل سنتَين في نقيلة. هذه المرّة، "نهش عظم وركي من الداخل، وأصابني كذلك في العمود الفقري". كما في السابق، ضغطت على نفسها لتكون قويّة. "لكن الفارق، أنني كنت أتألم كثيراً". خضعت لعلاج مهدّف بالأشعة، ومن ثمّ لآخر كيميائي قبل أن يقرّر طبيبها اعتماد العلاج الدوائي عبر الوريد ومن خلال أقراص هرمونات. انقضت السنة الأولى، ليظهر المسح المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET scan) تجاوباً مع العلاجات. كان ذلك قبل سنة.

لأشهر ظنّت ليندا أنها تخلّصت من الخبيث الذي يصرّ على استهدافها، لا سيّما وأنها كانت لا تزال تتابع علاجها الهرموني. وقبل أربعة أشهر، "بدأتُ أشعر بأنني لست بخير. ربما كان إلهاماً. لكنني بقيت أكذّب نفسي، على الرغم من إرهاقي وألمي". وقبل نحو أسبوعَين، خضعت من جديد لذلك المسح المقطعي. الخلايا السرطانيّة انتشرت من جديد في وركها وفي عمودها الفقري. لكن هذه المرّة، "يثير المرض في داخلي خوفاً. صحيح أنّ ما أعاني منه اليوم، هو من تبعات سرطان الثدي، إلا أنّ الأمر مختلف".

الجميلة اليوم في الخمسين من عمرها، وقد خضعت قبل ثلاثة أيام لجلسة أولى من العلاج الكيميائي، استمرّت ستّ ساعات. ويبقى الأمل أن تغلب الوحش، في نهاية الحكاية.

اقرأ أيضاً: أنوثة مهشّمة 

المساهمون