جبّور:التعذيب حدث عربي يومي

جبّور:التعذيب حدث عربي يومي

أنس أزرق

avata
أنس أزرق
05 يناير 2015
+ الخط -

أنتخبت اللبنانية سوزان جبور نهاية عام 2012، نائبا لرئيس اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب المنبثقة عن البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب.
وجاء انتخاب جبور، للمرة الثانية، بعد انتخابها خبيرة في اللجنة، عام 2010 بعد تصديق لبنان على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب عام 2008. 
وتترأس جبور مركز "ريستارت" منذ عام 2005 في لبنان لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب الذي أسهمت في تأسيسه عام 1996 وينشط الآن في مجال مساعدة ضحايا العنف من اللاجئين السوريين.
منحت إلى جانب الآغا خان كريم شاه زعيم الطائفة الإسماعيلية في العالم جائزة الشمال والجنوب لمجلس أوروبا لعام 2013 تقديرا لالتزامها بتعزيز قيم حقوق الإنسان.

* ما هي مهام اللجنة الفرعية لمنع التعذيب؟
اللجنة الفرعية للوقاية من التعذيب التابعة للأمم المتحدة هي لجنة انبثقت عن البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، وهي لجنة مشكّلة من خمسة وعشرين خبيراً.
وعندما أنشأ البروتوكول اللجنة، كانت مؤلفة من 10 خبراء، ثم زاد العدد إلى 25 خبيراً يُنتخبون من الدول الاعضاء بالبروتوكول، ويجب أن تكون لديهم خبرة ومهارة ومعرفة بأماكن الاحتجاز، ويجب أن يتمتعوا بالنزاهة والاستقلالية والاستقامة.
وجاء اعتماد البروتوكول بعد عشرين سنة من اتفاقية مناهضة التعذيب، إذ اعتمدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1984 "اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية أو المهينة"، وبدا تاريخ نفاذها عام 1987. واعتمد البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب عام 2002، وبدأ بالنفاذ عام 2006.
لكن التعذيب ظل قائماً، ولم تستطع الاتفاقية بآلياتها أن تضع حداً له، فأتى البروتوكول ليمكّننا من الوصول للاماكن المغلقة حيث يكون الاحتجاز.
ونقوم بزيارات لأماكن الاحتجاز في الدول الموقعة على البروتوكول، أماكن الاحتجاز لا يعني فقط السجون، ممكن أن يتم الاحتجاز بدائرة حكومية أو مناطق على الحدود أو في المطار.. إلخ. اللجنة لديها الحق بالوصول لجميع الاشخاص بهذه الاماكن، سواء كانت معلنة أو غير معلنة، وذلك بمجرد التصديق على هذا البروتوكول، حيث تكون الدولة الموقعة قد أعطت اللجنة إذناً مسبقاً وبدون أي شرط، أن تقوم بزيارات غير معلنة وفجائية. فقط نعطي إشعاراً للدولة المنوي زيارتها أن هناك زيارة، واثناء زيارتنا للبلد، نطلب تحضير الأماكن الرسمية التي تقول الدولة إنها أماكن احتجاز، ويمكن أن نزور أماكن لا تعلنها الدولة أماكن احتجاز، كمستشفيات الامراض العقلية ودور الرعاية ومؤسسات الاعاقة، لأننا نعتقد أن هناك أشخاصاً محتجزون في هذه الاماكن وقد تكون سلامتهم مهددة أو معرضون لأي شكل من أشكال التعذيب وانتهاك حريتهم وانسانيتهم.
اللجنة صارت في حيّز النفاذ عام 2006. الاتفاقية انضمت إليها حتى اليوم 74 دولة، وهناك 19 دولة أعربت عن نيتها بالدخول للمرحلة الثانية وهي التصديق والتعامل مع البروتوكول.
هناك ثلاث دول عربية فقط وقعت على بروتوكول مناهضة التعذيب، وكانت لبنان أول دولة توقع عام 2008 ثم تلتها تونس التي وقعت عام 2011، أي بعد الثورة. وبعدها موريتانيا وهناك حراك قوي في المغرب ليقوم بالتوقيع. 
وتقدمت تونس بإنشاء الآلية الوقائية الوطنية، لأن البروتوكول ينص أنه على الدولة بمجرد التوقيع عليه (بعد سنة) إنشاء لجنة وطنية تقوم بذات أعمال اللجنة الدولية، ولها نفس الصلاحيات تضع التوصيات وتستطيع نشر تقاريرها عبر عملها، مباشرة، على الأرض، ومع أن تقاريرنا مشروطة بالسرية، إلا أننا نشجع الدول على نشر تقاريرها لأنه يزيد من صدقيتها.

* وهذه أول اتفاقية بالأمم المتحدة ضمن منظومة التشريعات الدولية ذات طبيعة تنفيذية من خلال الزيارات التي يقوم بها الخبراء، وليس من تفحُّص تقارير الدول. وأخيراً هذا مرتبط بإرادة الدولة أن تنفّذ أو لا تنفذ!
إذا وقّعت الدولة على هذه الاتفاقية، عليها أن تفي بالالتزامات، لماذا الدول تسعى أن توقع على الاتفاقيات؟ هناك عدة أهداف تسعى لها، وأولها توفير ضمانات أكثر لمواطنيها من حيث السلامة والامن والوصول الى رفاه أكثر. بتوقيع الحكومات على الاتفاقية تجعل الامر ملزماً لها، وهذا البروتوكول لا توجد فيه تحفظات، فأنت إمّا أن توقع وتقبل بكل بنوده أو لا. البروتوكول لا توجد فيه تحفظات، بينما اتفاقية مناهضة التعذيب، بعض الدول تتحفظ. مثلاً، هناك تحفظات على المادة 22 التي تتحدث عن الشكاوى الفردية، فهناك دول لا ترضى أن يقوم الافراد بتوجيه شكاوى، مباشرة، للجنة.

* هل هذه ثاني دورة تنتخبين بها في اللجنة؟
نعم، كانت عندي زيارات ومهمات رسمية عدة، فكل خبير لديه، كل سنة، زيارة رسمية.
زرت دولاً كثيرة، ومنها البرازيل وكازاخستان والغابون، ووجدت نماذج واختلافات بالتعاطي مع المحتجزين ونوعية السجون واماكن الاحتجاز. أستطيع أن ألخّص ذلك بأن أماكن الاحتجاز والاشخاص المحرومين من الحرية حالة غير مطمئنة إطلاقاً بمختلف البلدان التي زرتها. قدمت توصيات بإغلاق بعض السجون، لأنها لا تليق بوجود بشر يجب أن يتمتعوا بالكرامة الإنسانية.
عاينّا أماكن فيها مخاطر حتى على صحة العاملين فيها وليس على المساجين فقط، فمخاطر هذه الأماكن لا تصيب المسجونين فقط ولا العاملين بهذه المؤسسات العقابية بل المجتمع بأسره.

* كم عدد السجناء في العالم؟
ليس الرقم بذهني، ولكنها شريحة واسعة جداً. والمؤسف أنها الاكثر تهميشاً. وفي إطار المسجونين، هناك فئات تعاني أكثر ومنها فئة النساء المثليات أو المصابون بأمراض معدية أو أصحاب الاحتياجات الخاصة.
هنا المشكلة مضاعفة، تهميش حتى من قبل المسجونين وعزل كحالة المعزولين بمرض السل أو نقص المناعة.
طبعاً عندك فئة المهاجرين، وهؤلاء بحالة صعبة أكثر من المسجونين الآخرين.

* من خلال زياراتك المختلفة، ما الفرق بين السجون في بعض الدول المتقدمة وسجون العالم الثالث أو الجنوب مثلاً؟
من خلال الزيارات التي قمت بها لعدد من سجون العالم، وجدت الكثير من العناصر مشتركة في المؤسسات العقابية سواء كانت إيجابية أو سلبية وهي موجودة بأوروبا وأفريقيا واميركا اللاتينية. أعطيك نموذجاً، خلال زيارتي للبرازيل، زرنا سجناً نموذجياً في ولاية سبيروسنتو، وهي منطقة لها حكومة مستقلة، هذا سجن متطور جداً من حيث البناء والخدمات، خمس نجوم، كتبت بتقريري إنه أشبه ببراد المشرحة حيث توضع أجساد الموتى. لا يكفي النظر للمنشأة من حيث البناء، نريد أن نرى مناخ هذه المنشأة. لا تكفي الخدمات، المهم التعامل مع السجين والبُعد الإنساني بهذا التعامل.

* في بعض السجون العربية، ومنها لبنان، يوجد كل شيء حتى الخليوي!
أوضاع السجون في لبنان سيئة جداً، وعلينا إعادة النظر أو التسريع بتنفيذ الخطة الوطنية ونقل السجون من وزارة الداخلية الى وزارة العدل.
حصلت بعض الخطوات الإيجابية، ولكن ذلك غير كافٍ، ولدينا في لبنان اكتظاظ في السجون. هناك يومياً توقيفات تراوح بين 50 حتى 70 شخصاً، بالإضافة إلى أن بيئة السجون أصبحت مرتعاً لأفكار متطرفة وتستقطب مساجين لم يكونوا كذلك قبل السجن.

* تقصدين الاسلاميين؟
لم أقصد الإسلاميين، قصدت مَن يقوم بأعمال تخريبية والارهابيين، مع أني أعتبرهم أبرياء إلى أن تثبت إدانتهم، وأدعو إلى محاكمتهم وليس وضعهم في السجون فقط.

* يعاني بعض اللاجئين السوريين من عنف يقع عليهم من قبل بعض اللبنانيين!
النزوح السوري بغالبيته كان إلى البيئات والمناطق الاكثر فقراً بلبنان، فزادت الاعباء وزاد الفقر. اليوم البيئة الحاضنة وجدت نفسها أمام مشكلة، مع أنها كانت متعاطفة سابقاً.
هذا غير مبرر، ولكن ربما يكون بتأثير العبء الامني والخوف من الخطر المحدق.
وهناك ممارسات فيها تهميش ونوع من العنف والاقصاء والتمييز للنازحين السوريين، وهذه تصرفات مرفوضة كلياً، ولكن بحاجة لوعي، مثلاً أنا أطالب اليوم، الجهات المانحة أن تشمل برامجها اللبنانيين، المجتمع المضيف.

* كُرّمتِ في البرتغال بما يسمى الشمال والجنوب الى جانب كريم آغا خان!
رشحني الاتحاد الاوروبي بلبنان لهذه الجائزة بسبب التزامي بمكافحة ومناهضة التعذيب على مدار عشرين عاماً بالعمل إلى جانب السجناء، وتم اختياري من 219 مرشحاً للجائزة التي تُمنح سنوياً لشخصيتين في العالم.
راهنت على فئات يعتبرها آخرون فئات لا توصلك لمحل، ضحايا التعذيب والاشخاص المحرومين من الحرية والاشخاص الذين يعانون من الصدمات جراء الحروب، فئات لا يتعرف عليها أحد.
لذلك أهديت التكريم من مجلس النواب في البرتغال، حيث تسلّمت الجائزة، لضحايا التعذيب بمنطقتي، وقلت: "بهذه اللحظة هناك ناس يتعرضون للتعذيب وتئن أجسادهم داخل الزنزانات التي لا يعرف أحد سراديبها. التعذيب، عادة، يحدث بالظلمة ونحن نحاول إظهاره للعلن لنضع حداً له".

* هل كتبت عن تجربتك مع مسجونين؟
كتبت، ولم أنشر، عندي قصص كثيرة، ولا سيما مع اللاجئين الذين نجحنا بتجربة العلاج معهم عبر إحياء الامل عندهم واعادة بناء حياتهم.

* تقصدين اللاجئين السوريين؟
لاجئون سوريون وعراقيون، لأننا منذ عام 2007 شركاء لمفوضية الامم المتحدة في بيروت نعمل مع اللاجئين غير الفلسطينيين من جنسيات مختلفة، كالعراقيين والصوماليين والمصريين، واليوم مع السوريين. نعمل على خدمة 2500 لاجئ سنوياً.

* أكثر قصة مرّت عليك وتركت أثراً بذاكرتك من ضحايا التعذيب؟
هناك الكثير من القصص الناجحة لأشخاص تجاوزوا محنتهم وكثير من القصص المؤلمة، وكلها تجعلنا نتعلّم قيمة الحياة عندما نعيش بالشكل الطبيعي وتجعلنا نقدّر مدى الألم الذي يعيشه ضحايا التعذيب. نحن نتأثر أحياناً بمعاناة ضحايا التعذيب وتصيبنا صدمات لأنهم ينقلون إلينا آلامهم النفسية، ومن هنا أهمية أن نشتغل على أنفسنا حتى لا نقع بالمطب المهني.
هناك روايات فظيعة تجعلك مذهولاً كيف أن البشر يستطيعون صناعة هذا الكم من الخوف والرعب والايذاء. تجربة التعذيب تجربة أليمة ومدمرة. ضحايا التعذيب عندما يخرجون من مرحلة التعذيب، يعودون أشخاصاً آخرين، تصبح أمام شخص علاقته بمحيطه مختلفة، علاقته بعائلته، قد يصبح عنيفاً.
أحد الضحايا أخبرني أنه كان شخصاً قوياً جداً وأنه كان يعمل 24 ساعة وكان مرتاحاً بحياته، إلا أنه، وبعد تعذيبه، صار يحسّ أنه إذا أراد أن يقف لا بد أن يستند إلى الحائط، إذا أراد أن يلبس ثيابه يحتاج لمساعدة، ما عادت عنده قدرة على التركيز، لقد أصبح شخصاً هرماً.
قال لي "أنا، اليوم، لا شيء".

* أين وقع التعذيب؟
بغضّ النظر، نحن نتحدث عن ضحية تعذيب. التعذيب لا لون ولا جنس له، مرتكبو جرائم التعذيب يجردون الضحية من اللون والعرق والانسانية، ولذا نؤكد على ضرورة عدم الافلات من العقاب، لأن الإفلات من العقاب يجعل مَن يقوم بهذه الجريمة يتمادى فيها.
يأتي ضحايا التعذيب وهم بحالة الياس الكامل، عندهم ما نسميه "الرضّة"، ما بعد الصدمة، مع كآبة ووساوس وكوابيس.
نمنع موظفينا من الامن من لبس اللباس الموحّد، "يونيفورم"، لأنه يذكّر الضحية بالمعذِّب، فتعود له ذكرياته الأليمة وينتكس أكثر. قال لي بعض الضحايا إنهم لا يريدون المجيء للمركز، لأن حواجز تقع بطريقهم ما يستدعي لديهم ذكريات الاعتقال من الحواجز.
الأطباء والكادر الطبي أيضاً لا يلبسون ثياب العمل، لأن بعض عناصر الكادر الطبي شاركوا، للأسف، في بعض أعمال التعذيب.

* سمعتِ اعترافات سجّان؟
استمعت لسجانين واستمعت لمسجونين أُجبروا أو تم التلاعب بهم واستخدامهم لتعذيب رفاقهم المسجونين في المكان نفسه. هذا جزء من آليات التعذيب التي يستخدمها المعذِّب حيث يجعل الضحية مشاركاً بارتكاب أفعال جرمية. كما وثّقت حوادث بإجبار بعض الاطباء على بتر أعضاء، كيدٍ او إصبع أو أذن، شخص محتجز بدون تخدير كجزء من تعذيبه.
لدينا من الروايات المخيفة ما يكفي حول موضوع التعذيب.

ذات صلة

الصورة
عاشت حلب 1980 اقسى ايام حياتها.

سياسة

يتابع النقابي والسجين السياسي السوري غسان النجار رواية فصول من قتل المجتمع في سورية، حيث يكشف أنه وزملاؤه لم يحاكموا طلية السنوات التي قضاها في السجن.
الصورة
غازي عنتاب ورشة حقوقية (العربي الجديد)

سياسة

المساءلة وعدم إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب، وتوثيق تلك الانتهاكات في سورية، ملفات رئيسية بالنسبة لمعظم منظمات حقوق الإنسان السورية
الصورة
صورة الأسير الفلسطيني فاروق الخطيب قبل وبعد الإفراج عنه (نادي الأسير)

مجتمع

حمّل نادي الأسير الفلسطينيّ الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن الحالة الصحيّة الخطيرة التي خرج بها المعتقل فاروق أحمد إسماعيل الطيب.
الصورة

سياسة

تطابقت شهادة العراقي طالب المجلي لـ"العربي الجديد" مع ما حمله تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، نشر اليوم الاثنين، بخصوص صنوف التعذيب والقتل التي تعرض لها سجناء عراقيون من أمثاله في سجن أبو غريب سيئ الصيت قبل نحو 20 عاماً.