تماثيل بغداد تشكو الإهمال

تماثيل بغداد تشكو الإهمال

04 يناير 2015
كهرمانة تسكب الماء في بغداد (صفاء حاتم مطلب)
+ الخط -

الأيام العصيبة التي عاشتها العاصمة العراقيّة بغداد بعد عام 2006، دفعت الفنان التشكيلي سلطان الكرخي (44 عاماً) إلى الهجرة، فكانت باريس وجهته. لكن شوقه وحنينه إلى تمثالَيْ كهرمانة وشهريار وإلى شارع أبو نواس الذي لم يفارقه منذ طفولته، دفعاه للعودة إلى مدينته.

بعد وصوله، راح يتجوّل في شوارع عاصمته وساحاتها ويقصد المواقع حيث النصب القديمة والتماثيل التي استحدثت مؤخراً. من جديد، شعر بالانبهار أمام القيمة الفنيّة لكل نصب نحته فنان عراقي، لكنه شعر بالأسف إذ إن تلك "التماثيل والنصب الفنيّة تعاني إهمالاً واضحاً. ومن المؤكد أنه، ومنذ سنوات، لم تقم أي من الجهات الحكوميّة أو من منظمات المجتمع المدني التي تهتم بالفن العراقي، بمدّ يدها لصيانتها. فتحوّلت إلى تلوّث بصري يسيء إلى أي جماليّة كانت تمثلها تلك التماثيل والنصب.

ويشير الكرخي إلى تمثال "كهرمانة الذي نصبه الفنان الراحل محمد غني حكمت في ستينيات القرن الماضي، والذي يجعل الناظر يرثى لحاله. والغريب أنه يمثل علامة من علامات بغداد الفارقة". يضيف: "تساقطت قطع منه، لكن الدوائر المعنيّة، بحسب ما أخبرني الأصدقاء، اكتفت بطلائه وبإضافة الأضواء إليه. أما قاعدته، فهشّة ومتآكلة وآيلة للسقوط".

إلى ذلك، يتحدّث عن "تمثال الشاعر عبد المحسن السعدون الذي تحوّلت المساحة في أسفله إلى موقف لسيارات الأجرة. وقد مُنعتُ من التقاط صور له لأرفقها بأشعار له كنت قد خططتها بيدي في الغربة. أما نصبَا شهريار وشهرزاد، فيبدوان أفضل حالاً من غيرهما، بفضل جهود ذاتيّة بذلها عدد من النحاتين والفنانين التشكيليّين".

من جهته، يقول النحات وليد الخطاب إن "أعمال النحت مكلفة وتحتاج إلى تمويل وتبنّ من قبل الدولة أو المؤسسات القادرة مادياً وأحياناً من قبل ممولين وتجار من أصحاب الذوق والوعي الفنيَّين، ليساهموا بشكل أو بآخر في وضع البنى التحتيّة لمشاريع فنيّة تجمّل المدينة، وتساهم في عمليّة البناء الحضاري والجمالي. وهذا غير متوفّر اليوم".

أمانة بغداد المسؤولة عن النصب والتماثيل والجداريات، ألقت الكرة في ملعب وزارة الثقافة. ويقول المتحدّث باسمها حكيم عبد الزهرة لـ"العربي الجديد"، إنه "في السابق، أي قبل عام 1991، كان لدى الأمانة مشغل خاص مع موظفين من ألمع وأبرز النحاتين والفنانين التشكيليّين يقومون بصيانة دوريّة لكل التماثيل. لكن ذلك المشغل حُوّل إلى وزارة الثقافة في وقت لاحق، وهو اليوم معطل".

ويعترف عبد الزهرة بأن "الأعمال الفنيّة في العاصمة اليوم بحاجة إلى أكثر من تأهيل، وأنه لا بد من معالجتها بشكل سريع خصوصاً الجداريات، إذ بعضها تآكل وهو يحتاج إلى جهود خاصة".

ويلفت إلى أن الأمانة، وعلى الرغم من النقص الذي تعانيه، اتجهت وما زالت نحو تشييد عدد لا بأس به من التماثيل في بغداد. وفي عام 2013، تم نصب أربعة أعمال للفنان الراحل محمد غني حكمت وهي: بغداد، وإنقاذ العراق، وأشعار بغداد، والفانوس السحري.

إلى ذلك، يشدّد وكيل وزارة الثقافة فوزي الأتروشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن الوزارة "حريصة على جعل كل الأعمال الفنيّة في عموم العراق محط اهتمام ورعاية. لكن العراق عانى بعد عام 2003 من تدمير عدد كبير من التماثيل والنصب التذكاريّة، بالإضافة إلى سرقة أجزاء كبيرة من الآثار العراقيّة. وقبل نحو أربعة أعوام، عزمت الوزارة على إعادة رونق هذه الأعمال، وآخرها في فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربيّة في عام 2013. فقد أعدنا ترميم 17 عملاً فنياً توزّعت بين تمثال ولوحة جدارية ونصب تذكاري".

من جهته، يقول الأستاذ في كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد فوزي الأعظمي لـ"العربي الجديد"، إن "التماثيل التي نصبت بعد 2003 غابت عنها الرؤية النثريّة والسرديّة المطلوبة. فتحولت المنحوتة إلى مجرّد إعلان". ويعزو الأعظمي ذلك إلى "التدخل المفروض من قبل جهات لا تفقه فن النحت، وهي بالتأكيد الجهات الممولة للمنحوتات".

ويرى ضرورة أن "يتحلى الفنان التشكيلي العراقي بوعي كبير فيما يتعلق بأطرزة المدن. وهكذا، حين يكلف بعمل معيّن، يكون هو من يختار المكان وليس أي جهة أخرى، إذ إن العمل الفني يحتاج إلى أبعاد هندسيّة للعمل وزوايا رؤية. ولأن اللجان الحكوميّة غير معنيّة بهذا الجانب، وقعنا في تلك الأخطاء. لذا من الضروري، وقبل نصب أي تمثال في أي مكان في العراق، تشكيل لجان متخصصة من الفنانين والأدباء والمؤرخين، كي تشرف على اختيار المكان الملائم".