من "الطالبية" لـ"التحرير" يعلو صوت المعركة

من "الطالبية" لـ"التحرير" يعلو صوت المعركة

27 يناير 2015
المواجهات بين المتظاهرين والأمن باتت دموية
+ الخط -
بعد نجاح تكتيك "كرة الثلج"، قرر مؤسسو "ائتلاف شباب الثورة" التظاهر في مناطق جديدة، إلى جانب "ناهيا"، تتمتع بنفس الشروط، "وقع اختيارنا على منطقة "الطالبية" فهي منطقة شعبية تكثر فيها الأزقة والشوارع الجانبية التي ساعدتنا، بطبيعة الحال، في الهروب من الأمن"، بحسب العضو السابق بالائتلاف محمد القصاص.

وتابع "قررنا اختبار صلاحية المكان للتظاهر مساء يوم 27 يناير/كانون الثاني 2011، قبل ساعات من جمعة الشهداء، كانت المرة الأولى التي تشهد فيها منطقة الطالبية، القريبة من حي الهرم، تظاهرات. حرصنا على أن تكون مسيرتنا مفاجئة لمباغتة قوات الأمن ولاختبار رد فعل الناس، ونجحت الخطة وتفاعل الآلاف من سكان المنطقة معنا وفشلت قوات الأمن في السيطرة علينا، كنا نتفرق كلما اقتربوا منا ثم نجتمع ونتظاهر مجددا".

وأكمل الناشط "في اليوم التالي، انطلقت المسيرة عقب صلاة الجمعة من مسجد صغير يقع في نفس الحي، حرصنا على السير في الشوارع الضيقة فانضم إلينا أناس جدد. اقترح بعض المشاركين في المسيرة التظاهر بشارع الهرم الرئيسي، لكننا رفضنا حتى تضاعفت كرة الثلج، فقررنا التوجه نحو مسجد خاتم المرسلين بالشارع الرئيسي، وهناك كانت تظاهرة أخرى قادمة من حي العمرانية".

"هنا اندلعت المواجهة الأولى، حيث فوجئنا بجحافل من قوات الأمن، تواجدت قبل أمتار من نفق الهرم، حاولوا منعنا بشراسة من اجتياز النفق والعبور نحو ميدان الجيزة، لكننا نجحنا في تجاوزهم بعد معركة استخدموا فيها قنابل الغاز المسيل للدموع والخرطوش"، يوضح القصاص.
وأضاف باسما "لم نكن نعلم وقتها الفارق بين الخرطوش والرصاص الحي، كنا حديثي عهد بهذه الأسلحة، فأقصى ما كانت تستخدمه قوات الأمن لتفريق المتظاهرين قبل الثورة الهراوات فقط".

"فوجئنا بعدها بـ"كردون" آخر من ضباط وعساكر الأمن المركزي بعد النفق بقليل، فضّل الضابط المسؤول عن هذا الكردون عدم الدخول في مواجهة معنا، وأمر جنوده بالتراجع طواعية فوصلنا إلى الميدان وانضممنا لمتظاهري مسجد الاستقامة لتبدأ معركة جديدة، أمطرتنا قوات الأمن التي تواجدت أعلى كوبري الجيزة ومن ناحية شارعي مراد وجامعة القاهرة، بوابل من قنابل الغاز وانتشر قناصة الداخلية في أماكن متفرقة من الميدان، فاضطررنا إلى الدخول في الشوارع الضيقة المحيطة بالميدان"، يكمل القصاص.



وواصل روايته: "كان الأمر أشبه بحرب شوارع؛ حيث تتبعتنا قوات الأمن في الشوارع الضيقة، في محاولة لتفريقنا، لكن كانت الغلبة للثوار لمعرفتهم الجيدة بمداخل ومخارج المكان، فضلا عن تفاعل السكان معنا، حيث أمدونا بزجاجات المياه الغازية والخل لتخفيف أثر الغاز
المسيل للدموع الذي امتلأت به سماء الميدان".

وأضاف "عجزت قوات الأمن عن منعنا، فاضطرت للتراجع وانفتح الميدان أمامنا، شعرنا وقتها باقتراب لحظة النصر، فتوجهت الجموع صوب ميدان التحرير".

مشكلة جديدة واجهت الثوار قبل الوصول لـ"التحرير" عبر كوبري (جسر) جامعة القاهرة وشارع القصر العيني. "فوجئنا بتواجد أمني مكثف بالقرب من مطلع الكوبري القريب من السفارة الإسرائيلية"، قال القصاص.

وتابع "طالبَنا كثيرون، بينهم قيادات أمنية، بالعودة ومحاولة الوصول للتحرير من أي طريق آخر نظرا لحساسية المكان بسبب وجود السفارة، واقتنعنا بوجهة نظرهم وفضلنا تأجيل هذه المعركة في الوقت الحالي".

وأكمل "اتجهنا لشارع التحرير بميدان الدقي، والتقينا هناك بالمسيرات القادمة من ناهيا، فتوجهنا جميعا للميدان، وتصدت لنا قوات الأمن التي كانت متمركزة أمام "دار الأوبرا" والتي انتشر ضباط بحديقتها والحديقة المقابلة لها، فاعتلى عدد من المتظاهرين أسوار الحديقتين، ما أدى لتراجع الضباط حتى كوبري (جسر) قصر النيل".




"كلما اقتربنا من الميدان تصاعد إصرارنا على الوصول وتضاعف حماسنا لتقديم أي تضحية، مهما كانت، لتحقيق الحلم"، قال الناشط صاحب المرجعية الإسلامية.

كان كوبري قصر النيل، والكلام للقصاص، المحطة الأخيرة قبل الوصول لميدان التحرير، "شهد معركة ضروس بين قوات الأمن التي دهست مركباتها عمدا المتظاهرين وبشكل عشوائي، في محاولة جدية لإجبارهم على التراجع".

وأكمل "سقط الكثير من الشهداء أعلى الكوبري، من بينهم الشهيد مصطفى الصاوي، كان بعضهم يؤدي الصلاة، وأطلقت قوات الأمن قنابلها بكثافة، فالتقطها بعض الشباب وألقوها في النيل، واضطررنا لتكسير الأرصفة وقذفنا قوات الأمن بالحجارة التي كانت سلاحنا الوحيد".


"استمرت معركة الكر والفر أكثر من 5 ساعات، انكسرت فيها شوكة الداخلية التي اضطرت قواتها للتراجع ناحية كورنيش النيل، ثم اتجهت لميدان سيمون بوليفار، القريب من ميدان التحرير، وألقت كميات كبيرة من القنابل الحارقة لتأمين هروبها من الجهة الخلفية وسارعت بالاحتماء في وزارة الداخلية، فانفتح الميدان أمام الثوار" تتهلل ملامحه وهو يحكي.

لم يتمكن القصاص وزملاؤه من دخول الميدان من ناحية كوبري قصر النيل، "كان الغاز الممزوج بدخان إحراق مبنى الحزب الوطني يملأ سماء التحرير، فذهبت لأداء الصلاة في أحد المساجد القريبة، ثم دخلت الميدان من ناحية عبد المنعم رياض".

"كان الوصول إلى الميدان بمثابة الحلم، كان شباب الإخوان في الائتلاف حلقة الاتصال بين الائتلاف والجماعة قبل جمعة الشهداء، 28 يناير، تواصلت مع أحمد نزيلي، نجل القيادي الإخواني سيد نزيلي، لتنظيم المسيرة التي انطلقت من الطالبية"، قال القصاص.

تغيرات كثيرة طرأت على التحرك الميداني للثورة كما يقول القصاص الذي أكد "ضرورة التفكير في آليات جديدة للتعامل مع الأمن الذي تصاعد بطشه وقمعه لمعارضيه المحسوبين على 25 يناير".

"لم يعد ممكنا التظاهر في الأحياء الشعبية لأننا فقدنا ثقة الناس الذين تفاعلوا معنا قبل 4 سنوات"، قالها القصاص بحزن، مشيرا، في الوقت نفسه إلى أن "تحركات الإخوان المطالبة بعودة الرئيس المعزول تؤثر سلبا على كل الفعاليات الاحتجاجية حتى لو كانت لأسباب مختلفة".

وعزز عضو "جبهة طريق الثورة" وجهة نظره قائلا "تراجع تعاطف المواطنين مع أي مظاهرات، لا شك أن الإعلام لعب دورا رئيسيا في ذلك، لكننا أيضا فشلنا، كشباب، في تأسيس تنظيم قوي له مجموعات في المحافظات لتحقيق أهداف الثورة".

لكنه استدرك قائلا "لا يمكن أن نتحمل المسؤولية وحدنا، فشباب الثورة لم يحكموا طيلة السنوات الثلاث الماضية، لم نتمكن أيضا من أن نكون طرفا في المعادلة السياسية، كان تمثيلنا ضعيفا في مجلس الشعب المنحل، فلم ينجح سوى مصطفى النجار وزياد العليمي وباسم كامل فقط".

"هذا لا يعني أننا سنتوقف عن العمل للمطالبة بتحقيق مطالب الثورة والحفاظ على الجزء اليسير الذي تبقى من مكتسباتها، قد تكون المهمة أصعب بسبب التضييق الأمني والإقصاء والتشويه الإعلامي، لكن ثورتنا مستمرة لإسقاط أي طاغية"، أكد بإصرار.

تابعونا على #ثورات_تتجدد