"مصير اليهود" من المخابرات العراقية إلى الموساد

"مصير اليهود" من المخابرات العراقية إلى الموساد

27 يناير 2015
المتحف كان ضمن أول عشرة مبانٍ احتلها الأميركيون (Getty)
+ الخط -

يعود المتحف الوطني العراقي اليوم إلى واجهة الأحداث بعد نحو 13 عاماً على الاحتلال، إذ أعلن مسؤولون عراقيون وبرلمانيون عن ظهور المكتبة اليهودية المسروقة من بغداد في تل أبيب، متهمين الجيش الأميركي بسرقة جزء منها وتسليمه إلى جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد"، كما اتهموا مركز "نارا" لصيانة الآثار في الولايات المتحدة، بسرقة الجزء الآخر وتسليمه إلى إسرائيل، بعد أن تعهد في وقت سابق بإعادة كل المخطوطات التي لديه.

والمتحف الوطني العراقي، من المباني العشرة الأولى التي اقتحمتها القوات الأميركية المظلية الخاصة، خلال الساعات الأولى لسقوط بغداد في يد الأميركيين. المبنى الموغل في القدم تم احتلاله إلى جانب القصور الرئاسية ووزارات الدفاع والداخلية والنفط.

الأميركان و"نارا"

وقال مدير المركز العراقي للتوثيق التاريخي محمد الشيخ لـ"العربي الجديد": إن "ثمانين مخطوطة يهودية، تقدر أعمارها ما بين 200 إلى 300 سنة، وتعود لليهود العراقيين في العهد العثماني والملكي، قد سرقت من المتحف من قبل الأميركيين في مارس/آذار 2003، ولدى التحقيق وسؤالهم، قالوا إن لصوصا ينتمون إلى شبكات تهريب آثار عراقية هم من سرقوها، وإن الجيش لا علاقة له بها، رغم أنهم استولوا على المتحف لعدة أيام ثم تركوه لتتم استباحته بعدها من الجميع".

مضيفا أن "تلك المخطوطات عثر عليها في تل أبيب، ونقلت صورة لها مواقع وصحف

إسرائيلية، لكن الصدمة أن مركز نارا الأميركي، الذي اتفق العراق معه على صيانة ما تبقى من مخطوطات بابلية وآشورية وسومرية وأخرى تعود إلى العصور الوسطى والحديثة، قام بتسليم الإسرائيليين نسخة التوراة اليهودية العراقية، واحتفل بها في 22 من الشهر الجاري في تل أبيب".

وأوضح أن الأرشيف اليهودي الذي يحوي دلائل تدين الاحتلال لفلسطين، وتفند ادعاءاتهم الدينية لتمرير غطاء سياسي للاحتلال، تم إتلافها داخل المتحف الوطني العراقي عام 2003، وتم نقل ما ينفعهم منها إلى تل أبيب.

ويعتبر المتحف العراقي أحد أغنى متاحف العالم، ومن أهم محتوياته العديد من المخطوطات والوثائق، وخاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إلا أنها نهبت جميعها بعد الاحتلال، ومن بينها مفاتيح منازل مقدسية نقشت عليها عبارات إسلامية يبلغ عمرها المئات من السنين.

النائبة في البرلمان العراقي شروق العبايجي، اعتبرت سرقة مخطوطة التوراة القديمة من بغداد ووصولها إلى تل أبيب، تشير إلى وجود خلل في الحكومة بعدم حمايتها لتلك الرموز والمعالم الحضارية، والتي تعرضت بسهولة للسرقة وتهريبها إلى خارج البلاد، لافتة إلى أن "المخطوطة مهمة جدا لكونها جزءاً من تاريخ العراق".

مبينة "نرفض أي طريقة غير مشروعة للاستيلاء على محتويات المتحف العراقي، أو كل ما يمت بصلة لتاريخ وحضارة العراق"، متوقعة "وجود عصابات تهريب وخونة ساعدوا على تهريب المخطوطة إلى تل أبيب".

فيما أعربت وزارة السياحة والآثار العراقية، في بيان أصدرته الإثنين عن احتجاجها على "الاستحواذ غير القانوني" على مخطوطة التوراة العراقية من قبل إسرائيل، وطالبت المجتمع الدولي والمنظمات العالمية بمساعدة العراق لاستعادة هذه "المخطوطة".

اللصوص يحتفلون
وقال بيان للوزارة إن "وسائل الإعلام تداولت خبر وصول مخطوطة التوراة العراقية إلى إسرائيل واحتفال وزارة الخارجية الإسرائيلية بها، وإننا إذ نحتج على هذا الاستحواذ غير القانوني على جزء من الموروث العراقي، بدلالة حمله أختاما رسمية عراقية، نطالب مركز (نارا) الأميركي الذي يقوم بصيانة وترميم الأرشيف العبري العراقي، بتقديم إجابات واضحة بشأن هذه المخطوطة".



وأضافت الوزارة أنها "طالبت سابقا بضرورة استعادة جميع فقرات الأرشيف العبري إلى بلده العراق، وإنهاء هذا الملف الذي كان من المقرر أن ينتهي عام 2005"، مطالبة المجتمع الدولي والمنظمات العالمية، ولا سيما اليونسكو والإنتربول بـ"مساعدتنا في استعادة هذه المخطوطة المهمة إلى العراق، كجزء من وقوف العالم المتحضر معنا لاسترجاع آثارنا وتراثنا المنهوب".

وكانت عضو لجنة الثقافة في مجلس النواب العراقي ميسون الدملوجي، قد طالبت وزارة الخارجية والسفارة العراقية في الولايات المتحدة الأميركية والبرلمان، بالاحتجاج على تسريب مخطوطة للتوراة التي تشكل جزءا من الأرشيف اليهودي العراقي إلى إسرائيل، فيما أكدت أن العراقيين يرفضون التعامل مع أملاكهم وآثارهم بصمت.

وكانت وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية قد نقلت جانبا من احتفالٍ أُقيم في القدس في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، بوصول مخطوطة نادرة للتوراة كانت ضمن مقتنيات المتحف العراقي، وأظهرت صور استقبال المخطوطة من قبل مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية ورجال دين يهود ومواطنين.

مبينة أنها قطعت رحلة غامضة من بغداد عقب الغزو الأميركي، لتحل أخيرا في أروقة وزارة الخارجية الإسرائيلية في القدس، واستقبلت بمراسم دينية تخللتها "الأهازيج والتراتيل وتوزيع الحلوى".

من المخابرات إلى المخابرات

ونقلت وكالة الأسوشييتد برس عن وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، قوله إن "رحلة المخطوطة، التي عثر عليها في مخزن المخابرات العراقية، إلى المعبد اليهودي في الوزارة "تمثل مصير اليهود".


من جانبه كشف المدير العام السابق لدار المخطوطات العراقية، أسامة ناصر النقشبندي، في تصريح صحافي لوسائل إعلام محلية عراقية، عن تمكن جهاز المخابرات الإسرائيلي من السيطرة على أكبر مكتبة يهودية أثرية في العراق، كانت محفوظة في دائرة المخابرات العراقيّة السابقة.

مبينا أن ضباطاً من وكالة المخابرات الأميركية سهلوا عملية سرقتها، بالإضافة لمخطوطات أخرى كانت في المتحف الوطني العراقي.

مسؤولون متورطون

في السياق ذاته، قال مسؤول عراقي رفيع المستوى لـ"العربي الجديد": "إن وزراء وسياسيين عراقيين بارزين، ساهموا وتورطوا بشكل مباشر في منح ما تبقى من آثار عراقية تتعلق باليهود، وانقسم الأمر إلى شطرين: الأول، آثار كانت إسرائيل تحاول التخلص منها، وكانت موجودة في العراق، وهي لا تريد أصلا أن تبقى، والثانية كانت تحاول الحصول عليها بأي ثمن".

مضيفا أن "وجود وثائق وأدلة تاريخية لدى العراق تدين الكيان الصهيوني، وما يعرف

بإسرائيل، لم يكن ذا قيمة في وقت حكم صدام، لأنه عرضها في أكثر من مناسبة وشكك الغرب في صحتها، ولكن الآن لا يمكن أن تبقى في ظل حكم يعتبره الغرب ديمقراطيا وغير معادٍ لإسرائيل"، مؤكدا أن "من بين المواد التي سرقت ثم أتلفت مخطوطات تعود إلى عام 1487 تعرف بسفر أيوب، تنسف الكثير من الادعاءات الإسرائيلية".

عضو اللجنة الثقافية العراقية نادر العزاوي، أوضح في حديث إلى "العربي الجديد" عن وجود تهويل في الموضوع، وأضاف أن "المخطوطات اليهودية سرقت منا وبمساعدة أميركية، ووصلت لإسرائيل.. هذا شيء أكيد ولا خلاف عليه، لكن التهويل من خطورة تلك المخطوطات، وكأن إسرائيل ستتلاشى بفعلها أو تثبّت أركان كيانها مجددا، وهذا غير صحيح، لأن الدم الفلسطيني اليومي لم يحرّك العرب، فكيف ستحركهم مخطوطة بالية؟!".