إحباط الشباب العربي

إحباط الشباب العربي

30 مايو 2014
+ الخط -

أكثر ما يستوقف في الانتخابات المصرية هو التدني الكبير في نسبة مشاركة الشباب فيها. الشباب الذين يشكلون الأكثرية في مجتمعاتنا العربية. لماذا لم يشارك شبان مصر وشاباتها في الانتخابات؟

يمكن، بسهولة، سحب السؤال على شباب العالم العربي كله، لأن ظروفهم المعيشية، وحالاتهم النفسية، متشابهة، إن لم أقل متطابقة. يحضرني الآن، كتابان مهمان: سيكولوجية الإنسان المقهور، وسيكولوجية الإنسان المهدور، لمصطفى حجازي، الذي أبدع في وصف حالة الإحباط والهدر الوجودي لدى الإنسان العربي.

وأكثر ما ينطبق هذا الهدر على جيل الشباب الذي لا يعرف أي مستقبل مظلم ينتظره، فقلّة فرص العمل للجامعيين وغير الجامعيين، وضحالة الرواتب، وسوء المناهج التدريسية، والغلاء الفاحش للمعيشة والتهميش التام لجيل الشباب، وتأرجحهم بين قيم تشدهم إلى الخلف، وتحرر يُربكهم ويدفعهم إلى الأمام، يحدث كل ذلك من دون أن يتبيّنوا حقيقة ما يرغبون به، ويناسبهم.

تدني نسبة مشاركة الشباب المصري في الانتخابات الرئاسية ليس سوى مؤشر بسيط على إحباط الشباب المصري والعربي. تكفينا نظرة سريعة على أبواب السفارات لنرى طوابير من الشبان العرب ينتظرون أن يكون لهم الحظ ويوفّقوا بعقد عمل خارج أوطانهم التي لم تقدم لهم سوى الإحباط وانسداد الأفق بعيش كريم. يكفي ما شاهدناه، وقرأناه، عن قوارب الموت التي تزدحم بالشبان العرب، وقد ألقوا أنفسهم في بحر المجهول، عساه يقودهم إلى شاطئ الأمان، ومعظمهم يموت غرقاً، أو يتعرضون لنصابين يسرقون أحلامهم وما استدانوه من مال من أجل رحلة الهروب، وكثيرون منهم ينتهون إلى السجن، لأنهم خالفوا القوانين.

تكفي نظرة تحت أحد جسور بيروت لترى شباناً سوريين يقفون ساعات طويلة بانتظار أحد ما يأتي، ويقدم لهم عملاً ما. تشعر بالعار والخزي وأنت ترى هؤلاء الشبان، ونسبة كبيرة منهم من الجامعيين، ينتظرون لقمة عيشهم وقد أذلتهم البطالة والتهميش وانعدام الحرية.

تكفي الإحصائيات المخيفة لعمالة الأطفال في عالمنا العربي، وهم، بعد سنوات قليلة، يصيرون شباناً مقهورين، ومعرضين لكل أشكال الاستغلال.

لكن الأهم أن هؤلاء الشباب لم يعودوا، على الرغم من بؤس ظروفهم، قادرين على الطاعة، ولم يعد أحد في مقدوره أن يغرّر بهم، على الرغم من البريق الزائف الذي يحيط به السياسيون أنفسهم، وعلى الرغم من البرامج اللماعة والطافحة بالوعود التي يطرحونها، لم يعد الشباب العربي يصدق شيئاً.

هذه هي الثورة الحقيقية. إنها ثورة الأعماق. وقد حدثت الثورة فعلاً في نفوس الشباب العرب. وحين ينطلق المارد من قمقمه، لا يوقفه شيء.

المساهمون