توكّل كرمان: الثورة أنثى

توكّل كرمان: الثورة أنثى

08 مارس 2014
توكل كرمان وجه الثورة اليمنية (Getty)
+ الخط -

تسهم الأسماء أحيانا في صنع أصحابها، وقيل قديما: "كاد المُسمّي أن يخلُق". وبالنظر إلى تجربة اليمنية الحائزة جائزة "نوبل" للسلام توكل كرمان، نجد أن القيادية البارزة في الثورة الشبابية اليمنية، اعتمدت كثيرا في نضالها ضد نظام الرئيس علي عبد الله صالح على مبدأ التوكل، فقامت بمقارعته وهو في أوج سطوته.

وتلخص الناشطة توكل كرمان مسيرة المرأة العربية واليمنية، فمن الضعف إلى الثورة، ومن الانزواء إلى العالمية. توكل كرمان أكدت ما قاله الربيع العربي من أن "الثورة أنثى".

ثلاثة عوامل أسهمت بفعالية، في تكوين شخصية توكل كرمان الثورية. فهي ابنة شخصية قانونية بارزة، فوالدها وزير الشؤون القانونية الأسبق في اليمن عبد السلام خالد كرمان، وكونها من "مخلاف شرعب"، وهي إحدى مناطق محافظة تعز التي اشتهر أهلها بالشكيمة والعناد إلى جانب نهمهم في التحصيل العلمي. أما العامل الثالث فلكونها قرأت كثيرا لـ"أبي الأحرار اليمنيين" محمد محمود الزبيري، الذي كانت تستشهد بأبياته الثورية في العديد من كتاباتها وخطاباتها.

اختارت توكل الخط السياسي الذي اختاره والدها، وانضمت منذ سن مبكرة إلى حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، الذي يضم خليطاً من الإخوان والعلماء ورجال القبائل. وبدأت تشق طريقها باتجاه "صاحبة الجلالة" عن طريق مجموعة من المقالات، التي لفتت الأنظار إليها في فترة قياسية.

كسرت كرمان الصورة النمطية السائدة للمرأة اليمنية عموما، وللمرأة الإصلاحية على وجه الخصوص، فرغم كونها ربة بيت وعضو شورى في تنظيم ذي توجه إسلامي محافظ إلا أنها عبرت عن مفهوم جديد لمعنى التدين والمحافظة، لا يتعارض مع الاهتمام بالشأن العام، ولا يتطلب التخلي عن واجبات الزوجية والأمومة.

عرفها زملاؤها في بدايات التحاقها بمهنة "المتاعب"، منقبةً لا يظهر من وجهها سوى عينيها. لكنها فاجأت الجميع في مؤتمر عام لـ"نقابة الصحافيين اليمنيين" عام 2005 بتخلّيها عن النقاب. لا أحد توقع يومها أن توكل كرمان ستقف إلى جانب شخصيات عالمية كبيرة بوصفها أصغر حائزة على أشهر جائزة عالمية (نوبل للسلام).

ورغم أنها ليست اليمنية الأولى التي تلج العمل الحقوقي إلا أن عزيمة كرمان وتركيزها على هدفها، جعلها تحتل موقعا متقدما بين نظيراتها الحقوقيات. إضافة إلى ميزات أخرى انفردت بها، تتمثل في المزج شبه التام بين النضال السياسي والحقوقي، وكونها صحافية وكاتبة، تناضل بالقلم مثلما تناضل بالمسيرة وبالهتاف.

بلا قيود
تحلّق حول توكل كرمان العديد من زميلاتها الإعلاميات والحقوقيات من مختلف المشارب السياسية، وأسست معهن منتصف العقد الفائت، منظمة "صحافيات بلا قيود". وعبر المنظمة قادت توكل عملاً إعلامياً وحقوقياً دؤوباً في العديد من الملفات والقضايا الاجتماعية والسياسية والمهنية، بعضه تم بتنسيق مع منظمات دولية مهتمة.

مضت رئيسة "صحافيات بلا قيود" بكل تفانٍ لكسر القيود المفروضة على حرية التعبير في اليمن، فابتكرت أسلوبا جديدا في المطالبة الحقوقية، واختارت رصيفا مواجها لمبنى رئاسة الوزراء تقيم فيه نشاطا أسبوعيا يوم انعقاد المجلس. وقادت كرمان خلال عامي 2009 و2010، أكثر من 80 اعتصاما للمطالبة بإيقاف المحكمة الاستثنائية المتخصصة بالصحافيين. وهتفت ضد إيقاف الصحف، وطالبت بإطلاق تراخيصها وإعادة خدمات الخلوي الإخبارية.

توكل الثورة
اكتسب اسم توكل كرمان بريقه على المستوى اليمني في عام 2004، حينما اشتركت مع مجموعة من الكتاب الشباب في الهجوم على نظام الرئيس علي عبدالله صالح بسبب نزعته نحو "التوريث". وفي عام 2007 كتبت كرمان مقالا طالبت فيه صراحة بإسقاط النظام. وما إن هبت نسائم "الربيع العربي" حتى خرجت على رأس مسيرة طلابية في اليوم التالي على هروب الرئيس زين العابدين بن علي، إلى مقابل السفارة التونسية بصنعاء، مهنئة شعب تونس برحيله.

وبانطلاقة الثورة المصرية ضد نظام الرئيس حسني مبارك تقدمت توكل مسيرات طلابية مؤيدة لثوار مصر، ومنادية كذلك بإلحاق نظام صالح بنظامي بن علي ومبارك، في وقت كانت لم تزل فيه الأحزاب المعارضة اليمنية مترددة في النزول إلى الساحات.

منتصف ليل يوم 23 يناير/كانون الثاني 2011 تعرضت كرمان وزوجها محمد النهمي، لاعتقال غير قانوني من قبل أفراد أمن، بزي مدني، وتم إيداعها في سجن النساء، بتهمة إقامة تجمعات ومسيرات غير مرخص لها قانونا، والتحريض على ارتكاب أعمال فوضى وشغب، وتهديد السلم العام.


أفرجت السلطات اليمنية عنها في اليوم التالي، بعد أن أثار اعتقالها موجة احتجاجات جديدة في العاصمة صنعاء. وبعد خروجها من السجن استمرت كرمان في تنظيم المظاهرات المنادية بإسقاط نظام صالح. وقالت إنها تلقت تهديداً بالقتل عبر اتصال هاتفي من رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح إلى أخيها الشاعر طارق كرمان يطلب منه ضبطها وجعلها رهن الإقامة الجبرية.

كانت إجراءات النظام الهادفة لقمع كرمان وإسكاتها تؤتي نتائج عسكية، إذ زاد الالتفاف حولها والتعاطف معها من قبل المئات، فانضم إلى خيمة اعتصامها أمام جامعة صنعاء العشرات ثم المئات من الخيم التي رابطت قرابة 400 يوم، حتى رحيل صالح من رأس السلطة. وظلت الخيام منصوبة إلى ما بعد رحيله بأشهر.

نوبل
في أوج الثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن كان الخبر السار الذي رفع معنويات الثوار في كل ساحات التغيير، ومثّل ضربة قاسية لنظام صالح، هو خبر حصول القيادية في الثورة الشبابية اليمنية توكل كرمان على جائزة "نوبل" للسلام. وبهذا التكريم أصبحت كرمان خامس شخصية عربية وأول امرأة عربية تحصل على "نوبل".

وفي حين اشتعلت ساحات التغيير بالأفراح احتفالا بهذا التكريم الذي عد تكريما لكل شباب وشابات الثورة اليمنية، خيّم الوجوم على الإعلام الرسمي وكان صعبا على رموز النظام إصدار ولو برقية تهنئة لصاحبة هذا التكريم الذي دخل به اليمن منصة التكريم العالمي.

وما هي إلا شهور قليلة، حتى غدت كرمان حديث القنوات العالمية بلقاءاتها مع مسؤولين كبار في الأمم المتحدة، وقيامها بمهمات إنسانية في هذا البلد أو ذاك. علما أن كرمان وعدت فور تلقيها خبر الفوز بـ"نوبل" بأنها ستهدي قيمة الجائزة لـ"صندوق رعاية أسر شهداء وجرحى الثورة". وفعلا وفت بوعدها وسلمت الصندوق خلال حفل أقيم في صنعاء بحضور رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة، يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2013، مبلغ نصف مليون دولار.

توكل كرمان في سطور:
- ولدت في 7 فبراير 1979، في مخلاف شرعب، تعز
- كاتبة صحافية وقيادية في الثورة الشبابية اليمنية
- رئيسة منظمة "صحافيات بلا قيود"
- حائزة على جائزة "نوبل" للسلام عام 2011، بالتقاسم مع الرئيسة الليبيرية إلين جونسون سيرليف والناشطة الليبيرية ليما غبوي
- عضو مجلس شورى حزب "التجمع اليمني للإصلاح"
- كُرمت كإحدى النساء الرائدات من قبل وزارة الثقافة اليمنية
- اختيرت من قبل مجلات عربية وعالمية كواحدة من أكثر النساء تأثيرا في العالم

المساهمون