القات يهدّد اليمن بالإفلاس المائي

القات يهدّد اليمن بالإفلاس المائي

22 مارس 2014
+ الخط -
رغم أن اليمن مثقل بجملة من التحديات السياسية والأمنية التي تتهدد استقراره، إلا أن لا شيء يضاهي رعب الأرقام التي تتحدث عن وضع المياه في هذا المكان من العالم.

فوفق إحصائيات البنك الدولي، يعدّ اليمن ضمن أكثر أربع دول في العام تعاني شحّ المياه، وعربياً، يعدّ الأفقر وبلا منافس.

وتقول الأرقام إن معدل نصيب الفرد السنوي في اليمن من المياه هو 100 متر مكعب، وبما لا يتجاوز 14% من نصيب الفرد السنوي في منطقة الشرق الأوسط المقدّر بـ1250 متراً مكعباً، بينما يفترض المعيار العالمي لاحتياج الفرد من المياه 7500 متر مكعب في العام.

وبالنسبة للحد الأدنى من فقر الماء المحدد عالمياً بـ1000 متر مكعب، فإن حصة الفرد في اليمن تقل بمعدل 90% عن الحد العالمي لفقر الماء. ليس هذا كل شيء، إذ لا يزال نصيب الفرد من الماء في اليمن مرشحاً للتناقص ليصل إلى 65 متراً مكعباً في عام 2025، حسب بعض الدراسات.

أسباب متعددة

أسباب متعددة لشح المياه في اليمن. لكن سببين رئيسيين يتصدّران الأسباب الأخرى، أولهما معضلة زراعة شجرة القات المنشطة والتي يزداد معدل زراعتها وتعاطيها بين اليمنيين، إذ تلتهم ما يقرب من 60% من المياه في أماكن زراعتها، وخصوصاً في حوض صنعاء وحوض عمران. بالأمس، أصدرت مؤسسة النجاة للتوعية بأضرار القات بياناً لمناسبة اليوم العالمي للمياه، تلقت "العربي الجديد" نسخة منه، يدعو إلى اقتلاع أشجار القات حرصاً على مستقبل مائي آمن في اليمن.

أما السبب الثاني فهو عدم إنشاء منظومة كافية من السدود تعمل على حجز مياه الأمطار لسد النقص المائي وتغذية المخزون الجوفي الذي يتعرض لتناقص مخيف. ويؤكد خبراء أن الاستهلاك في اليمن يزيد بنسبة 40% عما يتم تعويضه من مياه الأمطار سنوياً. في حين لا تتسع السدود الحالية سوى لـ80 مليون متر مكعب من أصل ثلاثين مليار متر مكعب تقريباً من مياه الأمطار المتساقطة في اليمن سنوياً.

إلى ذلك، تقف أسباب أخرى من بينها أساليب الري المتخلّفة بطريقة الغمر التي تزيد من معدل هدر المياه، وكذلك التناقص المتصاعد لمخزون اليمن المائي، إضافة إلى التزايد المستمر في عدد السكان.

سبب آخر يقف وراء فقر المياه في اليمن يتمثل في مشكلة انتشار الحفارات غير القانونية، والتي بلغ عددها، وفق آخر إحصائيات الهيئة العامة اليمنية للموارد المائية، 600 حفارة تتسبب بجروح غائرة في الأرض وتستنزف ثروة الأجيال من المياه، إذ وصل عمق بعض هذه الآبار إلى 1500 متر، في أقصى طبقة من الأرض للحصول على المياه التي لم تعد صالحة للشرب ما لم تتم معالجتها.

مناطق النقص الحاد

يعدّ الفقر في المياه مشكلة عامة في اليمن، إلا أن حجم المشكلة يتفاوت من منطقة إلى أخرى، إذ لا تعاني مناطق كالجوف وحضرموت مشكلة في المياه، عكس السلسلة الجبلية في غرب البلاد التي تضم محافظات: عمران، صنعاء، المحويت، ريمة، ذمار، إب، الضالع، تعز، ولحج. وهي ذاتها مناطق الكثافة السكانية المرتفعة.

ووفقاً للدكتور غيرهارد ليشتنثلر، مدير إدارة الموارد المائية المشتركة في منظمة التعاون الفني الألماني في اليمن، فإن هناك 13500 بئر عشوائية في حوض صنعاء، وقد حفرت خصيصاً لري أشجار القات التي تستهلك تقريباً 80 ـ 90 بالمئة من المياه، وهي نسبة تفوق حصة الأسد.

في المقابل، تملك مؤسسة المياه والصرف الصحي نحو 125 بئراً في حوض صنعاء، ثلثها محفور بعمق 1000 متر، لإمداد الناس بالمياه. ولذا، فإن سكان المناطق العمرانية الحديثة البعيدة عن وسط المدينة لا تصل إليهم إمدادات مياه المشروع الحكومي وإنما يعتمدون على المياه المحمولة على "الوايتات" والتي تباع بأسعار مرتفعة.

أما عمران، شمال اليمن، فتعدّ إحدى مناطق النقص الحاد بسبب استنزاف زراعة القات لمخزونها الجوفي ومخزونها من الأمطار، إضافة إلى انخفاض منسوب مياه الأمطار الذي يقدّر بـ250 ملم مقارنة بـ1000 ملم في مدينة إب، جنوبي غرب البلاد.

تعز ولحج

تعدّ مشكلة المياه في هاتين المحافظتين المتجاورتين جنوبي غرب اليمن، من أصعب مشاكل المياه في البلد. ويورد مدير عام المؤسسة الوطنية للمياه والصرف الصحي في تعز، فؤاد الجابري، أسبابا عدة وراء استنزاف المياه في تعز، أهمها زيادة عدد السكان والتوسع العمراني الذي تشهده المحافظة مع محدودية مصادر المياه فيها.

وتعتمد تعزعلى ثلاثة أحواض مائية هي: الحيمة، وادي الضباب، والحوبان، وهي تزوّد المدينة بـ17000 متر مكعب يومياً، ولكن الاحتياج اليومي للسكان من المياه هو 56000 متر مكعب، وهذا يعني نقصاً بـ26000 متر مكعب عن الحاجة.

وأخيراً تم تخفيف النقص الحاد بمدينة تعز، عبر الاستعانة بالمياه المحلاة من منطقة المخا بتمويل من الصندوق السعودي للتنمية.

وينطبق على لحج ما ينطبق على تعز، إذ تعدّ لحج من أفقر محافظات اليمن مائياً، ويبلغ المنسوب السنوي لهطول الأمطار فيها 50 ملم فقط.

وتعدّ محافظة إب الغنية بالأمطار، منطقة تعاني أيضاً شحاً في المياه، ويعود السبب لعدم وجود حواجز لمياه الأمطار التي تأخذ مجراها عبر الأودية المؤدية إلى البحر الأحمر، ليعاني سكان الأرياف نقصاً حاداً فيها طوال فصل الشتاء الذي تحتبس فيه الأمطار، عادة، في اليمن.

الجهود الحكومية

عند استقراء محصول سنوات من جهود الحكومة اليمنية لحل مشكلة المياه، نلحظ أن المشكلة، مع الأسف، لا تمثل أولوية حكومية في ظل زحمة الأجندات السياسية لديها. وتقول مصادر "العربي الجديد" إن وفداً ألمانياً صُدم برد الرئيس السابق علي عبد الله صالح في أواخر حكمه حين أبدى استخفافاً بحجم مشكلة المياه في اليمن.

ويعتبر الألمان والهولنديون واليابانيون من أكثر المهتمين بمشكلة النقص المائي الحاد في اليمن، وربما فاق اهتمامهم اهتمام الحكومة اليمنية نفسها.

الأسبوع الماضي كشفت الحكومة عن توجه لاستبدال زراعة الموز بالمانغو وذلك بسبب كمية المياه الكبيرة التي تستهلكها زراعة الموز المزدهرة في محافظة الحديدة، غرب اليمن.

مشكلة ملحّة

في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قال ليستر براون، مدير معهد سياسات الأرض، متحدثاً عن أوضاع المياه في اليمن، إن اليمن بات يعيش في الوقت الضائع، ويعتمد على الماء الضائع.

وخلال مؤتمر الحوار الوطني (مارس/ آذار 2013 ـ يناير/ كانون الثاني 2014)، تم وضع العديد من الحلول والتصورات إزاء مشكلة اليمن الأولى (نقص المياه)، التي باتت تقف، حسب دراسات، وراء 80 الى 90% من الصراعات الريفية. لكن مؤشرات التوجه الجاد لإنقاذ اليمن من كابوسه القادم، تبدو، إلى الآن، أقل من ضعيفة. ويبدو أن مهمة إقناع النخبة السياسية والحكومية والثقافية اليمنية بحجم المشكلة المائية، تتطلب جهداً أكبر ووقتاً أطول.