"المواطنون الشرفاء"... سلاح "الثورة المضادة"

"المواطنون الشرفاء"... سلاح "الثورة المضادة"

10 مارس 2014
+ الخط -

عشرات فقط حضروا، أمس الأحد، وقفة احتجاجية صامتة أمام دار القضاء العالي في العاصمة المصرية القاهرة، للمطالبة بالإفراج عن النشطاء المعتقلين، وبينهم علاء عبد الفتاح وأحمد دومة، والذين يقبعون في سجون الانقلاب منذ مئة يوم متواصلة. وبين الوجوه البارزة في الوقفة، ظهرت الأديبة والكاتبة المصرية العالمية أهداف سويف، خالة علاء عبد الفتاح، وشقيقته سناء وآخرون، لكن وقفتهم، لم تعجب مواطنين هاجموهم وشتموهم واتهموهم بالخيانة، هؤلاء الذين بات يعرفهم المصريون إعلاميا باسم "المواطنين الشرفاء".

ظهر مصطلح "المواطنين الشرفاء" في مصر بعد الثورة على مبارك مباشرة، تعبيرا عن السخرية من أشخاص تخصصوا في الهجوم على التظاهرات والوقفات الاحتجاجية المناهضة للنظام. اشتق الاسم من وصف المجلس العسكري، الذي تولى السلطة بعد تنحي مبارك، لهؤلاء البلطجية وعناصر الأمن والجيش الذين يرتدون ملابس مدنية ويتعدون بالسباب والضرب وأحيانا بالرصاص والأسلحة البيضاء على المتظاهرين.
وبينما كان المجلس العسكري يستخدم مصطلح "المواطنين الشرفاء" في كل بياناته الرسمية، قرر نشطاء، نكاية في الحكم العسكري، تحويل المصطلح إلى تهمة، فبات المتهم بأنه من المواطنين الشرفاء، أقرب ما يكون إلى "المخبرين" و"المرشدين"، وهم عناصر عاملة في الأجهزة الأمنية مهمتها الإبلاغ عن المواطنين في المناطق التي يعيشون فيها.

مهاجمة المعارضين

لا يمكن لأحد أن يتجاهل الظهور المتكرر للسيدة "أم محمد" التي اشتهرت بعد مقولاتها التي هاجمت فيها الإعلامي الساخر باسم يوسف، خلال وقفة ضد برنامجه، أمام مسرح "راديو" في وسط القاهرة، "باسم مش موجود في الوجود" جملة باتت متداولة جدا على مواقع التواصل الاجتماعي، نقلا عن السيدة التي ينسب إليها أيضا جمل أخرى أقل شهرة في مواقف أخرى، كلها داعمة للانقلاب ضد معارضيه.

سيدة أخرى من "المواطنين الشرفاء" اشتهرت برسالة وجهتها إلى الرئيس الأميركي أوباما تطالبه فيها بالصمت تماما، وبعدم التدخل في الشأن المصري، قبل أن تقول بإنجليزية تثير السخرية "سيسي ييس سيسي ييس. مرسي نوو مرسي نوو".

في ميدان طلعت حرب، أحد أشهر ميادين وسط القاهرة، والذي شهد مئات الوقفات الاحتجاجية، نظم نشطاء، أمس الأحد، وقفة احتجاجية للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين في سجون الانقلاب، وفجأة ظهر "المواطنون الشرفاء" الذين هاجموا الوقفة بالحجارة وقطع الأخشاب وتعدوا على عدد من المشاركين فيها.

وكالعادة، كان البيان الرسمي لوزارة الداخلية في مصر، والذي تناولته كل وسائل الإعلام الداعمة للانقلاب، يؤكد أن المهاجمين كانوا من الباعة الجائلين في منطقة وسط العاصمة، وأن هجومهم سببه الرغبة في فتح الطريق وعدم تواصل المظاهرات حتى تستقر الأمور.

التهليل للديكتاتور

هاجت الدنيا في مصر لأيام، بعد أن قامت إحدى دور الأيتام باستخدام أطفالها في الدعاية للسيسي، انتقد كثيرون بالفعل استخدام الأطفال في الشأن السياسي، بينما انتقد آخرون الملابس التي كان الأطفال يرتدونها فقد كانت صيفية، بينما كانت الوقفة في أيام الشتاء قارسة البرودة.

ولا يتوقف عمل "المواطنين الشرفاء" على مهاجمة الوقفات والمسيرات المناهضة للنظام، وإنما تمتد مهام عملهم إلى تنظيم والمشاركة في مظاهرات ووقفات للدعاية ودعم ممثل النظام، وخاصة الجنرال السيسي في الوقت الحالي، وتهتم وسائل الإعلام الموالية للانقلاب في مصر بإظهار تلك الوقفات، باعتبارها دليلا على الحب الشعبي الجارف للجنرال الذي يطالبه الشعب باستكمال معروفه والترشح للرئاسة من أجل حكم البلاد.

يخلع أحد المواطنين الشرفاء ملابسه رغم برودة الجو، ليقدم وصلة رقص شعبي بالملابس الداخلية، على شرف الجنرال، بينما تقف فتاة من المواطنين الشرفاء أمام الحاجز الأمني والأسلاك الشائكة في ميدان التحرير، لتقدم وصلة رقص بلدي، رافعة صورة الجنرال، وهو ما لا تكرر نشره وسائل الإعلام الموالية للانقلاب، حتى لا يستثير حفيظة الجمهور المصري المحافظ بطبعه، والذي يرفض تلك الممارسات.
وعرف ثوار مصر "المواطنين الشرفاء" جيدا، على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، وواجهوهم وقاوموهم، في التحرير وماسبيرو والعباسية ومحمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها، ولدى كثيرين قناعة كاملة، بأن هؤلاء ليسوا مواطنين عاديين، وإنما شخصيات يتم استخدامها من جانب الأجهزة الأمنية والنظام الحاكم، لترهيب أو الاعتداء على الناشطين والمعارضين، خاصة أن وجوها بعينها، بات يتكرر ظهورها في أماكن ومواقف عدة.
لكن الأمر لا يخلو من آثار تاريخية للظاهرة، ففي مذكرات الراحل خالد محيي الدين، أحد الضباط الأحرار، المعنونة باسم "الآن أتكلم" رواية تؤكد أن الأنظمة العسكرية استخدمت "المواطنين الشرفاء" مبكرا، والواقعة المحددة التي تحدث عنها محيي الدين في مذكراته حدثت في 1954 عندما خرجت في العاصمة المصرية مظاهرة عمالية تهتف "تسقط الديمقراطية".
ويقول محيي الدين: "وبدأ عبد الناصر في ترتيب اتصالات بقيادات عمال النقل العام لترتيب الإضراب الشهير، وسأورد هنا ما سمعته من عبد الناصر بنفسي، فعند عودتي من المنفى التقيت مع عبد الناصر، وبدأ يحكي لي ما خفي عني من أحداث أيام مارس/آذار الأخيرة، وقال بصراحة نادرة: لما لقيت المسألة مش نافعة قررت أتحرك وقد كلفني الأمر أربعة آلاف جنيه".