2014.. عام "أسود" على أطفال مصر

2014.. عام "أسود" على أطفال مصر

30 ديسمبر 2014
+ الخط -

شهد عام 2014 أعلى معدلات العنف ضد الأطفال في مصر، مقارنة بالأعوام الثلاثة الماضية التي أعقبت ثورة 25 يناير، وسط دوامة من العنف السياسي والمجتمعي، وتراجع اهتمام الحكومة بملف الأطفال، وانتهاكات قانونية يمكن أن تدرج مصر ضمن دول "الدائرة السوداء".

ويرى خبراء وحقوقيون معنيون أن ملف الطفولة تراجع بشكل لافت ما بعد ثورة يناير، أو بالأحرى اختفى من أولوية الحكومات المتعاقبة، وبالتالي تزايدت الانتهاكات الخاصة بالطفولة في كل القطاعات على مستوى الجمهورية.

الدائرة السوداء
ويصنف مدير الائتلاف المصري لحقوق الطفل، هاني هلال، ملف انتهاكات الأطفال، إلى عدة مستويات: أولها، هو الحماية التشريعية، والتي تراجعت إلى الحدّ الذي وصل بعدد من الحقوقيين والمسؤولين عن أوضاع الطفولة في الحكومة المصرية الحالية، إلى المطالبة بتعديل تشريعي يقضي بتغليظ العقوبات على الأطفال يصل إلى حد الإعدام والسجن المشدد، على الرغم من الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر والتي تتنافى تماما مع مثل هذه المطالبات التي تثير العديد من علامات الاستفهام، معتبرا أن استجابة الحكومة لمثل هذه النداءات تمثل ردة غير عادية في الملف الحقوقي، وانتهاكا صريحا للقوانين الدولية والوطنية، على حد تعبيره.


ويذكر هلال أن الدول الخمس التي تسمح قوانينها بعقوبات للأطفال تصل إلى حد الإعدام والسجن المشدد في العالم، هي: السعودية واليمن وإيران وباكستان وأفغانستان، وتضع هذه العقوبات تلك الدول في الدائرة السوداء الخاصة بملف حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق الطفل بشكل خاص.

أطفال الاعتقال
وفي ذكرى اليوم العالمي للطفولة، أصدرت وحدة رصد انتهاكات المرأة والطفل في المرصد المصري للحقوق والحريات، تقريرها عن واقع الانتهاكات التي ترتكب بحق الأطفال المتهمين في قضايا سياسية في مصر منذ 30 يونيو 2013 وحتى الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2014 تحت عنوان "أطفال الاعتقال"، أشارت فيه إلى اعتقال 2170 طفلا على مدار العام، ما زال من بينهم 370 طفلا داخل أماكن الاحتجاز المختلفة، فيما قتل 217 طفلا طوال الأشهر الأحد عشر، ووقعت انتهاكات بحق 948 طفلا

من بينهم 78 حالة عنف جنسي ضد الأطفال.

وبحسب مركز ضحايا لحقوق الإنسان، فإن هناك انتهاكات كثيرة لحقوق المعتقلين، ولا سيما الأطفال في السجون ودور رعاية الأحداث، حيث يعانون من ظروف احتجاز بالغة الصعوبة؛ فلا توجد أسرّة للنوم ولا أغطية تقي من البرد القارس، كما يتم إيواء أكثر من ثلاثين طفلا بشكل مهين في عنبر مساحته عشرون مترا مربعا.

ودشن عدد من أسر الأطفال المعتقلين والمهتمين بالحريات وحقوق الأطفال، رابطة للدفاع عن الأطفال المعتقلين، ومتابعة أوضاعهم داخل السجون.

وبحسب مركز الشهاب لحقوق الإنسان، فإنه يستقبل كل يوم حالة أو حالتين جديدتين لأولياء أمور أطفال صغار يشتكون من تعرض أولادهم للتعذيب بأشكال مختلفة، منها الصعق الكهربائي والتحرش الجنسي وحتى الاغتصاب.

انتهاكات في المؤسسات
ويوضح مدير الائتلاف، هاني هلال، أن المستوى الثاني هو انتهاكات الأطفال في مؤسسات الرعاية البديلة، مثل دور الأيتام وغيرها. وأشار إلى أنه لا لوم على أحد في هذا الملف، سوى وزارة التضامن الاجتماعي المصرية، التي تقدمت لها عدة منظمات حقوقية مصرية بمبادرات واقتراحات لإصلاح أوضاع هذه الكيانات والمؤسسات، ولكنها لم تبال بأي مبادرات.

ويشير هلال إلى أن المستوى الثالث لانتهاكات الأطفال، هو ما يتعلق بالمدارس والمؤسسات التعليمية بشكل عام، وفي هذا يقول هلال: "لدينا أزمة حقيقية مع وزارات التربية والتعليم المتعاقبة، وأزمة خاصة مع الوزارة الحالية، التي تزايدت فيها نسب العنف والانتهاكات ضد الأطفال بشكل لافت، مما دفع الائتلاف إلى المطالبة بإقالة الوزارة كاملة".

وطالب هلال بتعديل المنظومة التعليمية في مصر ككل، من مناهج وأبنية وعقليات لا تزال تتعامل مع ثقافات مجتمعية مجرمة قانونياً ودينياً، ضارباً المثل بظاهرة ضرب الأطفال في المدارس، ومؤكدا أنه على الرغم من وجود قانون يجرّم الضرب في المدارس، وصدور أكثر من فتوى من دار الإفتاء المصرية بتحريم ضرب الأطفال في المدارس، إلا أن هناك عقليات في منظومة التعليم لا تعترف سوى بثقافاتها المجتمعية وتخالف القانون والفتاوى.

وفي اعتراف لها، قالت وزارة التربية والتعليم المصرية، على لسان محمد فهمي مدير عام هيئة الأبنية التعليمية: "نحن بالفعل أمام مشكلة حقيقية، فلدينا 598 مدرسة مهددة بالانهيار وتحتاج إلى إزالة، وقد صدر لنا توجيه من وزير التعليم باتخاذ اللازم نحو هذه المدارس، بتكلفة إجمالية تعدت 240 مليون جنيه، وانتهينا بالفعل من ترميم وإعادة بناء عدد كبير من المدارس قبل بداية العام الدراسي الجديد، وجار الاستمرار في أعمال الصيانة".

وتعجز الوزارة عن تجهيز المدارس بطبيب واحد لكل مدرسة، فهو أمر غير متاح الآن، إلا أنها تقوم بتوفير طبيب لكل 6 أو 7 مدارس، بحسب تصريحات المتحدث الإعلامي للوزارة هاني كمال.

وكان تقرير حقوقي قد رصد 857 حالة انتهاك لحقوق الطفولة داخل المؤسسات التعليمية، في النصف الثاني من العام الدراسي الماضي، حيث تراوحت الانتهاكات ما بين التسمم الغذائي من خلال التغذية المدرسية والإصابة بالأمراض المعدية كالغدة النكافية وأنفلونزا الخنازير، والإهمال الجسيم في مباني المدارس المعرضة للانهيار.

وقال التقرير، الصادر عن المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة في أبريل/نيسان الماضي: إن التجاهل هو السمة الأساسية للحكومة المصرية، مشيرا إلى أن الحكومة تجاهلت المطالبات بحماية الأطفال.

الاستغلال السياسي
المستوى الأخير الذي تحدث عنه هلال، هو الاستغلال السياسي للأطفال، والذي أكد أن الانتقادات في هذا الملف كانت سابقاً تطال جماعة الإخوان المسلمين وحدها، ولكن حاليا يمارس الجميع استغلال الأطفال سياسياً، متناسين انتقاداتهم السابقة لجماعة الإخوان واستغلالها للأطفال.

وطالب هلال بدمج تجريم استغلال الأطفال سياسياً في السياسات والتشريعات والقوانين الخاصة بحماية الأطفال. ويرى هلال أن القضاء المصري يتعامل مع الأطفال باعتبارهم جناة لا ضحايا.

ويشكل الأطفال قرابة 20 في المائة من سكان مصر، أي حوالى 17 مليونا من إجمالي 87 مليون نسمة. ويشمل ذلك كل من هم تحت سن 18 عاما، بحسب المجلس القومي للأمومة والطفولة.