ميلاد مجيد

ميلاد مجيد

24 ديسمبر 2014
...وبعدُن صغار ولادهُن يا عيد زورن يا عيد(فرانس برس)
+ الخط -

"ليلة عيد ليلة عيد الليلة ليلة عيد.. زينة وناس صوت جراس عم بترنّ بعيد"... وتصدح كلاسيكيّة عيد الميلاد هذه في منزل العائلة، ونحن بكامل حماستنا في انتظار بابا نويل بلحيته البيضاء.

كان ذلك في بداية ثمانينيات القرن الماضي. وكان شريط "تراتيل الميلاد" للسيّدة فيروز، يرافقنا في موسم العيد الذي يمتدّ. ذلك الموسم الذي لم يكن يبدأ في منتصف ديسمبر/كانون الأول بأجراس ونجوم يرسمها نسيب لنا على ألواح الشبابيك الزجاجيّة الضخمة، ولا ينتهي باستلام هدايا من الختيار الملتحي في ليلة العيد والصفارات الملوّنة والسكاكر في يوم العيد أمام كنيسة الضيعة.

وأغنّي "عم يتلاقوا الأصحاب بهديّة خلف الباب.. في سجرة بالدار ويدوروا ولاد صغار". بلحنها العالمي وكلماتها المحليّة، هذه أولى ترانيم العيد التي يحفظها الصغار والتي تعيد الإذاعات بثها مراراً وتكراراً.

***

عقد يمضي. ترافقنا فيروز بشريطها الميلادي، في كل عام منه. إنها التسعينيات. في الشريط، ترانيم حزينة أيضاً. اكتشاف.

"روح زورهن ببيتهُن بيتهُن فقير ما عندن شي (...) لوّن سواد تيابهُن دهّب لهُن شي نهار". وأشعر بضرورة "المشاركة" في تلوين ثياب هؤلاء.

وأدمع كلما سمعت "عتقت سنين عيادهُن ما يوم لبسوا جديد.. وبعدُن صغار ولادهُن يا عيد زورن يا عيد". لكن، كل شعور بالأسى كان يختفي بمجرّد سماع رنين جرس الختيار في الحيّ. ذلك الرنين الذي يثير في نفسي جذلاً لم أعهده في أي ظرف آخر.

***

وتحلّ الألفيّة الجديدة. تتوالى أعياد ميلاد طفل المغارة، وفيروز لا تنفكّ ترافقنا بترانيمها المبهجة وتلك الشاجنة. ما زال ألبومها نفسه، وإن تحوّل من شريط إلى قرص مدمج. من جهته، ما زال الختيار الملتحي يوزّع الهدايا على أطفال الضيعة. أما أنا، فلم أعد أشعر بذلك الجذل الاستثنائي. لم يعد يبلغني رنين ذلك الجرس.

وتنشد فيروز "الطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان.. يبكيان، لأجل من تشرّدوا.. لأجل أطفال بلا منازل.. لأجل من دافع واستشهد في المداخل". هي ليست كلمات ترنيمة ميلاديّة. لكنها تعود إليّ في موسم الأعياد.

وأحزن. مواطنو الطفل يسوع، محرومون من زيارة مهده والاحتفال به. مواطنوه محرومون من حقّ التنقّل في بلادهم. مواطنوه محرومون من العيش في أرض لهم.

***

عقد ثانٍ من الألفيّة الثالثة، يوشك أن ينتصف. وكلّما حاولت رندحة "ليلة عيد"، تعود إليّ "زهرة المدائن" والوجهان اللذان يبكيان.

فاليوم، هما لا يبكيان مواطنيهما فحسب، بل قوم الجوار أجمعين. كثر من هؤلاء، أطفالهم "بلا منازل".. كثر منهم "عتقت سنين عيادهُن".

يا ليت الميلاد يكون مجيداً.

المساهمون