ربيع مغربي.. ليس كل ما يلمع ذهباً

ربيع مغربي.. ليس كل ما يلمع ذهباً

16 ديسمبر 2014
لم يطل الحراك في المغرب (GETTY)
+ الخط -

لم يكد الربيع المغربي يستوي على سوقه، حتى جاء القرار سريعاً من أعلى سلطة في البلاد بالاستجابة لشعارات الشارع، وكان ما كان، ووصل العدالة والتنمية إلى حكم لم يكن في الحسبان.
ففي فبراير/شباط من سنة 2011، انطلقت أولى احتجاجات الشارع المغربي، التي  تصدرها شباب لم يجرب، أغلبه، العمل السياسي، ولم يتخرج من "المصانع" الحزبية، التي عادة ما توفر المادة الخام في السوق السياسية المغربية، وتخلق النخب الجديدة، وتسهر على تأطير الأجيال الجديدة، وفق آليات معروفة في أساليب الاستقطاب الحزبي.
وربما، هذا ما جعل من التعاطي مع الحركة الشبابية يتم بنوع من البرود ومن اللامبالاة في بداية الأمر، حتى أن أحزاباً، ومن بينها حزب العدالة والتنمية، الذي استفاد من غنيمة خروج الشباب إلى الشارع، أصدر توجيهاً إلى أعضائه وقيادييه بعدم النزول إلى الشارع، والانضمام إلى المتظاهرين، وهذا شأن عدد من الأحزاب الأخرى.
لكن وأمام الزخم القوي الذي عرفته المسيرات، بعد انضمام جماعة العدل والإحسان القوية إلى الحركة، اضطر عدد من القيادات السياسية إلى النزول إلى المظاهرات.
كان الأمر واضحاً جدّاً، أنه في مجمله بحث عن استثمار اللحظة سياسيّاً، وعدم البقاء خارج المجرى العام، وهذا ما تنبه إليه ماسك القرار السياسي في البلاد، حيث تجاوب الملك بسرعة مع حركة الشباب، وأعلن بعد شهرين من انطلاقة الاحتجاجات، عن مراجعة دستورية، أقرت في النهاية دستوراً جديداً، صوت عليه المغاربة بأغلبية ساحقة، وقاد إلى انتخابات تشريعية، جاءت بالعدالة والتنمية إلى سدة الحكم، بعد حصوله على أغلبية المقاعد، والتي تعطيه بموجب الدستور الجديد، كحزب أول، رئاسة وتشكيل الحكومة.
ولم يكد يمر عام، حتى انطفأ الوهج الذي لازم الانطلاقة الأولى لحركة 20 فبراير، وبالأخص، بعد الخروج المفاجئ لجماعة العدل والإحسان منها، بعد أن قررت الأخيرة تعليق أنشطتها ضمن تنسيقيات الحركة في جميع المدن المغربية، والتي تزيد عن المائة والعشرين تنسيقية.
ليس الحسم السياسي، هو ما جعل حركة 20 فبراير تتراجع وتخمد إلى حين، ولكن، ربما يعود الأمر، وهذا في تقدير حتى الحلقات الأولى المؤسسة لها، إلى غياب نقاش عميق وأرضية مشتركة بين مكوناتها، وكان من الباكر أن تتحول من تنسيقيات تدبر وقفات ومسيرات أسبوعية، إلى هيكلة أخرى، لها إمكانيات قيادية، أو تدور حول قيادة جماعية، قادرة، ليس على تنسيق مسيرة من ساعتين بل على البقاء في الشارع لمدد طويلة، وضمن آلية ضغط واضحة، تريد الوصول إلى نتائج أكبر، أو بلغة اخرى إلى "التغيير المنشود".

فبعد الدستور الجديد، والانتخابات التشريعية النزيهة، باعتراف العدالة والتنمية وخصومه، استشعر الجميع، أن ما هو ممكن في الحالة المغربية قد تحقق، وأنه من المغامرة، تماماً، رفع سقف المطالب إلى ما دون ذلك.
فالسند الشعبي الذي كان، لم يعد، والشعارات المطالبة بمزيد من التغيير التي أعقبت ذلك، لم تجد لها الصدى، وكان أن أصبحت حركة 20 فبراير، حلقيات صغيرة بلا ذيل كبير، كما كان في السابق، زمن المسيرات التي كان يسير فيها، كل يوم أحد، آلاف المواطنين المغاربة بشكل تلقائي ودون حاجة إلى تعبئة.
لكن إذا كان من أثر للحركة الشبابية، عدا مساهمتها الحاسمة في خلق جو سياسي جديد، فهو في الأشكال الإبداعية التي ابتكرتها كوسائل جديدة للاحتجاج، لم تكن معروفة في تاريخ النضال المغربي ولا في أدبياته.
واستطاع الجيل الشاب أن يفرض لغته ويواري لغة الخشب الثرى. بدا هذا واضحاً من طبيعة الشعارات غير المألوفة، ومن طريقة الكرنفال في تسيير المسيرات، ومن ابتداع أشكال تعبيرية، تسخر من عدد من الوجوه في المشهد السياسي وفي دواليب السلطة.
ثم تحول الأمر، مع الوقت، إلى إشهار لافتات كبيرة، تستعرض المطالب، وإلى "تشهير" بممارسي الشأن العام في المرافق المحلية، وهنا يمكن تسجيل الملاحظة التالية، أنه لو كتب للحركة الاستمرار، فإنها كانت لا محالة ستصطدم، بشكل قوي ودام، ليس مع قوات الأمن، ولكن مع المليشيات التي بدأت تتكون، والتي كان خلفها العديد من رؤساء الجماعات المحلية والبلديات، الذين بدأوا يستشعرون الخطر الماحق الذي تمثله شعارات الحركة الشبابية على مستقبلهم الانتخابي.
ومن المفارقات الغريبة هنا، أن السلطات الأمنية اضطرت في عدد من الأحياء الشعبية في مدينة مثل الدار البيضاء إلى التدخل، وإن كان على استحياء، لصالح شباب الحركة، من أجل "حمايتهم" من "الشبيحة".
غير أن عدداً من الناشطين، رأوا أن انجرافهم نحو رفع  شعارات محلية سيفجر تناقضاً غير مرغوب فيه في المرحلة الراهنة، بينهم وبين الحاضنة الشعبية، التي لا تتوافر على ذلك العمق السياسي الذي يؤهلها إلى إدراك أن مطالب الإصلاح، لا تتحقق برفع شعارات كبيرة ضد الدولة، ولكن، أيضاً، بمحاصرة وتتبع ومحاكمة من يدبر الشأن المحلي. وهنا حصل الإرباك الاجتماعي الذي أدى إلى عزلة حركة واعدة، ربما يحتاج المغرب إلى انتظار دورة  زمنية طويلة، قبل أن تتجدد أنفاس شبيهة لها، بعد أن تحولت ثورات الربيع العربي إلى كابوس مخيف!!