"حيطيست".. جزائريون يعانون من البطالة المزمنة

"حيطيست".. جزائريون يعانون من البطالة المزمنة

12 ديسمبر 2014
البطالة شتيمة بحق الرجال في الجزائر (فرانك بريفيل/Getty)
+ الخط -
"الحيطيست" عبارة تنتشر في الجزائر منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي. وتطلق على الشباب العاطلين عن العمل. والكلمة الآتية من لغة الشارع، تعني أصحاب الجدار. وهم أغلبية الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 عاماً و35 عاماً، الذين تصل نسبتهم الرسمية إلى 9.7 % من قوة العمل، وغير الرسمية إلى 17 %. فلا يفعلون شيئاً خلال أيامهم سوى الإستناد إلى الجدران، والأسوار في الأحياء الشعبية الغارقة في الفوضى.

يرى الجزائريون أنّ ظاهرة "الحيطيست" تعبّر عن إفلاس السياسات العامة التي قامت في الجزائر، منذ استقلال البلاد حتى اليوم، في مجالات الاستثمار في الثروات البشرية والطبيعية، وفي إعداد الإستراتيجيات التنموية الجادة. وكان هذا الإفلاس وراء تزايد أعداد العاطلين عن العمل في الجزائر.

ولا تعني "الحيطيست" الشباب الذين لا يريدون العمل، بل من يبحثون عن عمل ولا يجدونه. فهؤلاء في كلّ زاوية، في القرى والمدن على حد سواء. معظمهم تسرّب من المدرسة قبل استكمال دراسته. واليوم يمضي وقته متكئاً على الجدران، لا تهمه التقلبات المناخية. أمّا "قتل الوقت" لديهم، فيتخذ أشكالاً غريبة أحياناً. منها التعرض للآخرين وشتم كلّ من يجدونه يعيش أفضل حالاً منهم.

كما لا يتمكن "الحيطيست" من الخروج حتى، من الحالة التي يرزحون تحتها. فعدم توفر المال، يعني عدم وجود وسائل ترفيه، كالمسرح والسينما، أو حتى الحدائق. وفي الوقت عينه، لا يتمكنون من البقاء في المنزل، فالبطالة شتيمة بحق الرجال في الجزائر. وهو ما يحتم خروجهم إلى الشوارع خجلاً من أهلهم. فلا يكون الحلّ إلاّ في التسكع في الشارع، والإتكاء على الجدران.

في حي باب الواد الشهير وسط العاصمة الجزائر، يتواجد كثير من الشبان على الأرصفة. يتحدث هؤلاء عن معاناتهم من وضعهم الحالي. ويقول ياسين (22 عاماً): "كل شيء في البلاد معطّل. ليس لدينا سوى الوقوف هنا، والإستناد إلى العمود، بانتظار الفرج". ويضيف: "نحاول أن نجد عملاً، لكنّ الدولة لا تؤمّن لنا فرصاً حقيقية".

من جهته، يشكو نييل (25 عاماً) من وضعه. ويقول: "أنا حائز على شهادة البكالوريا منذ 6 أعوام، ومع ذلك لم أجد عملاً، رغم أنّي بحثت طويلاً، وتنقلت بين مكاتب التوظيف والمصالح العمومية. واليوم أنا في هذا العمر، وما زلت آخذ من والدي مصروفي لشراء السجائر". ويتابع: "أخجل من البقاء في البيت. وليس لدي المال من أجل الجلوس في المقهى. فأمضي الساعات الطويلة من النهار، وكذلك الليل مع أصدقاء مثلي".

في المقابل، يعمل سمير (19 عاماً)، لكنّه عمل بسيط لا يؤمّن مستقبلاً. ويقول: "أبيع على بسطة في الشارع، وأخاف من إمضاء بقية حياتي عليها. مع انعدام الأمل أفكر فقط بالهجرة خارج الجزائر، ولو بأيّ طريقة. المهم أن أجد حياة جديدة".

بعض "الحيطيست" لجأوا إلى السخرية من حالهم. ومن هؤلاء ناشطون على الإنترنت. وأنشئت صفحات على مواقع التواصل الإجتماعي تعبر عن حالهم. منها صفحة "يوميات الحيطيست" على "فيسبوك". تسخر في أحد إدراجاتها من إعلانات التوظيف في الجزائر بالقول: " تعلن جمعية الحيطيست عن توافر منصب حكواتي. وهذا الإعلان صالح مدى الحياة". ويعلق أحدهم عليه بالقول: "المطلوب من المرشح شهادة خبرة تثبت سنوات البطالة".

في البداية، ولد مصطلح "حيطيست" في ثمانينات القرن الماضي، كوصف للشباب العاطلين عن العمل، الذين كانوا يستخدمون الجدران في كتابة شعاراتهم. وغالباً ما كانت الكتابات تحمل ألوان فريق كرة القدم الذي يشجعه كلّ منهم. وسرعان ما أثارت الكتابات اهتمام الباحثين. وشكلت مادة هامة لرسائل تخرّج طلاب الإجازة والدراسات العليا.

واليوم، يعمل بعض "الحيطيست" بشكل مؤقت، ليعاودوا ممارسة نشاطهم الازلي بعدها. فالأعمال المؤقتة غالباً ما تنتهي بعد فترة قصيرة. وتشمل الفئة كلّ من تجاوزوا سناً معيناً من دون أن يكونوا منشغلين في متابعة دراستهم.

وبحسب التقرير السنوي لمنظمة العمل الدولية لعام 2014، فإنّ نسبة العاطلين عن العمل في الجزائر تبلغ 9.7 % من تعداد الجزائريين الذين بلغوا سن العمل، والمقدر عددهم بأكثر من 18 مليون نسمة من مجموع عدد السكان، الذي يبلغ 39 مليون نسمة. وبالتالي يبلغ عدد العاطلين عن العمل ما يقرب من مليوني شخص، وفق الديوان الوطني للإحصائيات.

وعلى الرغم من أنّ بداية شيوع المصطلح، كانت تختص بالشباب الأقل حظاً في التعليم، فإنّ "حيطيست" العصر الحديث، عاطلون عن العمل رغم شهاداتهم الثانوية- على الأقل. كما يرى الخبراء أنّ شباب هذه الفئة يشكلون خطراً كامناً في البلاد. فهم نماذج مثالية للإنخراط في أيّ عمليات احتجاجية. كما أنّهم مهيأون للمشاركة في الفوضى والإضطرابات، وصولاً إلى العنف.

وهو ما تذهب إليه الباحثة والناشطة الإجتماعية مينا العلمي. فتقول لـ"العربي الجديد"، إنّ المسألة ترتبط أساساً بالبطالة، وأسلوب العيش، وطرق التفكير. وتضيف أنّ "القضية ليست محصورة بالجزائر، بل نراها في كل الوطن العربي بنسب متفاوتة، لكنّ تعبير الحيطيست أخذ من اللهجة الجزائرية الدارجة". وتضيف أنّ "الباحثين عن عمل يعيشون على صفيح من نار في ظل الهزات العنيفة التي اصابت المجتمع الجزائري منذ سنوات العشرية السوداء (الحرب الأهلية 1991- 2002). والتي تتزايد بمرور الوقت.

وتقول العلمي إنّ "البطالة هي الأساس. ويبقى مكتب التشغيل الحكومي عبارة عن هيكل يتم التسجيل فيه من دون فائدة. فحاملو الشهادات يمتعضون من انعدام عروض العمل رغم تجديدهم الدوري لبطاقات طالبي العمل". وتضيف أنّ هذا "ينعكس سلباً على الحالة النفسية للشباب. ويجعل المجال واسعا لديهم، للتنفيس بطرق مختلفة يغلب عليها التمرد. وأحيانا تمضي بهم السبل إلى الإنحراف بسبب طول الساعات التي يمضونها في الشارع من دون عمل وأجر مادي". كما تشير إلى أنّ "غياب الوعي عن العديد منهم يفتح الباب واسعاً لدخولهم في عصابات السرقة والمخدرات، بخاصة مع قلة الأطر الثقافية والفنية والتربوية التي يمكن أن تجمعهم، ويطلقوا فيها ما يجول في أفكارهم وعواطفهم".

المساهمون