استمع إلى الملخص
- الإدارة الذاتية تشترط على الموظفين الجدد تقديم وثيقة تبرع بالدم، لكن المستشفيات والمراكز الصحية تفتقر إلى بنك دم رسمي، مما يضطر الأهالي للبحث عن متبرعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
- تتوزع مراكز بنك الدم في عدة مدن تحت إشراف الإدارة الذاتية، لكن مركز عامودا يعاني من انقطاع الكهرباء، مما يستدعي دعمًا لضمان استمرارية الخدمة وتفادي الأزمات الصحية.
يعاني سكان مدينة القامشلي وريفها بمحافظة الحسكة، شمال شرقي سورية، من غياب بنكٍ للدم منذ قرابة خمسة عشر عاماً، ما يدفع ذوي المرضى والمستشفيات إلى الاعتماد على حملات التبرع الفردية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً في الحالات الإسعافية التي تتطلب تدخلاً طبياً وجراحياً عاجلاً. وينعكس هذا النقص سلباً على حياة المرضى، حيث يعرّض حياة الكثيرين منهم لخطر الوفاة، بسبب صعوبة تأمين وحدات الدم أو تأخر الحصول عليها.
يقول الطبيب المخبري المقيم في القامشلي، طاهر حنيفة، لـ"العربي الجديد": "مدينة بحجم القامشلي ما زالت بلا بنك دم رغم كثافة سكانها وكثرة مستشفياتها. نشهد يومياً عمليات جراحية وإسعافية وحالات طوارئ، بينما يُترك المرضى تحت رحمة نداءات الاستغاثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بحثاً عن متبرعين، وهو ما قد يعني خسارة الأرواح. كما أن الحصول على الدم من خارج مؤسسة متخصصة قد يفتقر إلى معايير السلامة العامة والفحوص الضرورية للكشف عن الأمراض المنقولة بالدم".
وينبّه إلى أن مرضى الثلاسيميا والقصور الكلوي وسرطانات الدم بحاجة دائمة إلى تزويد منظم بالدم، "وهو أمر لا يمكن أن يُترك للصدف". ويرى حنيفة أن "غياب بنك دم في القامشلي لم يعد مجرد نقص خدمي، بل صار خطراً مباشراً يهدد حياة الأشخاص، ما يؤكد الحاجة الملحّة لإنشاء بنك دائم للدم أو وحدات متنقلة، فالأرواح لا تحتمل التأجيل".
قبل اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، كانت مدينة القامشلي تضمّ بنكاً للدم، لكنه حُوّل لاحقاً إلى مستوصف لم يحقق أي استفادة مرجوّة. ويشير الأهالي إلى أن "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" تشترط على الموظفين الجُدد تقديم وثيقة تبرع بالدم، حيث يُسحب الدم في مستشفى "الشهيد خبات" بالقامشلي، ويُستخدم داخلياً أو في بعض الحالات الإسعافية. أما المستشفيات الخاصة وباقي المراكز الصحية في المدينة، فلا يتوفر فيها بنك دم رسمي، وفق شهادات الأهالي، الذين يرَون في ذلك "تقصيراً كبيراً يعرّض الأرواح للخطر".
ويقول محمود موسى، من سكان القامشلي، لـ"العربي الجديد"، إنه اضطر إلى تأمين وحدة دم لابنه قبل نقله إلى المستشفى لعدم توفر الدم في المراكز الصحية. ويشير إلى أن المريض غالباً ما يفقد كميات كبيرة من الدم قبل وصوله إلى المستشفى، ما يدفع بذويه إلى إجراء اتصالات مكثفة مع الأقارب والأصدقاء، وإطلاق مناشدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ويضيف موسى: "بنك الدم كان في السابق يوفر مختلف الزمر الدموية (فئات الدم) بشكل أفضل. نأمل عودته بكامل طاقته لخدمة المواطنين وتلبية احتياجاتهم الطبية".
يروي عبد الله موسى، من القامشلي أيضاً، معاناته في تأمين وحدات الدم لوالده المصاب بداء السكري، ويقول لـ"العربي الجديد": "احتجنا إلى ثلاث وحدات دم بشكل عاجل، لكننا لم نجدها في المستشفيات والمختبرات. اضطررنا إلى اللجوء لوسائل التواصل الاجتماعي، واستغرق الأمر أربع ساعات حتى تمكن متبرّعون من توفير الدم المطلوب".
ويؤكد نائب مدير المستشفى الوطني في القامشلي، فرات مقدسي، أن "بنك الدم في المدينة مغلق أمام المواطنين منذ العام 2011، بعد اندلاع الثورة السورية بقليل، أي منذ 14 عاماً ونصف العام، أو ما يقارب 15 عاماً، حيث جرى نقله بعد الثورة إلى المربع الأمني في مدينة الحسكة، وخُصّص فقط لعناصر ميليشيا الدفاع الوطني التابعة للنظام السوري المخلوع. وبعد التحرير وسقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024 أُغلق بنك الدم بشكل كامل".
ويقول المخبري شيندار محمد، من مدينة عامودا في محافظة الحسكة، شمال شرقي سورية، إن مهمة بنك الدم هي تأمين أكياس الدم للمرضى الذين يحتاجون إلى عمليات جراحية أو ضحايا الحوادث والإصابات أو مرضى الثلاسيميا والقصور الكلوي. ويضيف لـ"العربي الجديد": "لكن بنك الدم في القامشلي أُغلق بشكل كامل منذ سقوط نظام الأسد، وكان من المفترض أن يُعاد افتتاحه، لكن ذلك لم يحدث بسبب توقف رواتب الموظفين التابعين للدولة وعدم التحاقهم بالدوام".
ويشير محمد إلى أن مركز التبرع بالدم في مدينة عامودا افتُتح عام 2015 بعد موافقة هيئة الصحة، وكان الهدف منه تلبية حاجات المرضى لوحدات الدم، بشكل منظم وآمن. ويتابع: "يقدم المركز تحاليل شاملة لكل متبرّع بشكل مجاني، مع العلم أن بعض هذه التحاليل غير متوفر حتى في القطاع الخاص بسبب كلفته المرتفعة والتي تقارب 500 ألف ليرة سورية (نحو 43 دولاراً أميركياً)".
تتوزع مراكز بنك الدم حالياً في كل من عامودا، المالكية، الحسكة، الرقة، وعين العرب (كوباني)، وتعمل تحت إشراف "الإدارة الذاتية". ويزوّد مركز عامودا مستشفيات المنطقة بالدم، بما فيها القامشلي والدرباسية. وتخضع كل وحدة دم لخمسة تحاليل أساسية لضمان سلامتها، تشمل فحص الزمرة الدموية، وفيروس التهاب الكبد الوبائي، وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، وفيروسات أخرى. وتُحفظ الأكياس في البرادات لمدة تصل إلى 35 يوماً، لكن غالباً ما تُستهلك خلال يومين أو ثلاثة أيام، بسبب الحاجة المتزايدة. غير أن مركز عامودا يعاني من مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، ما يؤدي أحياناً إلى تلف وحدات الدم المخزنة. الأمر الذي دفع القائمين عليه إلى مناشدة الجهات المعنية وأصحاب المبادرات الإنسانية لتزويده بألواح طاقة شمسية أو تقديم دعم مباشر لضمان استمرارية الخدمة.
ويحذّر أطباء ومخبريون من أن غياب بنك دم في القامشلي يمثل "مسؤولية إنسانية ووطنية من الدرجة الأولى، حيث إنّ استمرار الأزمة قد يؤدي إلى تفشّي الأمراض المعدية وإلى ارتفاع معدلات الوفيات".