السعودية 2018... انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان

السعودية 2018... انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان

04 يناير 2019
المرأة بالملاعب لكنّ الانتهاكات أكبر (فايز نورالدين/ فرانس برس)
+ الخط -


انعكست تناقضات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد، في سياساته الخارجية والداخلية، والتعامل مع الملفات الطارئة، على الحالة الحقوقية للمملكة ومواطنيها في عام 2018

بينما شهدت حقوق الإنسان في السعودية بعض بوادر التحسن في مستهل عام 2018 في ملفات معينة أبرزها ملف المرأة، فإنها سرعان ما ستنكص وتعرف تدهوراً كبيراً في الحريات والحقوق السياسية والمعيشية، بالإضافة إلى مقتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي في داخل القنصلية السعودية في إسطنبول والذي مثّل ضربة قاضية لسجل البلاد الحقوقي، وجعل المملكة دولة مارقة دولياً.

في حقوق المرأة، بدأت السلطات السعودية رسمياً بالسماح للنساء بقيادة السيارة للمرة الأولى في تاريخ البلاد في شهر يونيو/ حزيران الماضي لكنّ السماح بالقيادة اصطدم بقيود مفتعلة عدّة من قبل السلطات، أبرزها قلة مدارس تعليم القيادة، خصوصاً بعد اشتراط السلطات على أيّ امرأة تريد الحصول على رخصة أن تتجاوز الاختبارات العملية والنظرية فيها.

لم تقتصر الصعوبات على قلة مدارس التعليم التي تمركزت في خمس مدن رئيسة في البلاد فقط، بل تجاوزتها إلى الأسعار المرتفعة في هذه المدارس والتي تصل إلى ألفَين و550 ريالاً سعودياً (نحو 680 دولاراً أميركياً) للطالبة الواحدة، ما فتح باب التساؤل حول السبب الذي دفع السلطات السعودية للسماح للمرأة بالقيادة، مع اقتراح أنّ ذلك هو رغبة في الحصول على أكبر قدر من الأموال منهنّ.

وأعلنت السلطات السعودية للمرة الأولى السماح للمرأة بالعمل في بعض الوظائف الأمنية كجهاز الشرطة وحرس الحدود وفق شروط أبرزها الالتزام باللباس الشرعي وحسن السيرة والسلوك وعدم وجود قضايا تخلّ بالشرف والأمانة في سجل المتقدمة. كذلك، نظمت هيئة الرياضة للمرة الأولى ماراثوناً للنساء في مدينة الإحساء، شرقي البلاد، شاركت فيه أكثر من 1500 امرأة. وسمحت هيئة الرياضة أيضاً للنساء بدخول ملاعب كرة القدم للمرة الأولى في تاريخ البلاد والمشاركة في تشجيع أنديتهن المحلية المفضلة.

مدارس تعليم القيادة قليلة جداً (شون غالوب/Getty) 


على الصعيد القانوني، سمحت السلطات للمرأة باستصدار رخصة تجارية، من دون الحصول على موافقة ولي الأمر. كذلك، أعطت حق الحضانة للمرأة المطلقة تلقائياً ما لم تنازع من قبل طليقها أو أحد الأطراف المحسوبة عليه.

اعتقالات

لكنّ السلطات السعودية بدأت، قبل شهر ونصف من تطبيق قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، حملة عنيفة ضد عشرات الناشطات الحقوقيات والنسويات والناشطين المؤيدين لهنّ، في محاولة منها للحدّ من شعبيتهنّ ومنعاً لهنّ من اعتبار قرار السماح للقيادة بأنّه انتصار على الحكومة.

اعتقلت السلطات الناشطة النسوية الشهيرة لجين الهذلول، والأكاديمية المرموقة عزيزة اليوسف، والأكاديمية إيمان النفجان، بالإضافة إلى مستشار مجلس الوزراء القانوني السابق ومحامي حركة الحقوق المدنية "حسم" إبراهيم المديميغ، والناشطَين محمد الربيعة وعبد العزيز المشعل، بتهمة التواصل مع جهات أجنبية مشبوهة. يُذكر أنّه في 24 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أعلن حساب "معتقلي الرأي" على "تويتر" إطلاق سراح المديميغ بعد "تدهور شديد في صحته". كذلك، اعتقلت السلطات ناشطات نسويات أخريات، من بينهنّ ولاء آل شبر وسمر بدوي ونسيمة السادة، كما اعتقلت الناشطة في مجال رفض التطبيع نهى البلوي قبل الإفراج عنها.

لم تكتفِ السلطات السعودية باعتقال الناشطات النسويات وعدم عرضهنّ على المحاكم، بل امتد الأمر إلى تعذيبهنّ نفسياً وجسدياً وفق ما ذكرت وكالة "رويترز". وشرحت الوكالة أنّ بعض الناشطات المعتقلات تعرّضن للاعتداء الجنسي والصعق بالكهرباء على يد فريق من المحققين تابع لـ "الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز" والذي يقوده المستشار السابق في الديوان الملكي والمطرود على خلفية قضية مقتل الكاتب الصحافي جمال خاشقجي المستشار سعود القحطاني. وأكدت الوكالة أنّ القحطاني حضر استجواب واحدة منهنّ على الأقل، وما زالت الناشطات معتقلات حتى الآن في منشآت مجهولة داخل البلاد.



تسببت هذه الاعتقالات في إدانات واسعة من المنظمات الدولية، وكذلك في توتر تاريخي في العلاقات بين كندا والسعودية حينما طالبت السفارة الكندية في السعودية في أغسطس/ آب الماضي الحكومة بالإفراج الفوري عن المعتقلات، وهو ما أدى إلى سحب السعودية سفيرها من كندا وطرد السفير الكندي في الرياض، كما أوقفت التعاملات الدبلوماسية والتجارية كافة بين البلدَين، ثم أصدرت أوامر لآلاف الطلاب السعوديين في كندا بالعودة إلى السعودية أو تغيير وجهتهم الدراسية.

رفض مئات الطلاب السعوديين العودة إلى البلاد أو تغيير وجهاتهم الدراسية في الخارج خصوصاً الأطباء والاستشاريين الذين قالوا إنّ عودتهم تعني تضييع سنواتهم الدراسية التي أمضوها في كندا هباء. وفضل كثيرون منهم تقديم لجوء سياسي في كندا على العودة إلى المملكة.

في السياق نفسه، أجبرت السلطات السعودية الممثل الكوميدي، فهد البتيري، على تطليق زوجته الناشطة المعتقلة، لجين الهذلول، وفق ما ذكرت مصادر متعددة لـ"العربي الجديد". وأجبر البتيري الذي تزوج الهذلول بعد قصة حب مشهودة في الوسط الاجتماعي السعودي في عام 2014 على تطليق زوجته بأوامر من المستشار سعود القحطاني الذي خيّره ما بين حريته مع تطليق زوجته وبين استمرار زواجه من الهذلول واعتقاله، ما أدى بالبتيري إلى تطليق زوجته والرحيل عن البلاد لفترة مؤقتة خوفاً من غضب السلطات. وأوردت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أنّ البتيري اختطف في الأردن، وأعيد إلى الرياض قسراً، لكنّ أحد مصادر "العربي الجديد" أكد أنّه أعيد إلى بلاده بطريقة نظامية، قبل إجباره على تطليق لجين، ثم غادر البلاد مجدداً، ولم يصدر عنه أيّ تصريح منذ مغادرته.

تعديل المناهج في عهد سلمان وابنه (Getty) 


الولاية

في الوقت نفسه، ما زالت أعمال العنف الأسري في ظل عدم وجود قانون رادع لها، منتشرة. وما زال العنف قائماً ضد المرأة في دور الرعاية التي تحتجز السجينات السعوديات السابقات اللواتي يرفض أهلهنّ استلامهنّ بعد انتهاء محكوميتهنّ بحجة العار. ولا يسمح القانون السعودي للمرأة بالخروج من السجن بعد انتهاء محكوميتها إلاّ بوجود ولي "ذكر" وفق قانون الولاية.

وهكذا ما زال قانون الولاية على المرأة سارياً على الرغم من مطالبات المرأة السعودية المستمرة بإسقاطه، ومشاركتها في حملة "سعوديات مع إسقاط الولاية" منذ أكثر من سنتَين. ويسمح القانون للرجل السعودي بالتحكم في حياة زوجته أو ابنته أو أمّه في حال غياب والده، وفرض وصاية عليها والتحكم في دراستها وعملها وخروجها من المنزل وسفرها، وهو أمر أكد ولي العهد محمد بن سلمان في مقابلة له مع مجلة "أتلانتيك" أنّ التعديل فيه "لن يكون سهلاً".

كذلك، ازداد ملف المختفين قسرياً في السعودية غموضاً، وما زال مصير نجل العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، أمير الرياض الأسبق، تركي بن عبد الله، مجهولاً بعد اعتقاله في حملة "ريتز كارلتون" التي شنّها ولي العهد محمد بن سلمان ضد رجال الأعمال والأمراء في البلاد. كذلك، ما زالت الأخبار مقطوعة عن المئات من الناشطين السياسيين وعلماء الدين والمفكرين والناشطات النسويات، مع شائعات حول موت بعضهم وتدهور صحة البعض الآخر.



من جهة أخرى، تستمر السلطات السعودية في تسييس الحج، ومنع الحجاج القطريين من زيارة بيت الله الحرام، كما تستمر في منع المئات من المفكرين والناشطين السياسيين الخليجيين من الحج وأبرزهم القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور الكويتي طارق السويدان، والدكتور حامد العلي، والناشط السياسي حجاج العجمي، وعشرات الأكاديميين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين حول العالم.

تمييز تعليمي

في التعليم، واصلت السلطات السعودية حملتها العنيفة ضد المدرّسين المنتمين إلى تيار الصحوة، أكبر التيارات الدينية في البلاد، إذ إنّها فصلت عشرات المدرّسين والأساتذة في المدارس والجامعات بحجة "التأثر بأفكار جماعات محظورة ومصنفة إرهابية، ومنها جماعة الإخوان المسلمين"، وكذلك تشكيل لجنة خاصة "لاختبار" قيادات وزارة التعليم والتأكد من خلفياتهم الفكرية.

وأعلن وزير التعليم أحمد العيسى عن حملة شاملة لتطهير المناهج ممّا وصفه بتوغّل الإخوان المسلمين فيها، وإعادة صياغة هذه المناهج وحذف بعض القضايا الإسلامية والعربية منها، بينما أصدر أوامره للمكتبات المدرسية بمنع الكتب المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين وسحب الكتب الموجودة هناك لرموز الجماعة.



كذلك، استمرت الانتهاكات السعودية ضد مئات الآلاف من "الزائرين" وهي تسمية تلطيفية تطلقها السلطات السعودية على المواطنين اليمنيين والسوريين، والذين يعيشون كلاجئين من دون حقوق لجوء في البلاد. وعمّمت وزارة التعليم السعودية قراراً يقضي بمنع المتعلمين (تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات) السوريين واليمنيين الذي يحملون تأشيرات دخول مؤقتة بصفة الزيارة، وتطلق عليهم صفة "زائرين"، من الدراسة المجانية في المدارس والجامعات الحكومية وبقصر دراستهم على القطاع الخاص، على نفقتهم الخاصة بشروط قاسية وشديدة قد تمنع الآلاف من استكمال تعليمهم.

وكانت السلطات السعودية قد أصدرت قراراً في عام 2012 بقبول جميع المتعلمين السوريين في التعليم العام "تقديراً للظروف التي يمرون بها في بلدهم"، كذلك قررت في عام 2015 قبول جميع المتعلمين اليمنيين الذين يحملون تأشيرات الزيارة بسبب الحرب الطاحنة في بلدهم، من دون التقيّد بنسبة 15 في المائة الخاصة بالمتعلمين الأجانب المعهودة في النظام التعليمي السعودي. لكنّ وقف هذا القرار ابتداءً من عام 2018 أصاب كثيراً من عائلات التلاميذ بالذهول، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف الإقامة ورفع الرسوم والضرائب وزيادة أعباء المعيشة، بالإضافة إلى حظر العمل على الوافدين في أكثر من 19 وظيفة يعمل فيها اليمنيون غالباً.