يونيسف: إسرائيل ألحقت أضراراً كارثية بحياة أطفال لبنان في حربها الأخيرة

28 فبراير 2025
وسط الدمار الذي خلّفته إسرائيل في صور جنوبي لبنان، 27 نوفمبر 2024 (كورتني بونّو/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تقرير اليونيسف يبرز الأضرار الكارثية على أطفال لبنان بسبب الحرب الإسرائيلية، مع تدهور الصحة النفسية وسوء التغذية وفقدان التعليم، مما يستدعي دعماً عاجلاً.
- 51% من الأطفال دون الثانية في مناطق مثل بعلبك-الهرمل يعانون من فقر غذائي حاد، مع تأثيرات سلبية على النمو والتطور المعرفي، وزيادة خطر سوء التغذية الحاد.
- الحرب فاقمت أزمة التعليم، مع وجود أكثر من 500 ألف طفل خارج المدرسة، مما يتطلب دعماً دولياً لإعادة بناء البنية التحتية التعليمية.

بعد ثلاثة أشهر من دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في لبنان، أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تقريراً تناولت فيه أحوال أطفال لبنان بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ولا سيّما ما يتعلّق بالتراجع المسجّل لديهم على صعيد الصحة النفسية، وكذلك في مجالَي التغذية والتعلّم، علماً أنّ خروقات إسرائيل ما زالت مستمرّة حتى اللحظة. وكشف التقرير الأممي الصادر اليوم الجمعة أنّ الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان ألحقت "أضراراً كارثية بحياة الأطفال، ما زالت آثارها تتردّد حتى بعد دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.

"من خسارة التعليم إلى الصدمات العاطفية... أطفال لبنان يقاسون ما لا يمكن تخيّله". بهذا مهّدت منظمة يونيسف، أمس الخميس، لتقريرها الصادر اليوم حول الآثار التي خلّفتها الحرب الإسرائيلية على اللبنانيين الصغار. وفي التقرير، حذّرت الوكالة التابعة للأمم المتحدة من أنّ "أطفال لبنان أكثر عرضة للخطر من أيّ وقت مضى"، وسلّطت الضوء على تأثير الأذى الجسدي والصدمات النفسية وفقدان التعلّم وسوء التغذية على صحّة أطفال لبنان ونموّهم، مشيرةً إلى "طفولة مدمّرة".

وأكدت منظمة يونيسف أنّ الحرب المدمّرة أجبرت أطفال لبنان على الفرار من منازلهم، وألحقت أضراراً جسيمة بالمرافق التي توفّر لهم الخدمات الأساسية، وتسبّبت في معاناة جسدية ونفسية لدى هذه الفئة في كلّ أنحاء البلاد. وقال ممثّل المنظمة لدى لبنان أكيل أيّار إنّ الحرب تركت "أثراً صادماً على الأطفال"، شارحاً انّها "طاولت كلّ جوانب حياتهم؛ صحتهم وتعليمهم ومستقبلهم بأسره". وشدّد على أنّ "أطفال لبنان يحتاجون إلى دعم عاجل للتعافي وإعادة بناء حياتهم والتغلب على التداعيات طويلة الأمد لهذه الأزمة".

يُذكر أنّ آلة الحرب الإسرائيلية، إن لم تستهدف مباشرة الأطفال بغاراتها، فقد هجّرتهم من بيوتهم ومناطقهم وحرمتهم من بيئاتهم، فيما تقصّدت ترويع جميع الصغار اللبنانيين من خلال تحليق مسيّراتها الزنّانة حتى في المناطق التي لا تدخل في نطاق عملياتها العسكرية المباشرة، ومن خلال خرق مقاتلاتها جدار الصوت في الأجواء اللبنانية كافة، وكذلك تعطيل العملية التعليمية أو إرباكها على أقلّ تقدير على امتداد مساحة البلاد.

والحرب الإسرائيلية التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 غداة "طوفان الأقصى" في قطاع غزة، تركّزت في المناطق الجنوبية الحدودية مع فلسطين المحتلة على مدى أشهر، قبل أن تتوسّع وتشتدّ حدّتها في سبتمبر/ أيلول 2024 فتطاول مناطق غير حدودية في محافظتَي الجنوب والنبطية، وكذلك مناطق شرقي لبنان في محافظتَي بعلبك-الهرمل والبقاع، بالإضافة إلى الضاحية الجنوبية في بيروت وصولاً إلى قلب العاصمة، مع العلم أنّ العدوان الإسرائيل لم يوفّر المناطق اللبنانية الأخرى وقد استهدف شمالي البلاد ووسطها وغيرهما.

وكان استطلاع أجرته منظمة يونيسف في يناير/ كانون الثاني 2025 قد بيّن أنّ 72% من مقدّمي الرعاية أفادوا بأنّ أطفالهم كانوا يعانون من القلق أو التوتر خلال الحرب، فيما أفاد 62% منهم بأنّ أطفالهم كانوا حزينين جداً أو مكتئبين. ويمثّل هذا ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بالبيانات المسجّلة قبل الحرب في عام 2023. أضافت المنظمة أنّ على الرغم من أنّ ثمانية من كلّ عشرة مقدّمي رعاية أشاروا إلى تحسّن في صحة أطفالهم النفسية بعد وقف إطلاق النار، فإنّ الأطفال الذين تعرّضوا لفترات طويلة من التوتّر والصدمات النفسية قد يواجهون تداعيات صحية ونفسية ترافقهم مدى الحياة.

51% من أطفال لبنان دون الثانية يعانون من فقر غذائي حاد في الشرق

ووفقاً لتقييم منظمة يونيسف، المستند إلى استطلاعها المشار إليه، فإنّ ثمّة "صورة مقلقة لوضع تغذية الأطفال"، ولا سيّما في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مثل محافظتَي بعلبك-الهرمل والبقاع شرقي لبنان، اللتَين تعرّضتا لضربات جوية إسرائيلية متكرّرة. ففي بعلبك-الهرمل، يعاني أكثر من نصف الأطفال دون سنّ الثانية (51%) من فقر غذائي حاد، فيما ارتفعت النسبة في البقاع إلى 45%، وذلك في زيادة كبيرة مقارنة بنسبة 28% المرصودة في عام 2023. ويُعَدّ الأطفال في "حالة فقر غذائي حاد" في حال كانوا يستهلكون اثنتَين أو أقلّ من ثماني مجموعات غذائية أساسية لنموّهم وسلامتهم.

ولفتت منظمة يونيسف إلى أنّ الأزمة لا تقتصر على الرضّع وصغار الأطفال فحسب. فقد أظهر التقييم الذي أعدّته أنّ 49% من الأطفال دون 18 عاماً في محافظة البقاع و34% في محافظة بعلبك-الهرمل لم يتناولوا أيّ طعام أو تناولوا وجبة واحدة فقط في اليوم السابق للاستطلاع. وعلى الصعيد الوطني، بلغت النسبة 30%. وشدّدت المنظمة على أنّ التغذية غير الكافية وتكرار الوجبات ذات القيمة الغذائية المنخفضة يؤثّران على نموّ الأطفال وتطوّرهم المعرفي، ويزيدان من خطر إصابتهم بسوء التغذية الحاد الذي قد يهدّد حياتهم.

تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة يونيسف كانت قد أصدرت في يونيو/ حزيران 2023 تقريراً حول أطفال لبنان وسط أزمات البلاد، شدّدت فيه على وجوب اتّخاذ إجراءات عاجلة من أجل منع الفقر الغذائي لدى الأطفال من أن يرخي بظلاله القاتمة على مستقبل هؤلاء الصغار. وقد وقّع هذا التقرير وزير الصحة العامة اللبناني السابق فراس أبيض وممثّل منظمة يونيسف في لبنان حينها إدوارد بيغبيدير. وأوضح أبيض وبيغبيدير، في التقرير، أنّ "أكثر من أربعة أعوام مرّت على بداية الأزمة الاقتصادية الحادة التي ضربت لبنان (2019) جعلت أكثرية الأسر في البلاد تكافح بكلّ قواها من أجل توفير سبل البقاء، مع ما يترتّب على ذلك من آثارٍ كارثية على تغذية الأطفال وأنظمتهم الغذائية، والأضرار الناتجة عن ذلك في رفاههم ونموّهم وبقائهم على قيد الحياة".

في سياق متصل، أفادت نائبة ممثل منظمة يونيسف في لبنان إيتي هيغينز، اليوم الجمعة، بأنّ تخفيض المساعدات الأميركية الخارجية، التي أمر بها الرئيس دونالد ترامب منذ تسلّمه ولايته الثانية في البيت الأبيض في 20 يناير 2025، أثّر على عدد كبير من برامج منظمتها في لبنان، حيث يعاني أكثر من نصف الأطفال دون سنّ الثانية من فقر غذائي حاد في شرق البلاد. وبيّنت هيغينز، في تصريح أمام الصحافيين في جنيف، عبر رابط من بيروت بحسب وكالة رويترز: "اضطررنا إلى تعليق أو تقليص أو تخفيض كثير من برامجنا بصورة كبيرة، علماً أنّ "هذا يشمل البرامج التي تُعنى بالتغذية".

أكثر من 500 ألف من أطفال لبنان خارج المدرسة

وفي تقريرها الأخير الصادر اليوم 28 فبراير 2025، أكدت منظمة يونيسف أنّ الحرب الإسرائيلية الأخيرة "فاقمت أزمة التعليم في لبنان" التي تترجَم بـ"أكثر من 500 ألف طفل خارج المدرسة بسبب آثار الأزمة الاقتصادية وإضرابات المعلّمين وتأثير جائحة كورونا". فقد دمّرت الحرب عدداً من المدارس وألحقت ضرراً شديداً بمدارس أخرى، فيما حُوّلت مئات المدارس إلى مراكز نزوح لإيواء أعداد من النازحين الذين بلغ عددهم الإجمالي نحو 1.3 مليون شخص. واليوم، على الرغم من وقف إطلاق النار، ما زال الحضور المدرسي منخفضاً، بحسب الوكالة التابعة للأمم المتحدة، إذ إنّ أكثر من 25% من الأطفال كانوا لا يزالون خارج المدرسة عند إجراء المسح في يناير الماضي، مقارنة بنحو 65% خلال الحرب.

من جهة أخرى، بيّنت منظمة يونيسف أنّ لا قدرة لكثيرين من أطفال لبنان على الذهاب إلى المدرسة بسبب العوائق المالية. ووفقاً لثلثَي الأسر التي أخرجت أطفالها من المدرسة، فإنّ السبب يعود إلى ارتفاع الرسوم واللوازم المدرسية وتكاليف النقل، علماً أنّ النسبة تأتي مضاعفة بالمقارنة مع عام 2023.

ومن النتائج المقلقة الأخرى التي كشفها تقييم منظمة يونيسف، ذكر تقريرها اليوم أنّ 45% من الأسر اضطرّت إلى تقليص الإنفاق على الخدمات الصحية و30% على التعليم، من أجل تأمين احتياجاتها الأساسية. كذلك، فإنّ 31% من الأسر لم تكن تملك ما يكفي من مياه للشرب عند إجراء الاستطلاع، 33% لم تتمكّن من الحصول على الأدوية اللازمة لأطفالها. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ 22% من الأسر لم تكن تملك أيّ وسيلة تدفئة للوقاية من البرد في فصل الشتاء.

وإذ أكّدت منظمة يونيسف أنّ "لبنان يواجه تحديات هائلة في التعافي من آثار الحرب والاضطرابات السياسية والاقتصادية المستمرّة منذ سنوات"، أشارت إلى أنّها ملتزمة بمواصلة دعم جهود التعافي وإعادة الإعمار بعد تقديمها الدعم لأطفال لبنان خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة. وقال أكيل أيّار إنّ البيانات التي توفّرها منظمته "دليل قاطع على الحاجة الملحّة إلى التحرك فوراً"، مشيراً إلى "وجوب أن يتلقّى لبنان الدعم اللازم لإعادة بناء البنية التحتية والخدمات الأساسية، وضمان مستقبل أفضل للأطفال". وشدّد المسؤول الأممي على أنّ "في هذه اللحظة الحرجة والمصيرية من تاريخ لبنان، لا يمكننا الانتظار"، داعياً "كلّ الأطراف إلى الالتزام بشروط وقف إطلاق النار، والعمل مع المجتمع الدولي للحفاظ على السلام الدائم وتأمين مستقبل مشرق للأطفال. كذلك ندعو الحكومة الجديدة إلى إعطاء الأولوية لحقوق الأطفال واحتياجاتهم من ضمن أجندة الإصلاح والتعافي".

وختمت منظمة يونيسف تقريرها بالتأكيد أنّ "الحاجة ملحّة لدعم مستدام (للبنان) في هذه الأوقات الحرجة"، وذلك "نظراً إلى تعقيدات الأزمة الحالية وتأثيرها طويل الأمد على الأطفال". ودعت المجتمع الدولي إلى الوقوف إلى جانب أطفال لبنان ضحايا الحرب الإسرائيلية الأخيرة والأزمات في البلاد، والمساهمة في نداء الاستجابة لعام 2025 بقيمة 658.2 مليون دولار أميركي من أجل توفير مساعدات منقذة للحياة تستهدف 2.4 مليون شخص في كلّ أنحاء البلاد.

المساهمون