يوميات أهالي غزة... أزمة شحن الهواتف وبطاريات الإنارة

16 فبراير 2025
نقاط الشحن محدودة في غزة، 17 يناير 2024 (عبد زقوت/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني سكان غزة من أزمة كهرباء حادة تفاقمت بسبب المنخفض الجوي، مما جعل شحن الهواتف والبطاريات مهمة شاقة ومكلفة، مع تراجع فعالية ألواح الطاقة الشمسية.
- أطلقت شركة الكهرباء نداء استغاثة للمجتمع الدولي لتوفير المعدات اللازمة لإعادة تشغيل الشبكات، حيث أثر الانقطاع المستمر على القطاعات الأساسية مثل الصحة والتعليم.
- يواجه السكان استغلالاً من بعض أصحاب نقاط الشحن بزيادة الأسعار، ويأملون في إدخال ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات لتحسين الوضع المعيشي.

تعمّقت معاناة فلسطينيي قطاع غزة في ظلّ المنخفض الجوي الذي يضرب قطاع غزة منذ عشرة أيام متواصلة، ما يجعل مهمة شحن الهواتف وبطاريات الإنارة مهمة يومية شاقة، فضلاً عن ارتفاع كلفة الشحن.

رغم سريان وقف إطلاق النار، لا يزال أهالي قطاع غزة مضطرين إلى استخدام ألواح الطاقة الشمسية لتوفير احتياجاتهم من الطاقة، وعلى رأسها شحن أجهزة الاتصالات مثل الهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر اللوحية، وكذا البطاريات المخصصة لتوفير الإنارة، نتيجة قطع جيش الاحتلال كل مصادر الكهرباء عن القطاع، ومنعه الوقود عن محطة توليد الطاقة الكهربائية الوحيدة.
وبات شحن الهواتف والبطاريات، خصوصاً بطاريات الإنارة، مهمة صعبة تستغرق الكثير من الوقت يومياً، في ظل استمرار المنخفض الجوي وغياب أشعة الشمس التي تُعد المصدر الأساسي لمصادر الطاقة البديلة، ما يُعطل كثيرين عن أداء المهام المطلوبة منهم، ومن بينهم الطلبة والعاملون عبر الإنترنت وأفراد القطاع الصحي وغيرهم من العاملين في القطاعات الحيوية.
ومنذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية، شدد جيش الاحتلال حصاره على القطاع، ما جعله يغرق في ظلام دامس طيلة 15 شهراً، ولم يختلف الوضع كثيراً بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، إذ لا يزال الاحتلال يحكم سيطرته على المعابر، ويمنع وصول الكهرباء إلى القطاع.

وجهت شركة توزيع كهرباء غزة نداء استغاثة لتوفير المعدات والآليات

وأطلقت شركة توزيع الكهرباء في قطاع غزة نداء استغاثة عاجل إلى المجتمع الدولي والأطراف ذات العلاقة كافة، مطالبة بضرورة توفير المعدات والآليات التي تحتاجها لإعادة تشغيل شبكات توزيع الكهرباء في القطاع، وتغذية المرافق الحيوية والأساسية.
يعمل الفلسطيني عبد القادر جبر (40 سنة) في إحدى المؤسسات الدولية العاملة في غزة، وقد تحول شحن الهاتف المحمول إلى مهمة يومية شاقة بالنسبة له في ظل استمرار المنخفض الجوي، إذ يمضي وقتاً طويلاً في البحث عن مكان لشحن هاتفه، ويضطر إلى قطع مسافات بعيدة عن منزله في حي الشيخ رضوان شمال غربي مدينة غزة.
يقول جبر لـ "العربي الجديد": "المهام الملقاة على عاتقي تتطلب مني إنجاز العمل إلكترونياً يومياً، وإرساله إلى إدارة المؤسسة، لكن عدم توفر الشحن في هاتفي المحمول أو الحاسوب يُعيق تنفيذ ذلك، ويستغرق مني وقتاً أطول لإنجاز العمل. أبحث عن مكان لشحن الهاتف، وقد يستغرق ذلك عدة ساعات، وينتهي الدوام في كثير من الأيام من دون تسليم المهام المطلوبة، في حين أن إدارة المؤسسة تُطالبني بضرورة إنجاز العمل. أعيش مأزقاً كبيراً في ظل عدم توفر الطاقة الشمسية أو البطاريات، ما يجعل إمكانية شحن الهواتف غير متوفرة في البيوت".
ويروي أن "استمرار هذا الواقع الصعب يهدد استمراري في العمل، ويُضاف إلى ذلك استغلال بعض أصحاب نقاط الشحن لحاجة المواطنين، إذ يرفعون أسعار الشحن، حتى أصبح عليّ دفع نحو أربعة شواكل (1.13 دولار أميركي) لشحن هاتف واحد". 

يعطل غياب الكهرباء مهام حياتية عدة. 31 أكتوبر 2023 (محمد عابد/فرانس برس)
يعطل انقطاع الكهرباء مهام حياتية عدة. 31 أكتوبر 2023 (محمد عابد/فرانس برس)

بدوره، بات طالب الثانوية العامة "التوجيهي"، وسام صالح (17 سنة) يخشى على مُستقبله العلمي، بعدما تحوّل إلى التعليم الإلكتروني في أعقاب تعطيل العملية التعليمية نتيجة الحرب الإسرائيلية التي أدت إلى تدمير مئات المدارس في مختلف محافظات القطاع.
يقول صالح لـ "العربي الجديد": "أعتمد في دراستي على الهاتف المحمول، إذ أقوم بتحميل الدروس عبر الإنترنت، ويتطلب الأمر بقاء الهاتف مشحوناً، وهذا أصبح أمراً صعباً، خصوصاً في أيام المنخفض الجوي. أضطر لقطع مسافات طويلة للبحث عن مكان لشحن هاتفي المحمول من أجل استكمال دراستي، لكن أحياناً ينتهي بحثي من دون فائدة، وفي إحدى المرات ظل الهاتف مغلقاً لأكثر من ثلاثة أيام نتيجة عدم توفر مصدر للشحن، لذا أصبحت قلقاً نتيجة تراكم الدروس التعليمية المطلوب مني مراجعتها، وتتزايد مخاوفي مع الحديث عن عقد الاختبارات النهائية إلكترونياً في شهر يونيو/ حزيران القادم".
يقطن الفلسطيني شادي عايش (42 سنة) في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، وهو يقطع مسافة تبلغ عدة كيلومترات حاملاً البطارية الخاصة بإنارة "الليدات" في المنزل، بحثاً عن أي محل لشحنها، وقد باءت هذه المحاولات بالفشل مرات عدة خلال فترة المنخفض الجوي.
يروي عايش لـ "العربي الجديد"، أنه فوجئ باستغلال بعض أصحاب نقاط الشحن لحاجة المواطنين، إذ يطلبون تكلفة مالية عالية مقابل خدمة الشحن، وأحياناً تصل قيمة شحن البطارية الواحدة إلى ستة شواكل (1.7 دولار أميركي)، ما يزيد من الأعباء المالية والمعيشية على عاتقه، خاصة أن بطارية واحدة لا تكفي احتياجات عائلته.
ومع استمرار سريان اتفاق وقف إطلاق النار، يأمل عايش أن يُسمح بإدخال ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات والمعدات اللازمة لمد خطوط شبكات الكهرباء والإنترنت في قطاع غزة، ويؤكد أن ذلك وحده كفيل بإنهاء هذه المعاناة اليومية الكبيرة.

بدأت أزمة شحن البطاريات مع اندلاع العدوان. 20 أكتوبر 2023 (عبد زقوت/الأناضول)
بدأت أزمة شحن البطاريات مع اندلاع العدوان. 20 أكتوبر 2023 (عبد زقوت/الأناضول)

لا يختلف حال الطالبة الجامعية أمل محمد (20 سنة)، والتي تعاني يومياً لشحن هاتفها المحمول لدى النقاط التي تعمل على الطاقة الشمسية، خصوصاً وأنها تتجهز لتقديم الاختبارات الجامعية عبر الإنترنت. تقول لـ "العربي الجديد": "إن المنخفض الجوي زاد معاناتنا في قطاع غزة، وبالكاد أستطيع شحن هاتفي، وقد أصبح هذا الأمر مهمة يومية تُضاف إلى سلسلة من المعاناة والأزمات التي تعصف بسكان القطاع".
تشتكي أمل أيضاً من ارتفاع كلفة الشحن، إذ يستغل أصحاب نقاط الشحن حاجة الطلبة والموظفين، وتصل الكلفة في بعض الأحيان إلى ثلاثة شواكل بمنطقة سكنها في حي الصفطاوي شمالي مدينة غزة.
يعيش الفلسطيني محمد أبو خالد (34 سنة) داخل خيمة نصبها على أنقاض منزله المدمر في حي الصفطاوي، وهو يعتمد في إنارة الخيمة على بطارية صغيرة الحجم وعدد قليل من "الليدات". ويقول لـ "العربي الجديد": "فاقم المنخفض الجوي المستمر منذ أكثر من تسعة أيام معاناتي في شحن البطارية، وأصبحت مضطراً للسير مسافاتٍ طويلة يومياً من أجل إيجاد مكان يوفر خدمة الشحن، وفي بعض الأيام تنتهي رحلة بحثي من دون العثور على مصدر شحن".
ويضيف: "عدم القدرة على شحن البطارية يجعلني أنام رفقة أطفالي الثلاثة داخل الخيمة من دون إضاءة، وقد قضينا سابقاً يومين متواصلين في ظلام دامس، ما يزيد حالة الخوف والقلق لدى الأطفال. وما يزيد الطين بلّة هو طلب أصحاب نقاط الشحن مبالغ كبيرة مقابل شحن البطارية، تصل أحياناً إلى ثمانية شواكل (2.25 دولار)، ولا أدري ما هو سبب هذا الاستغلال بينما نعيش جميعاً ظروفاً غاية في الصعوبة؟ ينبغي على الجهات الأممية والدولية الضغط على الاحتلال للسماح بإدخال ألواح الطاقة الشمسة والبطاريات، كي يتسنى لسكان القطاع العيش الآدمي، والحصول على بعض مقومات الحياة الأساسية".
من جانبه، يؤكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن الاحتلال يمنع إدخال مولدات الكهرباء أو قطع غيارها، أو ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات والأسلاك إلى القطاع، رغم أن هذا ضمن ما نصَّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم برعاية أميركية وقطرية ومصرية.

وكشفت شركة الكهرباء في قطاع غزة، في بيان، أن القطاع شهد انقطاعاً مستمراً للتيار الكهربائي على مدار أكثر من 15 شهراً، ما أدى إلى تداعيات خطيرة على كل جوانب الحياة، خاصة في القطاعات الأساسية مثل الصحة والمياه والتعليم والاتصالات، علماً أنه لغاية الآن لم تتوفّر أي من احتياجات قطاع توزيع الكهرباء العاجلة التي طالبت شركة توزيع الكهرباء بإدخالها لتوصيل الكهرباء إلى تلك المرافق.
وفصّل البيان حجم الأضرار والخسائر في ممتلكات شركة الكهرباء، إذ فقدت الشركة 80% من آلياتها ومركباتها متعددة المهام، وأكثر من 235 ألف عداد كهرباء، و70% من شبكات الكهرباء، إضافة إلى حرمان قطاع غزة من 1.6 مليار كيلوواط ساعة من الكهرباء، وأوضح البيان أن إعادة تأهيل تلك المرافق سوف يحتاج إلى الكثير من الوقت والمال والجهد.
تجدر الإشارة إلى أن أزمة الكهرباء متفاقمة في قطاع غزة منذ عام 2006، حينما قصفت طائرات الاحتلال محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، ما أدى إلى تدمير ستة محولات كهرباء بالكامل.

المساهمون