وصول قوافل المساعدات إلى السويداء.. خطوة حيوية في ظل أزمة النزوح

30 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 23:03 (توقيت القدس)
قافلة مساعدات إلى السويداء، 6 أغسطس 2025 (نور زيادة/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وصلت قافلة مساعدات إنسانية كبيرة إلى السويداء من دمشق، تضم 19 شاحنة محملة بالمواد الغذائية والطبية والوقود، لتخفيف الضغط على السكان المتضررين من النزوح، حيث نزح أكثر من 187 ألف شخص منذ يوليو.

- دخول القافلة عبر الطريق السريع من دمشق يمثل خطوة حيوية إنسانياً وخدمياً واقتصادياً، حيث تساعد الإمدادات في استمرار عمل المخابز والمرافق وتخفيف أزمة الوقود، مما يعيد للمحافظة شريان حياة يربطها ببقية سورية.

- إعادة فتح الطريق السريع بين السويداء ودمشق يعكس قدرة السلطات على ضبط الوضع الأمني وتسهيل وصول الدعم، مما يخفف الأزمات الإنسانية ويعيد للأهالي شعوراً بالارتباط بالمدن الكبرى.

وصلت قافلة مساعدات إنسانية إلى محافظة السويداء قادمة من دمشق، اليوم السبت، في خطوة وُصفت بأنها الأبرز منذ تصاعد الأحداث الأخيرة التي أدّت إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين جنوبي سورية. وضمت القافلة، التي نظّمتها وكالات تابعة للأمم المتحدة إلى جانب شركاء محليين ودوليين، 19 شاحنة محملة بالمواد الغذائية والطبية، ومستلزمات النظافة والوقود ومصابيح تعمل بالطاقة الشمسية، في محاولة لتخفيف الضغط المتزايد على السكان. 

وخلال مهمة التوزيع، أجرى موظفو الأمم المتحدة تقييماً ميدانياً في عدد من القرى الشمالية ومدينة صلخد جنوباً سعياً لتحديد أولويات التدخل في ظل أوضاع إنسانية متدهورة. حيث تشير تقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" إلى أنّ أكثر من 187 ألف شخص اضطروا للنزوح عن منازلهم منذ منتصف يوليو/تموز وحتى 25 أغسطس/آب، بعضهم توزع بين قرى في السويداء وأخرى في ريف درعا وعمق الجنوب السوري، ما أدى إلى تفاقم الاحتياجات الأساسية. وتفيد الأمم المتحدة بأن نحو 370 ألف شخص في السويداء ودرعا وريف دمشق تلقوا مساعدات إنسانية مختلفة خلال شهري يوليو وأغسطس، غير أنّ استمرار تدفق المساعدات يظل رهناً بعوامل أمنية ولوجستية معقّدة، في ظل مخاوف من أن يتجاوز الضغط الحالي قدرة وكالات الإغاثة على الاستجابة.

وقال مصدر مسؤول في محافظة السويداء لـ"العربي الجديد" إنّ دخول القافلة الأخيرة عبر الطريق السريع من دمشق "يمثل خطوة أساسية ليس فقط من الناحية الإنسانية، بل أيضاً من الناحيتين الخدمية والاقتصادية، لأنها ضمّت إلى جانب المواد الغذائية والدوائية صهاريج محروقات مخصصة لتأمين الأفران والمنشآت الحيوية". وأضاف أنّ هذه الإمدادات "تساعد في استمرار عمل المخابز والمرافق الخدمية، وتخفف من أزمة الوقود التي انعكست بشكل مباشر على حياة الناس". مشيراً إلى أنّ "إعادة فتح الطريق السريع بعد أشهر من التوتر أعاد للمحافظة شريان حياة يربطها ببقية سورية، ويسهم في تنشيط الحركة التجارية وعودة النقل، وهو ما ينعكس إيجاباً على معيشة الأهالي بعد فترة طويلة من العزلة".
ولفت المصدر إلى أنّه "منذ منتصف تموز وحتى اليوم، دخلت إلى السويداء أكثر من ست قوافل رئيسية، ضمّت ما يزيد عن 150 شاحنة محملة بالمواد الغذائية والطحين والأدوية والوقود، بينها أكبر قافلة في 31 تموز التي وصلت بأربعين شاحنة دفعة واحدة، بالإضافة إلى ناقلات وقود تجاوزت كمياتها 120 ألف ليتر. هذه الأرقام تعكس جدية الجهود الإنسانية، لكنها تبقى غير كافية أمام حجم النزوح الذي تجاوز 187 ألف شخص، ما يتطلب استمرار تدفق القوافل وتوسيع نطاقها". وختم المصدر مؤكداً أنّ الإجراءات الأمنية التي اتخذتها وزارة الداخلية "تهدف إلى ضمان استدامة فتح الطريق وتأمين سلامة العابرين، وهو ما تجسد عملياً بعبور أول صهاريج محروقات عبر هذا الطريق، بما يحمي مصالح الأهالي ويحافظ على الاستقرار".
وفي تعليق رسمي، قال بهجت الحجار، معاون وزير الشؤون الاجتماعية، لـ"العربي الجديد"، إنّ محافظة السويداء "تواجه أوضاعاً إنسانية صعبة نتيجة النزوح وتفاقم الاحتياجات الأساسية"، مضيفاً: "رغم التحديات والصعوبات اللوجستية والأمنية، تمكنا بالتعاون والتنسيق المستمر مع الهلال الأحمر العربي السوري وشركاء الوزارة من إيصال المساعدات إلى العائلات الأكثر تضرراً". وأكد الحجار أنّ "الوزارة تعمل على متابعة وصول القوافل ومراقبة توزيعها لضمان استفادة الأهالي بشكل عادل، وأن الجهود مستمرة لتوسيع نطاق التدخلات لتشمل جميع المناطق المتأثرة، مع التركيز على تلبية الاحتياجات الغذائية والصحية والخدمية الأساسية". مشيراً إلى أنّ "التنسيق مع الهلال الأحمر والمنظمات الدولية والشركاء المحليين شكل عنصراً أساسياً في نجاح عمليات التوزيع، ويعكس حرص الحكومة على حماية المواطنين وتخفيف آثار الأزمة الإنسانية في المحافظة".

البعد الاستراتيجي لفتح طريق دمشق السويداء

ويرى مراقبون سياسيون أن إعادة فتح الطريق السريع بين السويداء ودمشق تشكّل أكثر من مجرد تسهيل لمرور القوافل الإنسانية. الطريق، الذي ظل مغلقاً أو مقيداً لفترات طويلة بسبب التوترات الأمنية، يعد شريان حياة اقتصادياً وإنسانياً للمحافظة، ويؤثر بشكل مباشر على حركة التجارة والنقل وتأمين الوقود والمواد الغذائية للأهالي. وفي حديث لـ"العربي الجديد"، يقول المحلل السياسي فراس الحمصي: "فتح الطريق ليس خطوة لوجستية فحسب، بل له دلالات سياسية، فهو مؤشر على قدرة السلطات على ضبط الوضع الأمني في الجنوب وتسهيل وصول الدعم الدولي والمحلي إلى السكان المتضررين، وهو أيضاً رسالة للأطراف المحلية والدولية بأن المحافظة يمكن أن تبقى متصلة ببقية سورية بشكل مستدام".
ويضيف الحمصي أن دخول القوافل الإغاثية عبر هذا الطريق "يعكس تعاوناً بين السلطات المحلية والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، لكنه أيضاً يبرز أهمية الدور السياسي للطريق في إعادة الاستقرار النسبي وإعادة الثقة بين الأهالي والمؤسسات الحكومية، خصوصاً في مناطق شهدت نزوحاً واسعاً واحتجاجات متفرقة".

ويشير محللون آخرون إلى أن فتح الطريق يسهم في "تخفيف حدة الأزمات الإنسانية والسيطرة على الوضع المعيشي، ما يقلل من احتمالات التوترات الاجتماعية مستقبلاً، ويعيد للأهالي شعوراً بالارتباط بالمدن الكبرى والأسواق"، مؤكدين أن الطريق يمثل الآن محوراً ليس فقط لإدخال المساعدات، بل أيضاً لإعادة تنشيط الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمحافظة. ويضع هذا التطور محافظة السويداء في قلب المشهد الإنساني والسياسي السوري، حيث يحذّر مراقبون من أنّ موجة النزوح الأخيرة قد تشكل واحدة من أكبر الأزمات التي يشهدها الجنوب منذ سنوات، فيما تبقى قدرة المجتمع المحلي على استيعاب النازحين محدودة، ما يعزز الحاجة إلى تدخلات أوسع وأكثر استدامة.

المساهمون