وشوم الطيور

وشوم الطيور

22 ابريل 2021
الموشوم يتوخى القوة من الوشم (بون سيكونز/ Getty)
+ الخط -

نتحدث هنا عن ارتباط الإنسان بالأمل والحماية من الحسد والغدر، أو طلب الزواج أو السعي وراء الحب أو العودة السالمة من سفر بعيد، وهذا الأمر ظاهر عند شعوب عديدة مع اختلاف معتقداتها. ومنذ أزمان بعيدة بيّنتها لنا القصص التاريخية التي ظهّرتها الأفلام منذ بداياتها، كأن نرى شخصاً يهدي الآخر خاتماً، أو أيقونة، أو سيفاً ذا قوة سحرية، أو كتابات معينة لحمايته وإعادته سالماً. وعلى العموم، كان متلقي الهدية أو التعويذة وربما إلى يومنا هذا يخاف من أن يفقدها كي لا يحصل له مكروه لأنّ فقدانها يعني له فألاً سيئاً.
وللتخلص من هذا الخوف، لجأ بعض الناس إلى الوشم الذي يصاحبهم حتى الموت. وربما كانت بداية الوشم لأهداف أخرى مثل وشم الأولاد في أماكن مخبأة من أجسادهم كي يتم التعرف إليهم إذا ما ضاعوا، أو وشم الجسد في أماكن ظاهرة للتعرف إلى الانتماء القبلي للأفراد. لكنّ بداية الوشم كأيقونة للأمل وراحة البال كانت، في ما يبدو، برسم وشم طائر السنونو على صدور البحارة القدماء الذين كانوا يتفاءلون بقرب الوصول إلى اليابسة التي لم يروها لعدة أشهر كلّما رأوا السنونو يطير فوق مراكبهم. ومنذ بداية القرن الواحد والعشرين، انتشر الوشم كالنار في الهشيم في كلّ أنحاء العالم، لكنّه بمعظمه يصوّر الطيور بمختلف الألوان والخطوط. فما هو الرابط بين الوشم والطيور؟
في الواقع، بعض الناس كانوا يضعون على صدورهم رسومات للعقبان والصقور ليعني ذلك أنّهم أقوياء مثل هذه الطيور،  كما يعني أنّ الموشوم يتوخّى القوة من الوشم، تماماً كما كانت بعض الدول وما زالت تستخدم العقبان والنسور والصقور رمزاً للقوة على أعلامها وأختامها ومجسّماتها. وفي الواقع، فإنّ طيوراً كثيرة في العالم ألهمت البشر حتى لو كانت هذه الطيور خرافية مثل طائر الفينيق الذي يلهم القوة والكفاح، إذ خرج من بين الرماد بعد كل مصيبة كانت تلمّ به، أو كانت طيوراً عادية أثارت اهتمام الناس بطرق طيرانها وتنقلها في الهواء. لذا نجد أنّ ثمّة أشخاصاً اتخذوا من رسم الطيور وشماً بدلاً من التعويذة التي يُعتقد أنّها تجلب الحظ والأمل والسعادة. وثمّة بعض آخر اتخذ وشم الحمامة تعبيراً عن المحبة والسلام والنجاح في الحياة والعلاقات العامة، فيما يبشّر وشم سرب الحمام بروابط عائلية متينة.

وفي اليونان يُعَدّ وشم الحمامة حباً أبدياً نظراً إلى اعتبار الحمامة رسولة أفروديت إلهة الحب. كذلك تعني الحمامة على كعب الرجل أنّ الموشوم يتمتع بالحيوية وعندما نجد وشم الحمامة على كعبي زوجين فإنهما يعبران عن تفانيهما في سبيل بعضهما البعض. أمّا وشم البطة، فهو أمل بالحصول على ثروة كبيرة أو بالاستمتاع بالراحة أو طلباً للخصوبة، خصوصاً عند الصينيين. وفي أميركا يُعَدّ وشم العصفور الطنان، الممثل بألوانه النابضة بالحياة وبسرعته في الطيران، رسماً جاذباً للفتيات، كونه يعبّر عن القدرة على مواجهة المصاعب وتجاوزها.
وثمّة كثيرون من البشر يعشقون وشم الطاووس لأنّه يدل على القدرة الجنسية أو التشبه بحياة الملوك المرفهة، ووشم عربة الإلهة لاكشمي في الهند (إلهة المال) ويعني تعويذة طلب الرزق الوفير من هذه الإلهة. أمّا البوم فهو عند اليونانيين كاتم أسرار، لذا واضع وشم البوم يبحث عن أحد يماثله ويكتم أسراره ليعيش معه. ومن الأساطير اليونانية أيضاً أنّ طائر الغرناق أو الكركي هو طائر أبولو ويحمل الفرح والرقص وحب الحياة، فيما اليابانيون يعدّون الكركي الطائر الذي يحمل روح الميت إلى السماء ويمثل في رسمه على الجسد إيمان الموشوم بالسلام والمحبة وحبّ الحياة. ويبدو أنّ مالك الحزين (البلشون) الأبيض هو شعار للخير، فيما الغربان السوداء نُعتت بالقاتلة وصانعة الشر، لذا فإنّ واضعي وشم الغربان يتقبلون الموت باعتباره الحقيقة الأبدية ولا يخافون منه. أمّا عصافير الجنة بريشها الملوّن فتعطي انطباعاً للموشومين برسومها بأنّهم متعالون ويؤمنون بالحياة الأخرى وبالجنة ويحترمون الحياة. وبالعودة إلى طائر الفينيق الخرافي والأبدي الذي يُعرف عند فئات بأنّه يحرق نفسه ليعود وينتفض من بين رماده، فإنّ رسمه يُعَدّ من أكثر الوشوم رواجاً، كونه يحظى بقوة شفاء سحرية. وعليه، فإنّ وضع وشمه على الأجساد يعني الشفاء من مرض عضال.


(متخصص في علم الطيور)

دلالات