وسط غزة المنكوب... دمار كبير خلفه الاحتلال بعد الانسحاب من نتساريم

12 فبراير 2025
سير على طريق بمدينة غزة بعد انسحاب الاحتلال من نتساريم،10 فبراير 2025 (سعيد جرس/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- دمار شامل في محور نتساريم: بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، تحولت المنطقة إلى أنقاض، مما جعلها غير صالحة للعيش بسبب تدمير البنية التحتية والخدمات الأساسية.

- تحديات إنسانية وأمنية: السكان يواجهون صعوبات في التنقل بسبب الطرق المدمرة، مع وجود أمني مكثف وتفتيش مستمر، والحاجة ماسة للمعدات الثقيلة لانتشال الجثامين.

- أزمة إنسانية وبيئية: تدمير 13,200 وحدة سكنية وتشريد الآلاف، مع أزمة مياه حادة بسبب تجريف الآبار، وتدمير الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية، مما يزيد من معاناة السكان.

حوّل جيش الاحتلال الإسرائيلي المنطقة التي كانت تعرف بمحور نتساريم إلى منطقة منكوبة وكأن زلزالاً عنيفاً ضربها، حتى أنه يصعب على المواطنين التنقل بالسيارات أو سيراً على الأقدام

تحوّلت المنطقة التي كانت تعرف باسم محور نتساريم، وسط قطاع غزة، إلى منطقة منكوبة بفعل تدميرها الممنهج من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي أقام فيها منشآت عسكرية ومناطق مراقبة قبل أن ينسحب منها أخيراً. وانسحب الاحتلال من نتساريم، يوم الأحد الماضي، في اليوم الـ22 من اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس والاحتلال بوساطة أميركية وقطرية ومصرية، والذي دخل حيز التنفيذ في التاسع عشر من يناير/ كانون الثاني الماضي. واختفت ملامح تلك المنطقة التي كانت تضج بالحياة، فتحوّلت المنازل على جانبي المحور إلى أكوام من الحجارة، إضافة لتدمير البنية التحتية.
والاثنين، أعلنت بلديات الزهراء والمغراقة ووادي غزة، وسط قطاع غزة، مناطقها الجغرافية بأنها منكوبة وغير قابلة للعيش في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من منطقة محور نتساريم، في إطار اتفاق وقف إطلاق النار. وأكد رئيس بلدية الزهراء نضال نصار أن العدوان الإسرائيلي أثّر بشكل كبير على البنية التحتية والخدمات الأساسية في هذه المناطق، ما فرض واقعاً جديداً يتطلب حلولاً فورية واستراتيجيات طويلة الأمد.
يقول الناطق باسم جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل إن مشهد الدمار في منطقة محور نتساريم هائل جداً، وقد طاول كل ما هو موجود فيها، كالمباني والطرقات والمنشآت التجارية، ولم تعد الطريق تصلح للسير، ويؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن طواقم الدفاع المدني انتشلت من تلك المنطقة عشرات جثامين الشهداء الذين كان يصعب الوصول إليهم طوال فترة الحرب بسبب الأوضاع الأمنية المتوترة، وعدم سماح الاحتلال لأيّ من طواقم الإسعاف والدفاع المدني بانتشالهم.
ويوضح بصل أنّ هناك عدداً من جثامين الشهداء الموجودة في أقصى المناطق الشرقية لمحور نتساريم بسبب تمركز قوات الاحتلال في تلك المناطق التي تبعد عن المحور قرابة 900 متر فقط، مشيراً إلى وجود عدد من الشهداء تحت أنقاض المنازل المدمرة في تلك المنطقة، ويشدد على ضرورة "إدخال المعدات الثقيلة اللازمة لانتشال عشرات الجثامين من تحت الأنقاض وإزالة أكوام الركام من الطرقات لتسهيل حركة السيارات والمواطنين"، مطالباً المجتمع الدولي بتقديم الدعم اللازم لقطاع غزة المنكوب، وإنهاء معاناته على مختلف الأصعدة، سواء لناحية إعادة الإعمار أو إدخال المساعدات الغذائية وغيرها.
وتواجه السيارات مشقة كبيرة في السير في منطقة محور نتساريم، فيما يضطر المواطنون إلى السير في طريق التفافي شقّه الاحتلال خلال حرب الإبادة، يوصلهم في نهاية المطاف إلى نقطة التفتيش العسكرية. وفي منتصف منطقة المحور توجد عناصر أمنية غربية داخل مُربع أمني مُحاط بكتل إسمنتية ضخمة، تعمل على تفتيش السيارات والمواطنين المارين عبر الحاجز، ضمن الشروط التي تضمنها اتفاق وقف إطلاق النار.

يقول الفلسطيني محمد حجازي، الذي يقطن في منطقة شارع 8 القريب من المحور، إن "حجم الدمار الذي أحدثه الاحتلال في المنطقة لا يتصوره العقل، ولا توجد هناك أي مبان أو منشآت، وحتى الطرقات انقلبت رأساً على عقب"، ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "منطقة محور نتساريم كانت من أجمل المناطق في قطاع غزة، لكنها أصبحت اليوم عبارة عن أكوام من الحجارة، إذ إن مجرد النظر إلى حجم الدمار يسبب الإحباط للمواطنين"، ويؤكد أن المنطقة أصبحت خاوية؛ فلا توجد أي منازل على جانبي الطرقات، ولا بنى تحتية، وباتت تفتقد لأدنى مقومات الحياة.
أما الفلسطيني محمود حرب، فيقول إن المشهد بدا مُخيفاً بالنسبة إليه جراء شدة الدمار والخراب الذي أصاب المنطقة، وإنها أصبحت تشبه منطقة ضربها "زلزال كبير، ولم يُبقِ منها أي منزل أو مسجد أو منشأة على جانبي الطرقات". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه خرج في "رحلة صعبة" منذ تحركه من محافظة خانيونس، جنوب القطاع، وصولاً إلى مدينة غزة، واستغرقت الطريق من خانيونس إلى نتساريم حوالي ست ساعات بسبب وعورة الطرقات التي أصبحت رملية، واكتظاظ السيارات التي تنتظر الدخول إلى غزة بعد التفتيش. ويتابع بأنه سلك طرقات رملية التفافية حتى وصل إلى نتساريم.

بعد اجتياز محور نتساريم، 10 فبراير 2025 (إياد البابا/ فرانس برس)
بعد اجتياز محور نتساريم، 10 فبراير 2025 (إياد البابا/ فرانس برس)

بدوره، يقول الفلسطيني أحمد نبيل، الذي توجه من مدينة غزة إلى عمله في منطقة دير البلح في المحافظة الوسطى، إنه استغرق أكثر من تسع ساعات في الطريق حتى وصل إلى المكان المُراد الوصول إليه. ويوضح نبيل في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "المشهد في غاية الصعوبة، إذ إن نسبة الدمار والخراب في المنطقة لا يتخيلها العقل، فقد اختلطت كل ملامح المنطقة بعضها مع بعض، إذ لم يترك الاحتلال أي منزل أو منشأة قائمة". يتابع: "من الواضح أن الاحتلال أقام الثكنة العسكرية في محور نتساريم فوق منازل وأراضي المواطنين، وكانت تلك المنطقة مكتظة بالمباني والمنشآت لكنها أصبحت اليوم بعد انسحاب الاحتلال خاوية وعبارة عن أكوام من الدمار".

ويقول الفلسطيني محمود جمعة، الذي كان يعمل سائقاً على سيارة أجرة قبل اندلاع الحرب: "ما جرى في منطقة نتساريم هو أشبه بزلزال ضربها ولم يُبقِ أي شيء في مكانه، فالطرقات وعرة وتعرقل سير المركبات، والمنازل تحوّلت إلى دمار كبير".
يضيف جمعة، في حديثه لـ"العربي الجديد": "كنت أتنقل بين محافظات شمال وجنوب القطاع يومياً، وكانت تلك المنطقة جميلة جداً والسير فيها سهل جداً، لكنني صُدمت من هول المشهد الذي رأيته أمام عيني حين عُدت من جنوب القطاع إلى شماله". يتابع: "المسافة بين الشمال والجنوب لم تكن تستغرق أكثر من ساعة، لكنها اليوم باتت تستغرق أكثر من سبع ساعات، وهذا كله نتيجة الدمار والطرقات التي أصبحت غير صالحة للسير".
وبحسب البيان المشترك للبلديات الثلاث، فإن الاحتلال دمّر 13.200 وحدة سكنية، وأصبح عشرات آلاف المواطنين بلا مأوى. كما جرّفت آلياته 24 بئراً وخزانات المياه التي تبلغ سعتها ما يزيد عن 1300 كوب من المياه، إضافة لتدمير شبكات المياه، ما تسبب في تعطيش الناس وإجبارهم على النزوح وتدمير آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية وإعدام الثروة الحيوانية والمزارع في المنطقة.

المساهمون