استمع إلى الملخص
- استعرض المؤتمر دور الوساطة الدولية، مسلطًا الضوء على نجاح قطر في حل النزاعات بفضل حيادها الدبلوماسي، ودور الصين المتزايد في المنطقة وتأثيرها في التقارب السعودي الإيراني.
- بحث المؤتمر جهود إعادة الإعمار بعد النزاع في دول مثل ليبيا واليمن، وتأثير النزاعات على العمل الإنساني في السودان وقطاع غزة، مع التركيز على استخدام التجويع كسلاح في الحرب الإسرائيلية على غزة.
بحث مؤتمر "دراسات النزاع والعمل الإنساني" الذي عُقد في الدوحة، في يومه الثاني والأخير، قضايا عدّة تمسّ جوانب الإغاثة الإنسانية والنزاعات في عدد من الدول، من بينها سورية وليبيا والصومال وقطاع غزة الفلسطيني والسودان ولبنان. وقدّم المشاركون في المؤتمر عدداً من أوراق العمل التي تناولت المواقف الإنسانية والحقوقية في خلال الحروب والأزمات، مثل الحرب في سورية، ودور القانون الدولي الإنساني في تعزيز الاستجابة الإنسانية، وتعدّد الأطراف الفاعلة في وساطة النزاعات (نموذج قطر والصين)، وآفاق التعافي وبناء السلام في مرحلة ما بعد النزاع بالعالم العربي، وتأثير النزاعات في الاستجابات الإنسانية.
ولفت الباحث المتخصّص في قضايا الشرق الأوسط أوميت سيفين في ورقة العمل التي قدّمها، اليوم الخميس، إلى أنّ الحوكمة العالمية التي تهدف إلى الحفاظ على الأرواح البشرية والتخفيف من المعاناة ما زالت بعيدة كلّ البعد عن أن تكون موحّدة ومتجانسة، وتتّسم بالتنوّع وتتأثر بسطوة سيادة الدولة، فيما تخضع أسس المعايير والمبادئ الإنسانية الدولية للتفاوض والاختلاف باستمرار ما بين المنظمات الإنسانية في سياق النزاعات.
من جهتها، تناولت الباحثة والمحامية المتخصصة في القانون الدولي الإنساني زينب كيتاوي تأثير النزاع السوري في ملايين المدنيين وأهمية القانون الدولي الإنساني في حماية المدنيين على الرغم من التحديات التي واجهها في التنفيذ بسبب الانتهاكات المستمرّة وضعف آليات المساءلة. وركّزت كيتاوي على دور التكنولوجيا في تحسين الاستجابة الإنسانية، إذ ساهمت الحلول الرقمية في تحسين تقييم الاحتياجات وتخصيص الموارد، وهو ما أدّى إلى تعزيز الاستجابة الإنسانية.
دور قطر والصين في حلّ النزاعات
في سياق متصل، عرض الباحث والدبلوماسي خالد الخليفي للنهج الفريد الذي تتّبعه قطر في الوساطة الدولية، مسلطاً الضوء على تطوّرها حتى غدت "فاعلاً محورياً" في حلّ النزاعات بالشرق الأوسط، إذ نجحت في الاستفادة من مواردها الاستراتيجية ومن حيادها الدبلوماسي لتكون "وسيطاً ناجحاً في أكثر النزاعات تعقيداً"، من بينها النزاعات في لبنان وأفغانستان. أمّا الباحث أسامة بدد، فقدّم تحليلاً لمحتوى تغطية "ذا نيويورك تايمز" و"الجزيرة الإنكليزية" و"دويتشه فيله" للوساطة ما بين الولايات المتحدة الأميركية وحركة طالبان، وشرح أنّ "الجزيرة الإنكليزية" أبرزت دور قطر بوصفها وسيطاً مثلما أبرزت شرعية حركة طالبان، فيما ركّزت "دويتشه فيله" و"ذا نيويورك تايمز" على التداعيات الإنسانية للأزمة الأفغانية والمخاوف الأمنية.
وفي عرضهما، تناول الباحثان حميد بلغيت وتوفيق عبد الصادق أبعاد الوساطة الصينية لتسوية النزاعات وإدارة التوترات في الشرق الأوسط، وكذلك الحضور الصيني في المنطقة، والدور الذي من الممكن أن تؤدّيه الصين بوصفها قوة دولية كبرى، ورؤية الصين الخارجية، وطرق معالجة هذه القضايا والأزمات من خلال تجربتها في ملفّ الوساطة ما بين السعودية وإيران واستضافتها محادثات إنهاء الانقسام الفلسطيني. وخلص الباحثان إلى القول إنّ ورقة نتائج الوساطة تبقى ضيقة ومحدودة التأثير مقارنة بحجم الحضور المتزايد للصين في المنطقة. أمّا الباحثة آمنة خان، فرأت أنّ توسّع نفوذ الصين، خصوصاً من خلال شراكاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع مجلس التعاون الخليجي، جعل مقاربتها في الوساطة في نزاعات المنطقة تحظى بالاهتمام، إذ مثّل التقارب السعودي الإيراني الذي قادته الصين نقطة تحوّل في الإقليم.
آفاق التعافي وبناء السلام
وبحث مؤتمر دراسات النزاع والعمل الإنساني، الذي اختتم أعماله في قطر اليوم، جهود إعادة الإعمار بعد النزاع في ليبيا، وإعادة الإعمار وتعزيز بناء السلام في اليمن، وتأثير النزاعات في الاستجابة الإنسانية في أفغانستان والسودان وقطاع غزة. وعرض الباحث صلاح المغربي، في دراسة حالة لمدينة بنغازي في لبييا، استراتيجية شاملة لإعادة بناء المساكن، تدمج الحوكمة الرقمية والاستدامة وتعزّز المشاركة الشعبية. وأشار المغربي إلى أهمية إنشاء برامج التمويل العقاري الصغيرة وتطوير بنية تحتية مقاومة لتغير المناخ، مع تأكيد ضرورة موازنة جهود التعافي الفورية مع حلول التخطيط الحضري المستدامة على المدى البعيد.
في الإطار نفسه، لفت الباحث كهلان الشجاع إلى التحديات التي تواجه إعادة الإعمار في اليمن من منظور تنموي، أبرزها تعدّد مؤسسات الأمن وانقسامها بين القوى المتصارعة والانقسام السياسي وغياب مؤسسات الدولة وتفشّي الفساد المالي والإداري، فضلاً عن غياب المجتمع المدني ومؤسساته الفاعلة وارتهان القرار السيادي اليمني للقوى الخارجية، بالإضافة إلى انقسام المؤسسات النقدية وارتفاع معدّل التضخم وانهيار العملة ونقص التمويل ومحدودية الموارد، الأمر الذي يتطلّب إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس مهنية ووطنية تضمن الكفاءة والشفافية بعيداً عن الولاءات القبلية والمذهبية التي أثّرت باستقرار البلاد لعقود. وقد دعا الباحث صهيب شمسان، من جهته، إلى تقديم خطة لتحقيق سلام طويل الأمد في اليمن، مع تأكيد الحاجة الى الدمج والعدالة والتعاون الإقليمي بوصفها مكوّنات رئيسة لحلّ الصراع.
وبشأن تأثير النزاعات في الاستجابات الإنسانية، قالت الناشطة فالايانه فدايير سكيتي، في المؤتمر نفسه الذي عُقد في قطر أمس الأربعاء واليوم الخميس، إنّ في أعقاب سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان في عام 2012، انخفضت الهجمات على العاملين في المنظمات غير الحكومية، لكنّ المنظمات ما زالت تواجه شعوراً بعدم الأمان الناجم عن عدم اليقين المرتبط بالحكم، والقرارات التقييدية وندرة المعلومات الموثوقة ووجود جماعات مسلحة اخرى.
وبعد أكثر من 21 شهراً من الحرب في السودان، أشارت الباحثة ملاذ الطيب إلى الجهود الدبلوماسية الي بُذلت منذ اندلاعها، في إطار تقليل حدّة الأزمة على العمل الإنساني، أبرزها منبر جدّة والتحديات التي واجهته، وأكدت أنّ "استمرار الأزمة ضاعف من حدّة المعاناة الإنسانية في السودان".
وسلّط الباحثان عاصم النبيه ونور الهدى النبيه الضوء، من جهتهما، على استخدام التجويع "سلاحاً" في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتأثيره في السكان، ووثّقا التأثيرات على الصعيد الصحي النفسي كما الجسدي نتيجة الحرب على السكان والأنظمة الغذائية التي لجأوا اليها. وقد بيّنت نتائج دراسة أعدّاها أنّ 98% من السكان تناولوا علف الحيوانات، فيما لجأ 85% إلى البذور، واستبدل 70% منهم الشعير بدقيق القمح. كذلك كشفت مقابلات، أجريت مع 55 فرداً شهدوا مجزرة الطحين في فبرار/ شباط 2024، كيفية استدراج المدنيين الجياع ومهاجمتهم في أثناء سعيهم للحصول على المساعدات الغذائية، الأمر الذي أوقع مئات الضحايا. وخلص الباحثان في دراستهما إلى أنّ "التجويع الشامل في قطاع غزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي كان ممنهجاً ومتعمداً وجزءاً من حملة إخضاع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وإبادته.
تجدر الإشارة إلى أنّ 34 باحثاً شاركوا في أعمال مؤتمر "دراسات النزاع والعمل الإنساني"، وقدّموا 28 ورقة بحثية فيه، علماً أنّ مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني نظّمه بالتعاون مع برنامج إدارة النزاع والعمل الإنساني لدى معهد الدوحة للدراسات العليا، وشبكة العمل الإنساني، ومدرسة "جيمي وروزالين كارتر" للسلام وحلّ النزاعات في جامعة جورج ميسون. وتناول المؤتمر، في جلساته النقاشية، على مدى يومَين، أربعة محاور رئيسية، وهي الوساطة وصنع السلام، والنزاع والتعافي داخل الدول العربية وخارجها، والتحديات الحالية ومستقبل العمل الإنساني، وتوطين دراسات النزاع والعمل الإنساني. كذلك سلّط الضوء على قضايا عدّة تمسّ بجوانب الإغاثة الإنسانية والنزاعات في مناطق عديدة بالعالم، لعلّ أبرزها ليبيا والصومال وقطاع غزة والسودان ولبنان.