"هيومان رايتس ووتش": توثيق انتهاكات صارخة في سجن "العقرب" بمصر

"هيومان رايتس ووتش": توثيق انتهاكات صارخة في سجن "العقرب" بمصر عقب واقعة قتل "مشبوهة"

17 ديسمبر 2020
ُشُددت القيود في أعقاب حادثة مشبوهة في السجن (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

 

قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم الخميس، إنّ أجهزة الأمن المصرية أجرت في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تغييرات على "سجن 992 شديد الحراسة" في القاهرة، والمعروف باسم "سجن العقرب"، وحرمت النزلاء من التهوية الكافية والكهرباء والماء الساخن بشكل كامل تقريباً.
تشديد القيود، الذي حدث في أعقاب حادثة مشبوهة في 23 سبتمبر/أيلول في السجن، قُتِل فيها أربعة من عناصر الأمن وأربعة نزلاء، يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي. 

وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظّمات أخرى، منذ فترة طويلة، انتهاكات جسيمة داخل سجن العقرب، الذي يُحتجز فيه حالياً ما بين 700 و800 سجين، مثل حظر الزيارات العائلية بالكامل منذ مارس/آذار 2018، والحرمان من ساعات التريّض والحبس لمدة 24 ساعة منذ مطلع 2019.

وأشارت رسالة من ثلاث صفحات وفيديو مدته 13 دقيقة سُرّبا من سجن العقرب واطلعت هيومن رايتس ووتش عليهما، إضافة إلى ثلاثة مصادر تحدّثت إلى هيومن رايتس ووتش، إلى أنّ التغييرات شملت إزالة مصادر التهوية والضوء والكهرباء من الزنازين وتعديل النافذة الوحيدة التي تطلّ على ممرّ داخلي وكذلك فتحة الباب (النضارة) في كلّ زنزانة، لعرقلة أيّ اتصال بين السجناء. حتى قبل التغييرات، لم يكن هناك مصدر في الزنازين لضوء الشمس أو الهواء النقي.
قالت المصادر الثلاثة، بما في ذلك محامٍ على اتصال مع نزلاء في السجن وشخصَيان على دراية مباشرة بالتغييرات، إنّ رجال أمن بملابس مدنية ويُعتقد أنهم من مسؤولي "المخابرات الحربية"، يعملون في السجن منذ عمليات القتل وأشرفوا على التغييرات. قالت المصادر إنّ هؤلاء الضباط لم يكونوا ضبّاط السجن المعتادين أو عناصر "جهاز الأمن الوطني". قال أحد المصدرَيْن المطلعَيْن إنهم قابلوا بعض السجناء "لفهم وضعهم النفسي" و"فهم سبب قتل النزلاء لحرّاس السجن".

وأفادت الرسالة، والفيديو المسرّب، والمصادر، بالتفصيل بالقيود الجديدة. قام عمّال البناء، الذين تعتقد المصادر أنهم من "الهيئة الهندسية للقوات المسلحة"، بإزالة جهاز التهوية المثبت على الحائط في كل زنزانة في مباني السجن الأربعة (كل مبنى على شكل حرف "H"). أزال العمال أيضاً المقبس الكهربائي، وهو المصدر الوحيد للكهرباء للاحتياجات اليومية، مثل تسخين المياه في الأباريق الكهربائية للشرب أو الاستحمام، وتشغيل طارد البعوض الكهربائي. قال أحد المصادر: "اعتاد السجناء غلي الماء عندما يكون أحدهم مريضاً لتحضير بعض الشاي".

كما أزال عمّال البناء أيضاً، شِباك البعوض الذي كانت تغطي النافذة الوحيدة في كل زنزانة والتي تطل على ممرّ السجن، واستبدلوا قضبان النوافذ بشبكة فولاذية (حديد بقلاوة)، مما حدّ كثيراً من دخول الهواء إلى الزنزانة. قالت المصادر إنّ البعوض قد ينتشر في الزنازين الآن، طوال الوقت.

قالت المصادر أيضاً إنه في "المبنى H4"، حيث وقعت حوادث القتل في 23 سبتمبر/أيلول، أزال العمّال المصباح الكهربائي الوحيد في كلّ زنزانة، ما ترك حوالي 100 زنزانة دون أي مصدر للضوء. في الزنازين الموجودة في المباني الثلاثة الأخرى، نقل العمّال مفاتيح الإضاءة إلى خارج الزنزانة حتى لا يتمكن السجناء من التحكّم بها.

 

أثناء أعمال البناء، نقلت السلطات السجناء إلى زنازين مكتظة إلى حين انتهاء الأشغال في كلّ جزء من أجزاء السجن، ومن ثمّ تمّ نقلهم إلى الزنازين المعدّلة. قال المصدر: "يُسلمّ السجين بطانية واحدة ويُرسل إلى الزنزانة، وإذا اعترضوا، يتعرّضون للضرب". قال المصدر إنّ السجناء جُردوا من كافة ممتلكاتهم، وأضاف أنّ عشرة سجناء تعرّضوا للضرب وأُرسلوا إلى "زنازين التأديب"، بعد أن اعترضوا على القيود الجديدة.

وسُجِّل مقطع الفيديو المُسرّب، وهو الأول من نوعه، قبل التغييرات الأخيرة. يقدم الفيديو لمحة نادرة عن ظروف "العقرب" التي تحدّثت عنها المنظمات الحقوقية لسنوات. ويُظهر الفيديو ثلاثة سجناء يجلسون متراصّين على الأرض في زنزانة صغيرة، مضاءة بشكل خافت وشخص رابع يتحدث وهو يتحرك. لا يفصل المرحاض عن باقي الزنزانة أي حاجز أو ساتر. وقال السجين الذي يتحدث في الفيديو، إنّهم يغطّون أنفسهم بالبطانية التي ينامون عليها، أثناء استخدام المرحاض. يفصل بين المرحاض ومنطقة النوم أقلّ من متر.

السقف والجدران متآكلة بسبب الرطوبة. ويقول الراوي إنّ قطرات الماء تتساقط أحياناً من السقف. كما يعرض ملاعق بلاستيكية صنعوها يدوياً، وأربعة أطباق بلاستيكية صغيرة بالية، يقول إنهم يستخدمونها للأكل منذ تسعة أشهر. ثم نشاهد شيئاً يشبه القربة، قال إنهم يملؤونه بالماء، ويضعون زجاجات تحتوي على الطعام في الماء، ثم يُدخلون قضيبين معدنيين موصولين بالكهرباء بأسلاك، لتسخين الطعام.

يتمّ تعليق ملابس النزلاء المبلّلة والبالية على حبال معلّقة على الجدران حتى تجف. وتظهر مقتنياتهم القليلة في أكياس بلاستيكية معلّقة على الحائط بمسامير. يعرض الراوي لوح صابون ويقول إنّ كلّ نزيل يحصل على واحد كلّ خمسة أشهر. مصدر الهواء الوحيد هو فتحة الباب التي يحصلون من خلالها على طعامهم. قال الراوي إنّ النزلاء اضطروا إلى إغلاق النافذة المطلّة على الممرّ، لأن الجو كان شديد البرودة ولم يكن لديهم أغطية كافية.

سبق أن وثّقت هيومن رايتس ووتش في تقرير عام 2016، المعاملة القاسية واللاإنسانية من قبل ضباط سجن العقرب والتي ترقى على الأرجح إلى التعذيب، بما في ذلك العزلة المطوّلة والحرمان من التريّض والزيارات لأشهر أو سنوات والضرب. توفي 14 نزيلاً على الأقل في سجن العقرب منذ 2015، وفقاً لبحث أجرته هيومن رايتس ووتش وتقارير حقوقية وإعلامية أخرى.

ساهمت عدم كفاية العلاج الطبي، على الأرجح، في وفاة خمسة من هؤلاء السجناء. وثّقت "العفو الدولية"، حالة وفاة، في "العقرب" بسبب التعذيب في 2019، ووثّقت "كوميتي فور جستس"، وهي منظمة حقوقية مقرّها جنيف، حالة وفاة أخرى بعد التعذيب، في 2018. وثّقت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وهي منظّمة مستقلة، كيف أنّ منع السجناء من استقبال الزوار يؤثّر على حقوق النزلاء الأخرى، مثل قدرتهم على الحصول على الملابس والبطانيات والأدوية.

بسبب عدم وجود إضاءة طبيعية كافية للعمل أو القراءة، وغياب ترتيبات إنسانية للنوم والصرف الصحي، ومراعاة الطقس، فضلاً عن ضيق المساحة وعدم كفاية الإضاءة الاصطناعية والتهوية المناسبة، ينتهك سجن العقرب حقوق السجناء الأساسية بطبيعته، على النحو المنصوص عليه في "قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء" (قواعد نيلسون مانديلا). بالإضافة إلى ذلك، تحرم سلطات السجون، السجناء باستمرار، من الحصول على التعليم والرعاية الصحية الكافية وزيارات العائلات والمحامين.

المساهمون