استمع إلى الملخص
- القوانين الإسبانية تمنح معاملة خاصة للقُصّر المهاجرين، لكن يمكن إعادتهم بناءً على طلب ذويهم، ويتطلب ذلك مساراً قانونياً معقداً.
- استعادة القُصّر تحمل أهمية سياسية للجزائر وتساهم في الحد من الهجرة السرية، مما أثار جدلاً واسعاً وتفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي.
تُطرَح تساؤلات في الجزائر عن إمكانية استعادة القُصّر الذين جازفوا بهجرة سرية إلى إسبانيا ردعاً لحوادث مماثلة، فيما يمنح القانون الإسباني خصوصية لمن هم في مثل وضعهم بين المهاجرين.
تتواصل النقاشات في الجزائر بشأن قضية القُصّر السبعة الذين جازفوا مؤخراً برحلة هجرة سرية باتجاه السواحل الإسبانية على متن قارب سرقوه من مرفأ في العاصمة الجزائرية. وتدور التساؤلات عمّا إذا كانت السلطات الجزائرية تسعى إلى استعادتهم بالتنسيق مع ذويهم، باعتبار أن المسألة أكثر من ضرورة لمنع تكرار الحادثة من قبل مراهقين آخرين، خصوصاً أن هؤلاء القُصّر، ومنذ وصولهم إلى جزيرة إيبيزا، عمدوا إلى تشجيع نظرائهم على الهجرة السرية بحجة أنّ القانون الإسباني يمنح حقوقاً خاصة للقُصّر.
ومنذ إعلان وصول القُصّر السبعة إلى إسبانيا، تثابر السلطات الجزائرية والإسبانية على تفعيل آليات التعاون الثنائي، وتطبيق الإجراءات الدبلوماسية والقضائية اللازمة لإعادة هؤلاء القُصّر إلى ديارهم. لكن المسألة تحمل جانبين؛ أحدهما سياسي يرتبط بتداعيات الحادثة بالنسبة للجانب الجزائري، حيث يرى الأخير في استعادة القُصّر "خطوة ضرورية" لمنع تكرار مثل هذه الحوادث وردع محاولات أخرى من الهجرة السرية. أما الجانب الآخر، فهو قانوني بالنسبة لإسبانيا، حيث تنصّ القوانين المحلية على بعض الخصوصية في ما يتعلق بترحيل المهاجرين القُصّر. ويُحكى أن مدريد قد تدرس المسعى الجزائري من منطلق أن إعادتهم ستكون كفيلة بمنع المزيد من رحلات الهجرة السرية، لا سيما في صفوف القُصّر.
ويشير الكاتب المهتم بقضايا الهجرة ريكاردو غونزاليس إلى أن القوانين الإسبانية تتعامل بوضع خاص مع المهاجرين القُصّر الذين يصلون إلى الأراضي الإسبانية بطريقة سرية، ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن "مسألة إعادة المهاجرين القُصّر من إسبانيا ممكنة، ولو أن 90% من القُصّر تُبقيهم إسبانيا وتوفر لهم الحاجات الاجتماعية، وتتولى توجيههم نحو التعليم أو التكوين لحين بلوغ سن الرشد، لكن هناك حالات كثيرة أمكن فيها إعادة القُصّر إلى بلدانهم، بناءً على طلب ذويهم".
ويوضح أن "القضاء في إسبانيا يحرص على تقدير الوضع الأسري والعائلي للقُصّر، وما إذا كانت الظروف المادية لعائلاتهم ميسورة، ولم يتعرضوا لمشاكل اجتماعية في بلدانهم مثل العنف، وبالتالي تبقى للقضاء حرية تقدير مسألة إعادتهم إلى بلدانهم من عدمها. بينما لا يمكن للقُصّر أن يعترضوا على ترحيلهم، كونهم لا يملكون سلطة القرار على أنفسهم".
وكان القُصّر السبعة الذين لا تتجاوز أعمارهم 18 سنة نشروا مقطع فيديو شرحوا فيه ظروف رحلتهم، حيث أبحروا بمفردهم من الجزائر على متن قارب مسروق تبلغ قوته 85 حصاناً لمسافة تزيد على 200 كيلومتر، من دون قائد يُتقن قيادة القارب، ومن دون التمتع بأي خبرة أو معرفة مُسبقة بالإبحار والاتجاهات. وأشار أكبر هؤلاء القُصّر سنّاً، في فيديو نشره حينها، إلى أنّهم سرقوا القارب، وقال: "كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر، حيث تعطّل محرّك القارب أكثر من مرة، قبل أن ينجح أحدنا في إعادة تشغيله".
وينصّ القانون الإسباني على تدابير بشأن حماية الأطفال من دون سند عائلي، حيث يبقى القُصّر داخل مراكز حماية الطفولة تحت إشراف السلطات المحلية، وتُوفّر لهم خدمات أساسية مؤقتة، وهو ما جرى تطبيقه لجهة القُصّر السبعة الجزائريين منذ وصولهم إلى جزيرة إيبيزا، حيث التزمت السلطات الإسبانية بتوفير سبل الرعاية الاجتماعية.
وفي السياق، يوضح المحامي الإسباني المتخصص في معالجة قضايا الهجرة ماركو بارسيل، لـ"العربي الجديد"، أن هذه التدابير تهدف إلى حماية القُصّر وتعليمهم وتأهيلهم للحياة الاجتماعية بعد بلوغ سن الرشد، مضيفاً أن مسألة إعادتهم إلى بلادهم ممكنة وليست مستحيلة، لكنها تتطلب مساراً قانونياً معقداً في حال طالبت العائلات باستعادة أبنائها، وهناك حالات سابقة لاستعادة قُصّر جرت معالجتها عبر الخطوات القانونية.
أما النائب السابق عن الجالية الجزائرية فى أوروبا المقيم في إسبانيا نور الدين بلمداح، فيتحدث لـ"العربي الجديد" عن أسباب موجبة ستدفع الجانب الجزائري إلى تكثيف جهوده لإعادة القُصّر السبعة، بعدما أخذت قصتهم أبعاداً متعددة. ويؤكد بلمداح، وهو أيضاً رئيس اتحاد الجمعيات الجزائرية في أوروبا، أن "المسألة تتضمن شقاً قانونياً يتعلق بالسلطة التقديرية للقاضي الإسباني الذي يدرس الملف، أضف الشق السياسي الذي أعتقد أن الغلبة ستكون له في نهاية المطاف".
يضيف بلمداح أنّ "الشق السياسي ينطوي على مصلحة مشتركة لكل من السلطات الجزائرية والإسبانية، خصوصاً وسط التحسن الكبير في العلاقات الثنائية. بالنسبة إلى الجزائر، فإنّ استعادة القُصّر خطوة مهمة لفرض هيبة الدولة وحضورها وتكريس قدر من الحزم السياسي إزاء وقائع وحوادث تُضرّ سمعة البلاد. ومن جهة ثانية، فإنّ استعادتهم ستكون خطوة رادعة لمنع آخرين من الإقدام على مثل هذه المجازفة، ما دامت السلطات الجزائرية يمكنها إعادتهم".
بلمداح الذي سبق أن تابع، بصفته النيابية حينها، قضايا متعددة تتعلق بالهجرة، يردف بالقول: "أما بالنسبة للجانب الإسباني، فإنّ مسألة إعادة القُصّر إلى الجزائر تندرج في السياق نفسه، بهدف منع وصول المزيد من المهاجرين السريين إلى السواحل الإسبانية التي تشهد تدفقات عديدة في الفترة الأخيرة".
وتبقى قضية القُصّر السبعة التي شغلت الرأي العام في الجزائر كما في إسبانيا محط جدل وتساؤلات، وسط صمت السلطات الجزائرية، وتكهنات البعض بمساعٍ رسمية لإعادة القُصّر ومحاولة الوصول إلى معلومات بشأن ظروف وملابسات حادثة الهروب، أضف إلى احتمال وجود أطراف ساعدتهم في عملية الفرار والإبحار بالقارب. مع العلم أن هروب القُصّر السبعة بهذه الطريقة الخطيرة أثار يومها تفاعلاً كبيراً لدى روّاد مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، ونشرت مواقع إعلامية إسبانية قصتهم، في حين لم تُعلّق السلطات الجزائرية على الواقعة.