هذه تجربتي مع كوفيد-19 في قطر

هذه تجربتي مع كوفيد-19 في قطر

24 مارس 2021
من شباك المستشفى الكوبي (إيمان عريقات)
+ الخط -

مشهد سارية الأعلام (في الصورة) قد يوحي بأنّ الناظر إليه يقف خلف شباك في داخل سفارة أو مكتب تجاري أو فندق أو غيره. لكنّه، وعلى مدى أسبوعين تقريباً، كان هو الرابط الوحيد بيني وبين العالم الخارجي بعد تشخيصي بمرض كوفيد-19 في الحادي عشر من مارس/ آذار الجاري وإقامتي في المستشفى الكوبي في دولة قطر.

لله الحمد والفضل والمنّة أنّني خرجت صباح اليوم متعافية تماماً. أردت مشاركتكم تجربة صعبة، وأسأل العلي القدير ألا يعيشها أيّ منكم. منذ بدء الجائحة في العام الماضي، وأنا شديدة الالتزام بكل تعليمات منظمة الصحة العالمية والسلطات الصحية المحلية لمكافحة فيروس كورونا الجديد والحدّ من انتشاره. وبالفعل، وعلى مدى ذلك العام، لم يتوقف نشاطي المهني آخذة بعين الاعتبار كل الاحترازات المطلوبة، علماً أنّني خففت النشاط الاجتماعي الجسدي إلى أدنى الحدود. ولهذا، بفضل الله، سلمت من الفيروس، حتى جاءت تلك اللحظة بعد عام من انتشار الجائحة حين تهاونت فيها وتغافلت للحظات قصيرة عن ضرورة التباعد الجسدي وأزحت الكمامة.

بعد خمسة أيام على هذا السهو، وكنت قد علمت قبلها بقليل بأنّ من التقيت به شُخّص بكوفيد-19، تمّ نقلي في سيارة إسعاف لمرّتَين في أقل من 24 ساعة، بسبب التهاب رئوي حاد نتج عنه تضخم في الرئة ونقص كبير في الأوكسيجن وارتفاع مخيف في غلوكوز الدم وتضخم في القلب وتمدد في عضلاته وتدني ضرباته. وقد تسبّب ذلك في طرحي بفراش المستشفى قرابة الأسبوعَين.

هذا فعلاً ما حصل بسبب غفلة مرّة واحدة، لم ألتزم فيها بالتباعد الجسدي ووضع الكمامة. المعنى أنّ الفيروس لئيم شرير وحقيقي والتحصين ضرورة قصوى والالتزام بالتباعد الجسدي وتجنّب الأماكن المغلقة ووضع الكمامة دائماً أساس السلامة، بإذن الله حفظكم الله وسلّمكم وكفاكم كلّ شرّ.

لا بدّ من كلمة بحقّ وزارة الصحة القطرية لأنّ من لا يشكر الناس لا يشكر الله. فالرعاية الصحية الفائقة والهيئة الطبية والتمريضية ذات الاحترافية العالية جعلتاني أدرك معنى لقب ملائكة الرحمة من خلال تعامل هؤلاء معي طوال إقامتي ومع كلّ من حولي من مرضى من جنسيات مختلفه من دون استثناء قبل نقلي إلى غرفة خاصة بعد قرابة ستة أيام قضيتها في الجناح. تلك الرعاية الرائعة تجسّدت بداية حين مراجعتي المركز الصحي من خلال ردّ الفعل السريع والتحرّك فور تشخيصي بكوفيد-19 وظهور علامات نقص الأوكسجين في الدم. فقد تمّ نقلي فوراً بسيارة إسعاف إلى مستشفى الحزم (الذي خُصّص للمصابين بعدوى كورونا). وفور وصولي عاينني  أربعة من الأطباء المتخصصين، ثلاثة منهم عرب فيما الرابع آسيوي. وكلّهم، انطلاقاً من اختصاصاتهم، قرروا بسبب تدهور حالتي فجأة نقلي بسيارة إسعاف بعد أقلّ من 16 ساعة من وصولي إلى مستشفى الحزم، إلى المستشفى الكوبي لأنّه أكثر تخصصاً بالأمراض التنفسية.

وفي أثناء إقامتي لأكثر من 12 يوماً في المستشفى الكوبي، حضرت في أكثر من مرّة ممثلة عن وزارة الصحة للاطمئنان على أوضاع المريضات والاستماع إلى أيّ تعليق أو شكوى. حتى الطعام كان المعنيون يتأكدون من أنّه متناسب مع التحاليل الشخصية لكلّ مريض على حدة. وعلمت بذلك حين ذكرت لمن تحضر الطعام أنّني لا أتناول البيض، لأفاجأ باتصال من خبير التغذية يعلمني فيه بأنّه يصمم وجباتي اليومية بحسب تحليل الدم الخاص بي، فيما سألني عن تفضيلي طعاماً معيّناً حتى يضيفوه بشكل يراعي حالتي الصحية.

كذلك، كان مترجمون يرافقون الأطباء في جولة الصباح وعبر الهاتف في جولة المساء. وأذكر مرّة أنّه تمّ توفير ترجمة للمريضة نفسها، وهي من جنسية عربية، أربع مرّات في يوم واحد. فهي كانت شديدة التوتر ونفسيتها مضطربة، فيحضر الطبيب أو الممرضة في كلّ مرة ويتصلان بالمترجمة، فيقضون ما يقارب نصف ساعة بالشرح والترجمة لطمأنة المريضة على وضعها الصحي، حتى تشعر بالراحة وتصير أكثر هدوءاً. بالتأكيد، استناداً إلى اسم المستشفى، ندرك أنّ الكادر الطبي بالغالب يتكلم الإسبانية والقليل المطلوب من الإنكليزية. ويُذكر من جهة أخرى، مستوى عالياً من نظافة الأسرّة والغرف والمرافق الأخرى على مدار الساعة.

تفاصيل كثيرة من العناية والاهتمام والمراعاة خلف الكواليس وداخل أروقة المراكز الصحية التي تنقلت بينها بسبب إصابتي، أثبتت حرص والتزام دولة قطر من خلال وزارة الصحة على تطبيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، خصوصاً الهدف 3 "الصحة الجيدة والرفاه"، والهدف 9 "صناعة وابتكار وبنى تحتية"، والهدف 10 "الحدّ من أوجه عدم المساواة"، والهدف 16 "سلام وعدل ومؤسسات قوية"، والهدف 17 "شراكات لتحقيق الأهداف"، بالإضافة إلى العمل على تطبيق شعار الأمين العام للأمم المتحدة "ألا يُترك أحد بالخلف".

وقد سخّرت الدولة عبر وزارة الصحة إمكانياتها واستعانت بالخبرات الوافدة عبر التعاقد مع كوادر طبية محترفة من جنسيات عدّة ولم تجعل اللغة عائقا أمام تقديم رعاية صحية تفوق خدمة خمس نجوم، وقد ساهمت تلك العناية بحمد الله في تخفيف آلام الإصابة وسرعة الشفاء بفضل الله.

بأمانة، لا يوجد كلام يوفي القائمين على وزارة الصحة حقّهم بالثناء والشكر، لكن من القلب وبإخلاص أجد أفضل ما أستطيع عمله هو الدعاء لهم جزيتم عنّا كلّ خير وحفظ الله قطر وأدام عليها كلّ سبل فضله ونعمه... إنّه سميع مجيب.

*رئيسة بعثة الأمم المتحدة للهجرة في دولة قطر

المساهمون