هجمة خصخصة على أملاك الفلسطينيين المهجّرين في يافا

هجمة خصخصة على أملاك الفلسطينيين المهجّرين في يافا

18 أكتوبر 2021
ما تبقّى من قصر الستّ وردة في يافا (العربي الجديد)
+ الخط -

ثلاثة وسبعون عاماً مرّت على النكبة الفلسطينيّة وما زال الفلسطينيون يعانون من السياسة التعسفيّة والتضييق اللذَين تمارسهما سلطات الاحتلال الإسرائيلي بكلّ ما يخصّ قضيّة السكن في يافا، المدينة المنكوبة التي كانت القلب النابض لفلسطين في القرن العشرين.

وقد شرّع الاحتلال سرقته للبيوت والبيّارات والأملاك الفلسطينيّة بعد بضعة أعوام من النكبة، بالإضافة إلى طرْد أهل المدن والقرى الفلسطينيّة، من خلال سنّ قانون "أملاك الغائبين" الذي نصّ على أنّ كلّ فلسطيني لم يكن موجوداً خلال التعداد السكّاني حينها يخسر كلّ أملاكه، فتصير تحت سيطرة دولة الاحتلال وأذرعها، وهو الأمر الذي يشرعن السرقة التي حصلت منذ التهجير القسري والتطهير العرقي في عام 1948، لأنّ الفلسطينيين بغالبيّتهم العظمى كانوا خارج أراضيهم وبيوتهم وأملاكهم أثناء التعداد السكّاني الذي أجراه الاحتلال آنذاك، وبذلك صار الفلسطيني محروماً من العودة ومن الحصول على أملاكه التي سُرقت منه في وضح النهار، وبدعمٍ من دول العالم المتواطئة مع الاحتلال.

وبالتالي صارت أملاك الفلسطينيين تحت سيطرة تامّة من قبل شركات الإسكان اليهوديّة (الصهيونية) التي بدورها "شفقت" على الفلسطينيين المتبقين وأسكنتهم في البيوت المسلوبة من أصحابها، تحت شرط دفع رسم إيجار شهريّ رمزيّ، لكن مُنع الجيل الثالث من العيش في تلك البيوت، إذ نصّ القانون على أنّ البيت يعود إلى الاحتلال الذي يتصرّف به كما يشاء، وبذلك تُمنَع مئات العائلات في مدينة يافا الفلسطينيّة من السكن في تلك البيوت التي تعود بالأصل إلى الفلسطينيين المهجّرين قسراً في عام النكبة.

واستمراراً للسيطرة على أملاك الفلسطينيين، دأبت سلطات الاحتلال على تشريع هذه القوانين التي تمنع الفلسطينيين المتبقين في وطنهم من العيش بكرامة، خصوصاً في قضيّة السكن، إذ سنّت القوانين الغاشمة التي تمنع الجيل الثالث من البقاء في البيت الذي هو في الأصل ملك لأصحابه المهجّرين.

روضة أبو خاطر وقصر الستّ وردة

روضة أبو خاطر من هؤلاء الفلسطينيين، وثمّة محاولات لتهجيرها من قصر الستّ وردة. وفي عام 2006، سُجّلت روضة ابنة يافا في سجلات شركة "عميدار" الإسكانيّة المتخصصة في موضوع المساكن الشعبيّة بحسب القانون المحليّ. وبحسب الإجراءات، استحقّت الحصول على بيت على حساب وزارة الإسكان وبلديّة تل أبيب - يافا مقابل بدل شهريّ رمزيّ. وهكذا نُقلت في العام نفسه إلى الطبقة الأرضية من القصر المهجّر، قصر الست وردة ومالكه الأصلي عبد الرؤوف إبراهيم أحمد بركات، الذي هُجّر قسراً عام النكبة بعد أن كان ملاحقاً منذ أيام الانتداب البريطاني.

ومنذ عام 2006، يُجدَّد عقد السكن مع روضة مرّة كلّ سنتَين، وذلك بذريعة قانونيّة من قبل شركة الإسكان. لكنّ الأحوال تغيّرت في عام 2018، إذ تلقّت رسالة إنذار من شركة الإسكان تطلب منها إخلاء البيت في ظرف ستّين يوماً. حينها، اتّضح لروضة أنّها وقّعت في عام 2012 على عقد جديد مشروطاً بصلاحيّة زمنيّة لم تتنبّه إليها. هكذا أُخذ توقيعها بمكر، ومن دون إعلامها بالمحتوى، فهي شبه أميّة. ومنذ ذلك العام، قضيّتها عالقة في أروقة المحاكم المحليّة وتحت رحمة القضاة والمحامين في محكمة الصلح والمركزيّة.

تجدر الإشارة إلى أنّ البيت الذي تقيم فيه روضة في حالة تعيسة، خصوصاً لجهة البنية التحتيّة، فهو شبه مهمل. كذلك، هُدِم القسم الشمالي الملاصق لمكان إقامتها قبل بضعة أشهر، إذ هُجّرت عائلة يافيّة أخرى، فأُخليت الطبقة الثانية حينها، وبذلك بقيت روضة الساكنة الوحيدة في قصر الست وردة التاريخيّ، الذي أهملته سلطات الاحتلال على مدى عشرات السنوات.

وتقول روضة، لـ"العربي الجديد": "أطالب فقط بحقّي. وإذا أرادت شركة عميدار أن تخلي البيت وتخرجني منه، فإنّه يتجوّب عليها تعويضي عن كلّ النفقات التي صرفتها من جيبي الخاص على مدى السنوات الماضية".

وتضيف أنّ "المبلغ المطروح عليّ هو 350 ألف شيقل (نحو 109 آلاف دولار أميركي)، هو مبلغ زهيد لا يكفي ثمن ربع بيت في مدينة يافا". لذلك هي تطالب بتعويض ملائم، سواءً أكان مبلغاً مالياً أو بيتاً. وتشير روضة إلى أنّها تشكر كلّ من "ساندني من الناحية المعنوية، من خلال تظاهرات ومتابعة قانونيّة"، مطالبة شركة الإسكان أن توفّر لها بيتاً يليق بها وبعمرها، خصوصاً أنّها امرأة وحيدة وكبيرة في السنّ وتعيل نفسها بنفسها، ولا تريد عيش بقيّة عمرها بلا مأوى.

الصورة
روضة أبو خاطر في يافا (العربي الجديد)
قضيّة روضة أبو خاطر عالقة في المحاكم (العربي الجديد)

تاريخ ومصير قصر الستّ وردة في يافا

وصار من الواضح أنّ بلديّة تل أبيب - يافا، وبالتعاون مع شركة الإسكان، ينويان إخلاء المسكن الذي تعيش فيه روضة أبو خاطر وترميم القصر المهجّر، ليتحوّل مركزاً جماهيرياً لسكّان الحي الكائن جنوب شرقي حيّ النزهة، على حدود "سكنة درويش" التاريخيّة.

وتاريخياً، تعود ملكية هذا القصر إلى الفلسطيني عبد الرؤوف إبراهيم أحمد بركات، وهو من أكبر ملّاكي مدينة يافا وقراها. فهو امتلك أراضي زراعيّة وبيّارات في قرى عدّة مثل الخيريّة وبيت دجن ووادي حنين وفي مدن يافا واللدّ وطريق القدس، وبين ليلة وضحاها صار لاجئاً مثله مثل أغلبيّة الشعب الفلسطينيّ، وانتهى به الأمر كذلك في لبنان حتى مماته بعد سنوات قليلة من التهجير.

وفي حديث مع الكاتبة رشا بركات، حفيدة عبد الرؤوف التي تقيم في لبنان، توضح لـ"العربي الجديد" أنّ "قصر الستّ وردة سُمّي كذلك نسبة إلى امرأة اشتهرت في مدينة يافا ما قبل النكبة بسنوات عدّة. بعد مدّة من الزمن، قرّرت الستّ وردة المتقدّمة في السنّ بيع قصرها، فاشتراه جدّي عبد الرؤوف في عام 1935 وأبقى على تسميته". وتؤكّد أنّ "هذا القصر كان مميزاً في تاريخه، ومعه بيّارة واسعة وفيه بركة ريّ هدمها الاحتلال كباقي برك الريّ الفلسطينيّة. وكانت جدران هذا القصر كما الكنائس، فيها زجاج محجّر وملوّن. وكان القصر ومحيطه في ذاك الوقت أنيقاً ومميزاً وراقياً، وينطوي على فنّ هندسي جميل".

تضيف رشا بركات: "للأسف، يحوّل الاحتلال كلّ شيء كما يشاء ويتصرّف بكلّ أملاكنا على هواه ويمارس فرعنته واستكباره على أهل الأرض الحقيقيّين. فقد تمّت ملاحقة أهالينا، خصوصاً أصحاب النفوذ والملّاكين للإطاحة بكلّ ما يملك الفلسطيني وسرقة وطنه كلّه". تتابع أنّ "هذا القصر الذي كان ملكية جدي عبد الرؤوف إبراهيم أحمد بركات يُحوَّل إلى مكان لا نعرف طبيعته فينا، يُهجَّر من يسكن في قسم بسيط من أقسامه من أهلنا الفلسطينيين، كالسيّدة روضة أبو خاطر".

وتشير رشا بركات إلى أنّ "الجميع يعلم، بمن فيهم داعمو الاحتلال، من مختلف أنحاء العالم، أنّ كلّ ما يدّعيه الاحتلال هو كذب وافتراء وتزوير، وأنّنا نحن أصحاب الأملاك الحقيقيون، وأنّ السيطرة تمّت عليها وسُرقت. لكنّ هذا الصمت العالميّ من قبل الشرفاء كذلك، وليس فقط من قبل داعمي الاحتلال، غير مبرّر وغير واضح وغير مفهوم".

وتشدّد: "نحن لسنا متساهلين، ولم نبِع ولن نبيع، ولا نتوقّف عن عشق أرضنا ووطننا، ولم ولن ننسى النكبة، وسوف نستمرّ في قول الحقّ والمطالبة بحقوقنا المشروعة". وتنتقد "الصمت الإعلاميّ على المستوى العالميّ والمحليّ كذلك، ولا يمكننا وضعه إلا في خانة الخيانة والتخاذل. وثمّة تطهير عرقي ليس فقط في القدس، إنّما في قرى ومدن فلسطينية عدّة. لكن المطالبات تتمّ فقط من ضمن خانة أجندة اللون الواحد مع إعطائها طابعاً دينيّاً وليس وطنيّاً شاملاً، وهذا كذلك أمر بمنتهى الخطورة".

المساهمون